يهتم علم النفس المرضي بدراسة جميع أنواع الاضطرابات والأمراض التي تعوق الفرد أو الإنسان عن التوافق مع البيئة والمحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه،سواء كانت هذه الاضطرابات وجدانية عقلية،سلوكية،أم نفسية-جسمية،حيث تؤدي هذه الاضطرابات والأمراض إلى فقدان التوازن الجزئي أو الكلي مع المحيط.
مفهوم السلوك المرضي(الباثولوجي)
تعددت التعريفات التي تعرضت لهذا المفهوم بالتحديد،ويعود سبب التعدد هذا لاختلاف المنطلقات التي ينطلق منها الباحثون في دراسة هذا الموضوع،ومن أشهر التعريفات للسلوك المرضي هو الذي يرى أن هذا السلوك"عبارة عن انحراف أو شذوذ عن المعايير التي يتبناها مجتمع ما"،ورغم شيوع هذا التعريف المختصر،فإنه لا يعتبر تحديدا دقيقا للمفهوم،إذ ليس كل شذوذ أو انحراف عن المعايير هو عبارة عن سلوك مرضي،فالشخص العبقري (مثلا)يقع خارج دائرة السلوك المعياري للذكاء(مثلا) ولكنه لا يعتبر مريضا.
وهناك تعريف آخر يحدد السلوك المرضي على أنه"السلوك اللاتوافقي أي السلوك الذي يكون،له انعكاسات سلبية بالنسبة للفرد والمجتمع"وبناء على هذا التحديد،فإن المرض النفسي هو العجز عن السلوك المقبول اجتماعيا،حيث تكون لذلك انعكاسات سلبية على الفرد والمجتمع BournaEkstrand))قد يكون هذا العجز انعكاسا لعطب عضوي(في الدماغ مثلا)أو خلل وظيفي (انعدام المعرفة،القدرة أو الدافعية)وقد يكون العجز ناشئا عن ترابط هذا وذاك كما يؤكد ذلك بورن واكستراند.
ويعتبر تحديد السلوك السوي واللاسوي من الأمور الصعبة،ذلك لأن عوامل التنشئة الاجتماعية،تختلف من مجتمع لآخر باختلاف المستويات الحضارية،وبتنوع الثقافات والديانات،فما يبدو في مجتمع ما بأنه سلوك لا سوي(شذوذ واضطرابات)قد يكون في مجتمع آخر سلوكا عاديا ومقبولا،وهذا ما أكدته عدة دراسات أنثروبولوجية.
وعلى العموم فإن المعايير الاجتماعية والسلوكية في سياق اجتماعي معين،هي التي تحدد إلى حد كبير طبيعة السلوك من حيث السواء والشذوذ،وغني عن الذكر،أن المعايير الاجتماعية والسلوكية،تتحدد بدورها بفعل التفاعل الاجتماعي،الذي يحدث بين أفراد وجماعات مجتمع معين،ضمن إطار ثقافي وحضاري وديني محدد.
وتبسيطا لهذا الموضوع المعقد،لجأ النفسانيون إلى وضع نظريات ونماذج،لتفسير وتوضيح السلوك المرضي،وفيما يلي شرح لبعض أهم هذه النماذج التي وضعت لذلك في إطار الثقافات الغربية.
نماذج علم النفس المرضي:
يعود تعدد النماذج والنظريات التي تعرضت لمفهوم السلوك اللاسوي(المرضي،الاضطراب النفسي)إلى تعدد المدارس التي ينطلق منها النفسانيون من جهة،وإلى اختلاف تصور المدارس للطبيعة البشرية من جهة أخرى.
ـ من أشهر النماذج في تفسير السلوك المرضي:النموذج الطبي،النموذج الديناميكي،النموذج السلوكي ،النموذج الظواهري(الفينومينولوجي)وا لنموذج الأخلاقي.
(1)النموذج الطبيMedical Model:
ينظر هذا النموذج إلى السلوك اللاسوي،على أنه عبارة عن أعراض المرض…أو أنه عملية متشابهة لمرض،فهو بالتالي مرض عقلي.
ومن الافتراضات الأساسية لهذا النموذج،هو اعتبار المشكلات العاطفية مثل الأمراض الجسمية التي يمكن تحديد أسبابها وبالتالي علاجها.
والملاحظ أن النموذج الطبي هو السائد في البلدان العربية حيث يقوم كثير من الأطباء النفسانيين وغيرهم بعلاج جميع الأمراض النفسية والعقلية على السواء،انطلاقا من تصور طبي محض،يقوم على العلاج الكيميائي فقط في أغلب الأحيان،وقد تزداد حالة المريض سوءا نتيجة ذلك،وعليه ينبغي الحرص الشديد في التشخيص والعلاج،وعدم الاعتماد فقط على الأدوية وخاصة عند علاج الاضطرابات النفسية(السلوكية)مثل العصاب.
وإذا كان الأطباء النفسانيون ينظرون إلى الاضطرابات السلوكية نظرتهم نفسها إلى الأمراض الجسمية، فإن المرضى أنفسهم يشجعون هذا الموقف حيث يذهبون إلى الطبيب العقلي بهدف الحصول على الأدوية(الحبوب) لمعالجة اضطراباتهم السلوكية أو الوجدانية تماما مثلما يعالج الصداع أو سوء الهضم.
