الوكيل – تحت ستار الخفاء، ووسط فوضى تنظيمية، وضعف آليات الرقابة الرسمية، تنتعش سوق غير شرعية، للاتجار بالبشر، أبطالها مكاتب خدمات عامة غير مرخصة، وأفراد وسماسرة، يجدون في ‘تسليع البشر’، منبعا للربح المالي، الكبير والسريع. هؤلاء الأبطال، وخصوصا مكاتب غير مرخصة، يمارسون أعمالهم منذ سنين بالظل، مستغلين ثغرات قانونية، في عمليات الرقابة والضبط، وآليات إثبات جريمة الاتجار بالبشر. وفيما تنتظر جهات رسمية شكوى أو إخبارية للتحرك، تغرق الإعلانات عن ‘الخدمات غير الشرعية’ في هذا المجال الصحف والمحطات الفضائية! إلى جانب مكاتب غير مرخصة، لا تتردد بإبرام عقود وهمية، وتقديم وصولات مالية مزورة لزبائنها، فقد وجد مواطنون وسماسرة عرب، في سوق الاتجار بالبشر، مرابح مالية كبيرة، تمكنهم من دفع غرامات أو كفالات مالية، في حال تم ضبطهم رسميا. ويتفنن متاجرون في ترويج ‘بضاعاتهم’ للمستخدم، وإقناعه، بأساليب مغرية، ماليا، وأخرى بتزيين خدمات ‘منافية للأخلاق’. في وقت يلجأ فيه عدد من المتاجرات، من جنسيات آسيوية، تحولن من ضحايا إلى متاجرات وسمسارات، إلى استغلال عاملات بلادهن، وإدارة شبكاتهن الخاصة، بحذر شديد، عبر اتصالات هاتفية مع الزبائن. إلى ذلك، أشار أحدث تقرير دوري، صادر عن وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي، إلى جملة من الانتهاكات الخاصة بالاتجار بالبشر، بحق عاملات منازل في الأردن. وقال التقرير إن الأردن ‘ما يزال يحافظ على المرتبة الثانية في مكافحة الاتجار عالميا’، لكنه أوصى بضرورة تكثيف الجهود لملاحقة ومعاقبة المتاجرين بالبشر، وتوفير مراكز إيواء لائقة للضحايا. اصطياد عاملات هاربات في الأغلب، يعتاش المتاجرون على ‘اصطياد’ عاملات منازل هاربات، اللواتي يقدر عددهن رسميا، بحوالي 15 ألف عاملة، يعمل أغلبهن في ظروف إجبارية، أقرب إلى ‘العبودية والرق’، من خلال تشغيلهن بنظام غير قانوني (يومي أو أسبوعي أو شهري)، مقابل أن تحصل العاملة على أدنى متطلبات الحياة، المعيشية والمالية، وأن تُوارى عن أنظار الرقابة الأمنية والرسمية. الزميلة حنان الكسواني في ‘الغد’ زارت، على فترات زمنية متقطعة، ما يمكن تسميتها ‘أوكارا’ لعدد من مكاتب خدماتية، غير مرخصة، وأخرى لمتاجرين من جنسيات آسيوية، في مناطق بالعاصمة، حيث استخدمت معدة التحقيق عاملة منزل بنغلاديشية، بنظام شهري، مقابل 200 دينار، لتتبين الفوضى الحقيقية في سوق عاملات المنازل، وعمليات نصب واحتيال مالية على مواطنين. بعد مفاوضات عديدة مع صاحب مكتب خدمات عامة في جبل الحسين، تم الاتفاق مع معدة التحقيق، على توفير عاملة، بمواصفات عالية الجودة، أهمها قدرتها على العمل المنزلي، والتعامل مع الأطفال، أثناء فترة دوام الأم، مقابل راتب شهري 200 دينار. تبين أن هذا المبلغ هو أقل أجر، يتقاضاه مكتب، يدير أعماله بالخفاء، مقارنة مع أسعار المكاتب غير المرخصة الأخرى، إذ تتراوح أجور العاملات بين 350- 450 دينارا شهريا، ومبلغ 75 دينارا أسبوعيا، وقد يرتفع لـ90، بينما