
استهل المؤتمر بكلمة راعيته د. الفريح التي تمنت على المؤسسات التعليمية أن تساهم بدور فعال في حماية الطفل من كل أشكال العنف التي يتعرض لها، ومن بينها السلبيات المترتبة على انتشار وتفشي الأجهزة الالكترونية بين أيدي أطفال مهما زادت إيجابياتها، فإن سلبياتها تقع على هذا الكائن الصغير بغفلة من الأهل. وتعهدت بجمع المحاضرات وأوراق العمل التي قدمها المشاركون في الندوة في كتاب خاص تطبعه على نفقتها حتى تعم فائدة ما تضمنته على مختلف الشرائح في الكويت، نظرا لأهمية الموضوع الذي تمحورت حوله أعمال المؤتمر، وغنى المحاضرات التي شملت كل الجوانب التي يمكن تناولها في هذا المجال. وشكرت الشركات الراعية وهي: شركة البترول الوطنية الكويتية، والجمعية الوطنية لحماية الطفل، وشركة تال بانو، وفندق كونتيننتال، وفندق موفنبيك – المنطقة الحرة، ومراقبة صحة الفم والأسنان، وحشد من المهتمين بقضايا الطفل.
جرس إنذار
وتضمن الافتتاح ندوة فكرية شاملة تناول المشاركون فيها بمختلف تخصصاتهم إيجابيات وسلبيات الأجهزة الالكترونية المتنوعة ومواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها في الأطفال من الجوانب الجنائية والنفسية والصحية والقانونية والاجتماعية والذهنية، استهلها العميد بدر الغضوري مدير إدارة حماية الأحداث التابعة للمباحث الجنائية في وزارة الداخلية، بدق جرس الإنذار تجاه ما يمكن أن يتعرض له الطفل الكويتي من مخاطر إذا لم تتبع الإجراءات اللازمة لفرض رقابة على استخدام الأجهزة والمواقع، حيث أثبتت الوقائع أن 1 من كل 5 أطفال يتعرض للتحرش الجنسي، ويوجد 504 مواقع على مستوى العالم متخصصة باصطياد الأطفال، مما قد يدفع البعض منهم للانتحار.
وكشف العميد الغضوري أنه جرى علاج أكثر من محاولة انتحار من قبل إدارة الأحداث لفتيات وشباب كويتيين في مقتبل العمر كانوا عرضة للابتزاز الالكتروني، من خلال تعاملهم مع مواقع مشبوهة، منها على سبيل المثال سكايب وماسنجر بلاك بيري وسناب شات، والمخدرات الرقمية، ونصح الأهل عند شراء أجهزة الهواتف الذكية، خصوصا الآيفون وسامسونغ، ببرمجتها بما يتناسب مع عمر من سيستخدمها.
بلورة الشخصية
من جانبه، ركز د. كاظم أبل الاستشاري النفسي والتربوي على التأثيرات النفسية لما تبثه وسائل الإعلام، واعتبر أن الإعلام يساهم في بلورة شخصية الفرد، خصوصا الطفل، كما يؤثر على سلوكه تجاه الآخرين، لذلك نجد أن أبناء الجيل الجديد الذين يتعاملون يوميا مع أجهزة التكنولوجيا بكل ما تبثه من معلومات مفيدة أو ضارة أكثر وعيا وفهما من الجيل السابق، لكنهم أكثر انحرافا وعدوانية، مما يستوجب المتابعة والرقابة من قبل الأهل حتى لا يبقى الأطفال عرضة للتأثيرات الضارة التي تبثها وسائل الإعلام ومواقع التواصل اجتماعي.
عزلة وكسل
الجوانب الاجتماعية كانت محط تركيز مديرة مركز الطفولة والأمومة د. سعاد السويدان، التي وصفت الأطفال والشباب اليافعين بأنهم ينتمون إلى «جيل الرقبة المنحنية» لتعلقهم بالهواتف الذكية التي لا تفارق أيديهم، إضافة إلى جلوسهم على مدى ساعات يوميا أمام الأجهزة الالكترونية، مما يسبب لهم العزلة والكسل الناتج عن قلة الحركة، وفقدان التركيز الذهني، واضطراب النوم، وزيادة معدل السمنة والبلاهة الرقمية. وطالبت د. السويدان الأسرة بأن تكون الحارس الأمين على أبنائها وتركز على تنشئتهم اجتماعيا كي لا يتضاعف التفكك الأسري.
أعراض خطرة
«التكنولوجيا والسعرات الحرارية» كان عنوان البحث الذي قدمته اختصاصية التغذية العلاجية في مستشفى السلام مريم التركي، وقالت: إن الأطفال من عمر 8 ــ 18 سنة يمضون أكثر من 7 ساعات ونصف الساعة أمام التلفاز والأجهزة الذكية يوميا، بينما يجب ألا يتجاوز المعدل الطبيعي ساعتين يوميا. وأشارت التركي إلى أن 2 ــ 3 من كل 10 أطفال يمارسون نشاطات حركية يومية، و7 من 10 أطفال يستخدمون التكنولوجيا في الألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي بدلا من البحث العلمي. وهذا يؤدي بشكل طبيعي إلى أعراض خطرة من أبرزها: الانعزال عن أفراد العائلة، تقليل المهارات الاجتماعية ومهارات التواصل الحقيقية، السمنة، وبالتالي الانطوائية وعدم الثقة بالنفس والاكتئاب والربو والسكر ومشاكل القلب. وأكدت وجود مجموعة من الإيجابيات التي يجب العمل على الاهتمام بها للحد من السلبيات.