تتراوح أجورهن بنظام المياومة إلى 18 -32 دينارا، شاملة أجور النقل أحيانا. رفض صاحب المكتب حضور معدة التحقيق شخصيا إلى مقره، مصرا على إيصال العاملة إلى المنزل بخلدا، مع إحدى موظفاته، التي تقاضت أجرة ‘التكسي’، عشرة دنانير، قبل أن تبرم الوصل، المروس باسم المكتب وهواتفه، وقد كتب فيه ‘200 دينار لا غير، مقابل أجور شغالة، وعمولة المكتب لا تسترد ويمكن تبديلها’. بعد تسليم العاملة البنغلاديشية، ومغادرة المندوبة المنطقة، اتضح أن العاملة كبيرة بالسن، وبحاجة لرعاية منزلية، وتعاني من أمراض مزمنة (سكري وضغط)، وتصاب بنوبات صرع، حسب قول العاملة، التي تتقن اللغة العربية قليلا. بعينين متعبتين، وتقاسيم وجه شاحب، قالت: ‘أنا ما معي تصريح عمل.. ولا إقامة، وصاحب المكتب بطعمينا وبحمينا بعد هروبنا.. وبعدين في شغل كثير.. وفلوس كثير’.حاولت معدة التحقيق الاتصال عدة مرات بالمكتب على هواتفه الخلوية، وهاتف المندوبة، وبعد ثلاثة أيام، رد صاحب المكتب، بصوت غير مبال: ‘خير شُو في’. وعندما طلبنا استبدال العاملة، استشاط غضبا، ورفض بشدة إعادة المبلغ المالي، وختم عبر الهاتف: ‘يختي.. البضاعة المضروبة بـ200 دينار، أما الجيدة بـ450، وإذا مش عاجبك روحي اشتكي علينا’. هذه العاملة يعتبرها قانون مكافحة الاتجار بالبشر الأردني، ومواثيق حقوق الإنسان الدولية وكافة الشرائع السماوية ‘ضحية’، تم استغلالها جسديا واقتصاديا ومعنويا، وخاصة أن المكتب ‘المخالف’ قد أوهمها بأنها ستتقاضى من الزبون مع نهاية الشهر راتبا جديدا، مقداره 450 دينارا. وهي كانت تجهل أن صاحب المكتب، يعمل بطرق غير شرعية، وأنه قبض ثمن عملها مباشرة، وتركها وحيدة. وأخيرا، تم تسليم العاملة ‘المضروبة’، حسب قول صاحب المكتب، له، متعهدا بإرسال عاملة أخرى ‘جيدة’، براتب شهري، يحدد لاحقا، مع خصم مبلغ 200 دينار، من المبلغ الجديد. لكن، وحتى انتهاء إعداد هذا التحقيق الاستقصائي، لم يتم تسليم عاملة جديدة، وذهب المبلغ المدفوع لجيب صاحب المكتب. المعاناة ذاتها، ذاقتها الحاجة أم عبدالله صابر، بعد أن تعاقدت مع أحد المكاتب الخدماتية العامة، في شارع الجامعة، التقطت هاتفه من إعلان صحفي، لكنها اكتشفت بعد أن دفعت للمكتب 320 دينارا، أن العاملة ‘سرقت’ 500 دينار وولت هاربة. تفاجأت ابنة الحاجة أم عبدالله لدى مراجعتها للمكتب، الذي لا يحمل لافتة صريحة باسمه، بأن العاملة ذاتها مقيمة في المكتب، وأنهما ‘قد رتبا’ سيناريو السرقة معا، كما قالت . تجهل أم عبدالله، كغيرها من الأسر، التفريق بين المكاتب المرخصة وغير المرخصة، وفيما إذا كان هنالك أية جهة رسمية، تختص بالتحقيق بشكواهم. وهذا ما يؤكده أيضا رئيس قسم العاملين في المنازل، في وزارة العمل، ماجد جازي، الذي يشير إلى أن المديرية ‘لم تتلق’ أي شكوى خلال العام الماضي، وحتى بداية شهر حزيران (يونيو) الحالي، ضد أي مكتب خدماتي غير مرخص بشبهة الاتجار بالبشر’. ويتفق معه أيضا نقيب أصحاب شركات الخدمات المساندة المهندس محمد شوحة، من حيث عدم تلقي نقابته أي ملاحظة على أعضاء النقابة، التي تضم 87 شركة ومكتبا مرخصا من قبل وزارة الصناعة والتجارة، وتختص بتقديم خدمات النظافة والفندقة والمصبغة والإطعام والشراب. ويلفت شوحة لـ’الغد’ إلى أن دور النقابة ‘تشاركي مع الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع، للارتقاء بمستوى المهنة’. بيد أنه يستدرك: ‘لا بد من إيجاد آلية تمنح دورا أكبر للنقابة لتنظيم المهنة، ومراقبة أعمال أعضائها وإلزامهم بالانتساب’. إعلانات مضللة لمكاتب خدمات يجد متاجرون أن الإعلان عبر الصحف الأسبوعية، والمحطات الفضائية، فيه منفذ لاصطياد ضحاياهم، من الراغبين في استخدام عاملة بنظام المياومة أو الأسبوعي أو الشهري، في حين أن المكاتب المرخصة لاستخدام واستقدام العاملات، تضع رقم تصريحها، الصادر عن وزارة العمل، إضافة إلى أن عقد الاستقدام من الأسواق المرخصة (الفلبين، سيرلانكا، كينيا وبنغلاديش) يكون لمدة عامين، على أن تجدد إقامة العاملة إذا رغبت بذلك. معدة التحقيق قامت بزيارة أحد المكاتب الخدماتية للتنظيف في عمان الغربية، بعد أن رصدت إعلاناته المتكررة، عن خدماته الواسعة، عبر محطات فضائية، وتشمل صيانة عامة للمنازل، ونقل البضائع، وتنظيف ما بعد البناء، لكنه يضع في الإعلان صورة عاملة من جنسية آسيوية. لم يمانع المكتب معاينة ‘بضاعته’، حسب قوله، بعد أن قرأ علينا لائحة أسعار وأجور العاملات من جنسيات آسيوية، مع التشديد على إيصال العاملة إلى مكتبه يوم الخميس ظهرا، واستعادتها للعمل في المنزل صباح يوم السبت. هذه الإجازة للعاملات بنظامي الأسبوعي والشهري فقط، متعارف عليها لدى جميع من يعمل بـ’تسليع البشر’، بهدف توفير الخصوصية للمتزوجات أو صديقاتهن، ومنهن من يبحثن عن متعة التسوق أو العبادة بالعطلة. ثلاث غرف صغيرة، وأثاث متواضع في هذا المكتب، بالكاد تكفي لاستقبال العاملات، قبل تدويرهن في منازل عمّانية. بالعادة، يبدأ صاحب المكتب بعرض العاملة أمام الزبائن، مع تقديم مزايا كل واحدة، من حيث العمر، وقدرتها على العمل المنزلي المتقن، كل ذلك مقابل أن يتقاضى مبلغ 50 دينارا، عن كل ‘رأس’، إضافة إلى 300 دينار شهريا، بحيث يتم تسليم أجر العاملة، كل أسبوعين، بواقع 150 دينارا، أو المبلغ كاملا في نهاية الشهر. يلجأ آخرون، وخصوصا سيدات من صاحبات مكاتب غير مرخصة، إلى أسلوب التفافي وجذاب، باستخدام الإعلانات المبوبة في الصحف، وفضائيات، يقترب مضمونها من ‘شبهة’ الاتجار بالبشر. ‘خادمة سيرلانكية متفرغة.. تطلب عملا لدى كبار السن’، وإعلان آخر يشير إلى ‘إمكانية مبيت الخادمة في المنزل، بشكل شهري، لرعاية الأطفال’، وآخر: ‘خادمة تطلب عملا بشكل يومي أو أسبوعي أو شهري مع مبيت أو بدون’. وبشكل عشوائي، اتصلت ‘الغد’ هاتفيا مع أصحاب تلك الإعلانات، لتكتشف أنهن صاحبات مكاتب غير مرخصة، يمارسن توظيف عاملات هاربات، من جنسيات آسيوية، منذ عشر سنوات، ويرفعن شعار: ‘الصدق والإمانة في التعامل مع الزبائن’. تتواجد ‘المتاجرات’ في مناطق مختلفة، منها وسط البلد، بالقرب