التكوين والإنشاء
د. طارق البكري، الصحافي والكاتب المتخصص بأدب الطفل، أكد أنه من خلال تجربته الشخصية وعلاقته مع الأطفال الذين يتابعون ما ينشره من قصص موجهة لهم لا تشغله قضية التكنولوجيا، حيث ان مواقع التواصل الاجتماعي أقامت جسورا من التواصل بينه وبين الأطفال في مختلف الدول العربية. وطالب د. البكري وزارة التربية في الكويت ومختلف الدول العربية إلى عدم الاكتفاء بدورها التقليدي «التربية والتعليم» وممارسة فكرة التكوين والإنشاء للأطفال، استجابة للتحديات التي تفرضها ثورة الاتصالات وانتشار الأجهزة الالكترونية.
تقصير تشريعي
المحامية زهراء السلطان استهلت محاضرتها قائلة ان الطفل قانونيا هو كل إنسان لم يبلغ 18 من عمره، وتحرص مختلف الدول، وخصوصا الموقعة على الاتفاقية الدولية لحماية الطفل التي وقعت عليها الكويت عام 1991، على حماية الطفل من كل أشكال العنف والاعتداء، لكن المشرع الكويتي لم يدرك حتى الآن خطورة الجرائم الالكترونية التي غالبا ما يكون الأطفال والشباب أكثر عرضة لها، ومسرح الجريمة الالكترونية العالم بأسره يمارسها هواة ومحترفون، ومحاكمنا مملوءة بقضايا الجرائم الالكترونية التي يجب العمل على تغليظ العقوبات على مرتكبيها.
وختمت الندوة بالرد على أسئلة ومداخلات الحضور، الذي حرصوا على الإشادة بفكرة المؤتمر، والمضمون الفكري والعلمي الذي تضمنته المحاضرات.
مخاطر صحية
استهل د. أشرف عزاز، اختصاصي الأطفال وحديثي الولادة في مركز الجار الله الألماني التخصصي، ورقة العمل التي قدمها بدراسة حديثة من واقع المجتمع الكويتي أعدها د. فهد العنزي وشملت 1156 تلميذا، %46 من الذكور و%54 من الإناث في الفئة العمرية من 6 ــ 12 سنة، مما جاء فيها:
– %28 من الأطفال يقضون أكثر من 5 ساعات يوميا أمام الأجهزة هؤلاء أكثر عرضة للإدمان.
– %18.6 يقضون 3 ــ 4 ساعات يوميا أمام هذه الأجهزة.
– %19.3 يقضون من 2 ــ 3 ساعات يوميا أمام هذه الأجهزة.
– %26 يقضون من 1 ــ 2 ساعة يوميا.
– %8 يقضون ساعة واحدة يوميا أمام هذه الأجهزة.
وبالنسبة لنوعية البرامج التي يستخدمها هؤلاء الأطفال على هذه الأجهزة، فالنتائج كانت مخيبة للآمال وجاءت على النحو التالي:
– %38 يستخدمونها للألعاب، و%26 أفلام الكارتون، و%15 للانترنت، و%11 للمحادثة، و%10 فقط من الأطفال يستخدمونها كوسائل تعليمية.
أما بالنسبة لتأثير هذه الأجهزة في هوايات الأطفال وسلوكهم، فقد أظهرت النتائج أن %37 من الأطفال الذين شملتهم الدراسة توقفوا تماما عن ممارسة الرياضة والأنشطة الدينية والهوايات الأخرى بعد اقتناء هذه الأجهزة الإلكترونية، و%69 يصرون على اصطحاب هذه الأجهزة الذكية أثناء خروجهم خارج المنزل.
وبالنسبة لتأثير هذه الأجهزة على الأطفال الذين شملتهم الدراسة فقد لاحظ %56 من الآباء والأمهات الذين شملهم الاستبيان أن أطفالهم يعانون من بعض الأعراض التي تصاحب استخدام الأجهزة مثل احمرار العينين وآلام الرقبة واليد والأصابع واضطرابات النوم والاحتيال والكذب لكي يقضوا أطول فترة في استخدام هذه الأجهزة، كما تنتابهم نوبات غضب وعنف عند محاولة الوالدين وضع ضوابط لاستخدام هذه الأجهزة. وقد خلصت هذه الدراسة إلى عدد من التوصيات والنصائح للآباء والأمهات ومسؤولي التربية والتعليم للحد من الآثار الخطيرة.
وأشار د. عزاز إلى بعض المخاطر الصحية، ومنها أن العلماء كشفوا أن الوميض المتقطع بسبب المستويات العالية والمتباينة من الإضاءة في الرسوم المتحركة يتسبب في حدوث نوبات من الصرع لدى الأطفال، وحذر العلماء من الاستخدام المستمر والمتزايد لألعاب الكمبيوتر الاهتزازية من قبل الأطفال لاحتمال ارتباطه بالإصابة بمرض ارتعاش الأذرع، كما أن وضع أجهزة اللابتوب والآيباد على الساقين يؤدي إلى حساسية الجلد والعقم.
إشادة
أشاد رئيس «الشريعة والفقه المقارن» في كلية القانون الكويتية العالمية، بفكرة المؤتمر وما تضمنتها المحاضرات من أفكار تصب في مصلحة الطفل والأسرة، وأشار إلى أن الدين الإسلامي تضمن أسس رعاية الطفل وحمايته من مختلف الجوانب لضمان تنشئته السليمة والمتوازنة.