من سوق الذهب، ومنطقة العبدلي، والجبل الأخضر ورأس العين، وجبل عمان والجبيهة وأبو نصير ومرج الحمام. أغلبهن يرفضن، وبشدة، الإخبار عن مقر مكاتبهن، حسب ما رصدته ‘الغد’، ووثقته بتسجيلات هاتفية. بدوره، وجه مساعد أمين عام وزارة العمل إبراهيم السعودي عدة كتب رسمية، إلى هيئة الإعلام، لمنع نشر الإعلانات المخالفة، إلا أنها ‘لم تتخذ بحقهم أي إجراء قانوني’، بحسبه. لم يمانع أبو رامي (اسم مستعار)، صاحب مكتب خدماتي، غير مرخص، يعمل في منطقة سحاب الصناعية، من توريد عاملاته لعمان الغربية، على أن يضاعف أجورهن، شاملة أسعار المواصلات، ليصل أجرهن اليومي إلى 32 دينارا يوميا، و120 أسبوعيا و500 شهريا. يقدم المكتب ذاته خدمات، يصفها أبو رامي لـ’الغد’، بـ’الخمس نجوم’، غير مكترث بعملهن في شقق، قد يكون أصحابها شبابا عازبين. ويتميز هذا المكتب بخدماته، وفقا لقوله، بعمل فحوص طبية للعاملات، على نفقته الخاصة، بمعدل كل ستة أشهر، وذلك للاطمئنان على عدم انتقال أي أمراض سارية إليهن. مشددا على أهمية إجازتهن الأسبوعية، ليتسنى لهن الالتقاء بأزواجهن، الذين يعملون في المناطق الصناعية. ‘أوكار’ تدار بأيد أردنية وآسيوية قد تختلف أوجه استغلال المكاتب غير المرخصة لعاملات المنازل، عن نظيرتها في مهنة الاتجار، من حيث الأسلوب في إدارة الأعمال، لكنها جميعا تتفق على الكسب المالي السريع. فيما تتفق منظمات حقوقية ونقابة اصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل، على ضرورة اتخاذ إجراءات قانونية رادعة، بحق المخالفين، وتعظيم العقوبات بحق من يشغل عاملة هاربة، بحسب نقيبها خالد الحسينات. إلا أن هذا الاقتراح، الذي قدم لوزارة العمل منذ العام 2024، جوبه بالرفض من قبل ‘العمل’، وأثار جدلا واسعا، بين جميع الجهات المعنية، لم يحسم حتى الآن. في هذا السياق، أعرب ماجد جازي المختص بمتابعة ملف عاملات المنازل في الوزارة عن مخاوفه من ‘فقدان السيطرة على إدارة هذه الأعمال الخدماتية’، بل إن مشاكل استغلال العاملات بالمنازل ‘ستتفاقم، وقد تصل حد استخدامهن في أعمال منافية للأخلاق’، معتبرا هذا الاقتراح ‘غير عملي، يصعب تطبيقه على أرض الواقع’. وكان مجلس الوزراء وافق في شباط (فبراير) الماضي على إنشاء دار لرعاية ضحايا الاتجار بالبشر. فيما ما يزال التنسيق رسمياً جارياً مع منظمات مجتمع مدني، لتوفير إيواء لضحايا، منها اتحاد المرأة، الذي يضم دارا لإيواء الضحايا، تم إيواء 52 عاملة فيها العام 2024، منهن 23 من الجنسية البنغالية، 8 من السيرلانكية، و7 أندونيسيات. وفي وقت، يشير الحسينات إلى أن رفع تكلفة الاستقدام ‘لا يخدم على الإطلاق أطراف عملية الاستقدام (المكتب والكفيل والمواطن)’، وجدت بعض المكاتب المرخصة، طريقة لحل مشاكلها، بعيدا عن الطرق الرسمية، أو النقابية، بأن تستعيد عاملاتها الهاربات من السماسرة والمتاجرين، بدفع مبالغ مالية لهم، على أن يتعهد ‘غير المرخص’ بعدم تهريبها مرة أخرى. هذا ما أشار إليه صاحب مكتب ‘عبدالوهاب’ لاستقدام العاملات في منطقة الرابية. في إحدى العمارات التجارية في منطقة ‘الجاردنز’، وفي قبو مظلم لا يرتقي إلى مستوى معيشي لائق بالبشر، يدير عامل من جنسية آسيوية، منذ سنوات طويلة، عمله بتشغيل من يستقدمهن من بلده، بعد أن يتكبد تكاليف تذاكر السفر والإقامة وتأشيرة دخول خاصة (فيزا) من وزارة الداخلية، باتت تقنن إصدارها مؤخرا. خصص العامل أحمد (اسم مستعار)، الذي يعمل حاليا حارس عمارة، غرفتين في قبو العمارة، منفصلتين، إحداهما للرجال، وأخرى للنساء. ‘الغد’ زارته في مقره، بحجة الحاجة الملحة لعاملة منزل، عبر توصية من زبون دائم لديه، حتى يطمئن، ويكشف عن أسرار عمله. تنبعث من هذا ‘الوكر’ رائحة كريهة، ويضم فرشات اسفنجية مهترئة، وحشرات زاحفة تملأ المكان، إلا أن العاملات يعتبرن إقامتهن مؤقتة لحين سداد كافة تكاليف استقدامهن. اتفقت معدة التحقيق مع العامل أحمد على أن يتقاضى أجرة العاملة العشرينية مدبي (اسم مستعار)، لمدة أربع أشهر متواصلة. وبعد ذلك يتم محاسبة العاملة مباشرة، مقابل أن تقتطع نسبة معقولة من راتبها شهريا، لتوفير الحماية الجسدية والنفسية لها، من العالم الخارجي. ونظرا لصغر مساحة ‘الوكر’، بات يؤوي العامل أحمد خمس عاملات، ومثلهن من العاملين، يجتمعون عادة في الإجازات الأسبوعية. في هذا السياق، كشفت وحدة مكافحة الاتجار بالبشر عن إحالة سماسرة أردنيين وعربا، تاجروا بثماني عاملات أثيوبيات، يتواجدن في عمان والزرقاء، إلى القضاء الأسبوع الماضي، في حين تم إيواء العاملات في دور الإيواء في عمان، ليصار إلى تصويب أوضاعهن، وتأهيلهن، قبل مغادرتهن إلى بلادهن. يتعامل هؤلاء مع مكاتب مرخصة، وغير مرخصة، لتشغيلهن في أعمال جبرية، ويتم تجويعهن وتهديدهن بالسلطات الأمنية، بعد حجز جوازات سفرهن. ارتفاع عدد قضايا الاتجار بالبشر مدير المرصد العمالي، وعضو تحالف إنسان للمراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان، أحمد عوض، يعتبر هذه الحالات ‘مؤشرا واضحا لعمل غير قانوني، يكشف عن ضعف في أداء وزارة العمل، الرقابي والتفتيشي، والتقصير في واجباتها’، ما يستدعي، حسب قوله لـ’الغد’ ‘إعادة النظر بالمهمات الموكولة لها’ على هذا الصعيد. ويرى عوض أن الأردن ‘أمام ظاهرة تمارس بالخفاء منذ سنين، في ظل شبهة توفر عصابات منظمة، لتهريب العاملات، الأمر الذي يستدعي تحقيقا قضائيا سريعا وواسعا للوقوف على مدى توافر معايير الاتجار بالبشر، في هذه الحالات، لحماية المجتمع من المتاجرين وتوفير الحماية لضحاياهم’. من وجهة نظر المشرع الأردني، فإن جرائم الاتجار بالبشر، حسب نص المادة (3) من قانون منع الاتجار بالبشر 2024، هي ‘استقطاب أشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم، أو استقبالهم بغرض استغلالهم، عن طريق التهديد بالقوة، أو استعمالها، أو غير ذلك، من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة، أو استغلال حالة ضعف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية، أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على هؤلاء الأشخاص’. كما عرف الاستغلال، كأحد عناصر هذه الجريمة، بأنه: ‘استغلال الأشخاص في العمل بالسخرة، أو العمل قسرا، أو الاسترقاق أو الاستعباد، أو نزع الأعضاء، أو في الدعارة، أو أي شكل من أشكال الاستغلال الجنسي’. وعليه، فقد رصدت وحدة مكافحة الاتجار بالبشر خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي 24 قضية مثبتة، منها 13 عملا جبريا لعاملات في المنازل، من جنسيات آسيوية، و5 قضايا استغلال جنسي، وقضية واحدة نزع الأعضاء (كلى). المحامي حسين العمري، مدير وحدة شكاوى عاملات المنازل في مركز عدالة للمساءلة القانونية، يعتقد أن أحد أسباب انتعاش سوق سوداء، لاستقدام العاملات هو ‘فوضى التنظيم’، تغذيها مخاوف وزارة العمل من الاصطدام مع أصحاب المكاتب الخدماتية غير المرخصة، كون أغلبهم ‘متنفذين في الدولة’، على حد قوله. وبنى المحامي العمري رأيه على ‘عدم تجريم من قام بتكرار فعل المتاجرة بالبشر، رغم تحريك عدة دعاوى قضائية’، وبخاصة أن كل ما يقدم إليهم، سواء شكوى أو إخبارية، مدعمة بالوثائق. غير أن مدير وحدة مكافحة الاتجار بالبشر العقيد عماد حمدي الزعبي يؤكد أن الوحدة ‘تتعامل مع كافة الشكاوى والإخباريات، الصادرة عن منظمات مجتمعية حقوقية، وأفراد وعاملات منازل بجدية’، لكن، وحسب قوله، ‘فمن الصعوبة إثبات جريمة الاتجار، إذ تحتاج كل قضية إلى تقصٍّ دقيق للمعلومات، وتقديم دلائل ملموسة للمدعي العام، قبل تصنيفها تحت بند جريمة، أو أنها لم تصل إلى درجة الاتجار بالبشر’. ويضيف الزعبي لـ’الغد’ أن أغلب القضايا، التي تم التحقيق فيها، تندرج تحت بند مخالفة قانوني العمل والإقامة، معتبرا أن ‘قضايا الاتجار بالبشر، التي يتم التعامل معها، هي قضايا نوعية’. وبمقارنة أحدث إحصائيات قضايا الاتجار بالبشر، بين منتصف العام الحالي، والعام الماضي 2024، التي بلغت 27 قضية، يتبين أن عدد القضايا في ارتفاع مستمر، وقد يتضاعف، إذا استمرت الوحدة بعملها التشاركي، مع الوزارات الرسمية والمجتمع المدني، في تفعيل وتطبيق قانون منع الاتجار بالبشر، ومقاضاة مرتكبي هذه الجرائم، وتوفير الحماية اللازمة للمجني عليهم، والشهود، وتطوير آليات وسبل الوقاية والتعاون الدولي’، كما يقول الزعبي. ويبرر أسباب ارتفاع أعداد قضايا الاتجار إلى ‘الزيادة السكانية واللجوء السوري، إضافة إلى التركيز في عمل الوحدة على محور الوقاية، الذي يهدف لتثقيف المجتمع المحلي بمخاطر الجريمة’. من ضحايا إلى متاجرات بعد أن تعرضت أغلب العاملات إلى استغلال، من مكاتب مرخصة وغير مرخصة، وجدت بعضهن فرصة للاتجار بعاملات من بلادهن، لتحقيق مكاسب مالية خاصة. هذا ما أكدته إحدى المتاجرات برباشي (اسم مستعار)، أثناء مقابلتها لـ’الغد’ في أحد المنازل بعمان. وتعي برباشي، التي تمارس نشاطها مع شقيقتها منذ 5 سنوات، أن عملها ‘مخالف للقوانين’، غير أنها حذرة جدا بعملها، حيث تشترط عدم السماح للعاملات بالتواجد خارج منزل المستقدمة، وإن خرجت فلا بد من ارتداء ‘الخمار’ الأسود، لإخفاء معالم وجهها، ولضمان عدم توقيفهن من الجهات الأمنية. هذه المتاجِرة ‘الذكية’، كانت تعمل في أحد المصانع، وتم تسريحها ومجموعة من زميلاتها، ما اضطرها للبحث عن دخل شهري جيد، للإيفاء بالتزاماتها العائلية، بعد أن وجدت نفسها في الشارع. فيما تم ضبط إحدى المتاجرات، من جنسية سيرلانكية، توزع بطاقاتها التعريفية على زبائنها، معلنة عن خدماتها، وإحالتها إلى القضاء، ما تزال متاجرة سيرلانكية خمسينية، تدير عملها بإيواء عاملات هاربات في منزلها، حولته إلى مكان عبادة لإحدى الطوائف الدينية ‘الشرق آسيوية’ المتشددة، حسب مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية ليندا كلش، التي أشارت إلى أن ‘محاولات جادة للقبض عليها من قبل الأجهزة الأمنية، لكنها باءت بالفشل’، وأشارت كلش إلى أن هذه المتاجرة ‘لم تبدل أرقام هواتفها وأماكن تواجدها باستمرار’. الحكومة ‘مقصرة’ بعملها وتصر كلش على أن جانبا من فوضى استقدام واستخدام العاملات ‘يعود إلى عدم تفعيل وتطبيق القوانين على أرض الواقع، وعدم التحرك الحكومي الجدي، ما يزيد من معاناة الضحايا’. وتطالب بتعديل قانون العقوبات، بحيث يشمل جرائم العمل الإجباري، والحرمان من الطعام والرعاية الصحية، بصفتها جرائم، وتعديل نظام العاملين في المنازل للعام 2024، بحيث يحظر على أصحاب العمل تحديد إقامة عاملات المنازل قسرا، داخل البيوت، وتوفير التمويل الكافي لدعم ملاجئ منظمات المجتمع المدني، والسفارات أو إنشاء دار رعاية تديرها الحكومة. وأشارت كلش إلى دراسة حديثة، سيصار إلى إطلاق نتائجها قريبا، بعنوان ‘عاملات المنازل غير النظاميات’، اعتمدت فيها على مقابلات شخصية لـ350 عاملة هاربة، من جنسيات آسيوية، حيث تبين أن العاملات يفضلن العمل اليومي أو الأسبوعي، لتحقيق أجور عالية، إضافة إلى أن تعامل مستخدميهم بهذا النظام ‘إنساني’. وتحدثن في الدراسة عن ‘استغلال سماسرة أردنيين لهن، جسديا ومعنويا وماليا’. وأشارت إلى أن بعض المتاجرين، من الأردنيين، يتزوجون أكثر من عاملة آسيوية، ممن يعملن في تهريب العاملات من منازلهن، ويحتفظون بأوراقهن الرسمية إن وجدت، وعليه تقدم مركز ‘تمكين’ بأربع شكاوى بحق أحد السماسرة المعروفين في جبل عمان، ‘لكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات رادعة بحقه، مع أن تهمته واضحة، هي اتجار بالبشر’، بحسب كلش. الدكتور أبو علاء، الذي يتحفظ على نشر اسمه الصريح، اطلع على جانب من مأساة العاملات في السوق السوداء. ويبين أن الإنسان الواعي بحقوق الإنسان ‘يرفض العبودية’، وهو يرفض توظيف عاملات آسيويات في منزله. وعقب زيارات متكررة من قبله للمكتب تفاجأ، حسب وصفه لـ’الغد’، من الأعداد الكبيرة للعاملات، ممن يفترشن الأرض، ومظاهر القهر والجوع والضرب بادية على وجوههن وأجسادهن. بناء على مشاهداته رفض عرض المكتب له، بـ’تجريب’ أداء عاملة بنغالية، حضرت ‘طازة’ للبلد، بأجر أسبوعي، لا يتجاوز 75 دينارا، بعد أن قدر عمرها بـ16 عاما.
اعمال غير شرعية في أوكار متاجرين بالبشر