وبالرغم من أن للنموذج الطبي فضل كبير في علاج بعض الأمراض العقلية والاضطرابات النفسية بنجاح،وفي إدخال عدة مصطلحات ومفاهيم إلى ميدان علم النفس المرضي،فإن هذا النموذج ما يزال عاجزا عن علاج بعض الأمراض العقلية،والاضطرابات السلوكية،بل ما يزال عاجزا حتى عن إيجاد تفسيرا مقنع لها.
(2)النموذج الديناميكيDynamic Model:
يرى النموذج الديناميكي أن أساس السلوك اللاسوي،هو الصراع الذي يحدث بين مختلف جوانب الشخصية،ويعتبر العالم النمساوي سيجموند فرويد،هو صاحب هذا النموذج الذي يرى عدم صلاحية النموذج الطبي في معالجة السلوك اللاسوي
يعتقد فرويد"أن السلوك يتحدد جزئيا بالصراعات النفسية التي لا يشعر بها الفرد"وعليه فإن العمليات العقلية تتم على ثلاثة مستويات:مستوى الشعور،مستوى تحت الشعور،مستوى اللاشعور.
(أ)مستوى الشعور:يحتوي هذا المستوى على الأفكار والمشاعر التي يدركها أو يشعر بها الإنسان في كل وقت.
(ب)مستوى تحت الشعور:يتشكل هذا المستوى من مجموع الأفكار والصور والمشاعر التي يعيها أو يدركها آنيا(في اللحظة)ولكنه في وسعه بمجهود بسيط أن يستدعيها إلى مستوى الشعور.
(ج)مستوى اللاشعور:وهو مأوى الأفكار والخبرات والرغبات والذكريات التي كانت في وقت ما في مستوى الشعور،ثم طردت إلى اللاشعور…لماذا…لأنها تسبب قلقا وتوترا للإنسان باعتبار أن هذه الرغبات غير مقبولة اجتماعيا،وأن التعبير عنها يؤدي إلى التعرض للعقاب أو المعارضة من طرف الآخرين أومن طرف الشخص نفسه.
وإذا كان كبت هذه الرغبات والخبرات بطردها إلى منطقة اللاشعور،يخفف الألم والتوتر مؤقتا،فإن فرويد،يرى أن هذه الأفكار والرغبات المكبوتة،تظل"نشيطة"كما تحدث صراعات لاشعورية يعمد الإنسان إلى التعبير عنها(سلوكيا)بطرق غير مقبولة اجتماعيا،وذلك هو ما يسمى"السلوك اللاسوي" أو"الاضطراب النفسي"ولعلاج ذلك،ينبغي أن يمكن الشخص المعني من إدراك ووعي هذه الخبرات والرغبات المكبوتة بإخراجها من منطقة اللاشعور إلى منطقة الشعور.
(3)النموذج السلوكيBihavioral Model:
يرفض السلوكيون المفاهيم غير القابلة للدراسة مباشرة بواسطة الملاحظة والتجريب،مثل مفاهيم الشعور واللاشعور،وما تحت الشعور وغير ذلك من مفاهيم التحليل النفسي التي يقوم عليها النموذج الديناميكي.
وعليه فهم يعتبرون هذه المفاهيم غير علمية،وغير عملية،وبدلا من الاعتماد على هذه المفاهيم الغامضة ،فإن السلوكيين يرون أن السلوك الملاحظ للشخص هو الذي يحدد فيما إذا كان هذا الأخير سويا أو غير سوي…فالشخص اللاسوي هو الذي يسلك سلوكا غير سوي.
تتمثل القاعدة الأساسية لهذا النموذج السلوكي في التأكيد أن"كل سلوك سوي أو لا سوي هو نتاج عملية تعلم"حيث تؤدي هذه العملية إلى فهم المحيط بمختلف أبعاده،وأي تعلم أو(سلوك)إنما يتحدد بالتعزيزRein for Cement الذي عرفه سلوك ما…وبناء على ذلك فإنه يمكن تغيير السلوك اللاسوي إلى سلوك سوي بواسطة إعادة تدريب(سواء كان ذلك بإعادة التربية أو إعادة إشراط سلوك ما)الأفراد بتعليمهم استجابات جديدة للمثيرات البيئية والمحيطية أو بتغيير البيئة المحيطة بالأشخاص نفسها.
وعليه فالقاعدة الأساسية التي يقوم عليها هذا النموذج السلوكي في تصوره للسلوك المرضي أو الباثولوجي تتمثل في تعديل وتغيير هذا السلوك بواسطة تطبيق قوانين الاشراط والتعزيز.
(4)النموذج الظواهري(الفينومينولوجي):
يقوم هذا النموذج على دراسة حقيقة الوعي الداخلي،ويعتمد كثيرا في فهم أسباب السلوك على الإحساس والحدس…ويؤكد على ضرورة فهم الفرد لوجوده في الزمان والمكان،حيث ينبغي لكل فرد أن يضع تصورا خاصا به لفهم معنى الحياة ولتحمل المسؤولية،والاعتماد على النفس لتحقيق نمو الشخصية.وبناء على هذا التصور،فإنه يحدث ما يعرف"بالقلق الوجودي Existential Anxiety"عندما تصبح الحياة لا معنى لها عند شخص ما.
ويرى هذا النموذج أن السلوك البشري يتحدد بالاختبارات التي يقوم بها الفرد في الحياة،ومن رواد هذا الاتجاه في علم النفس كارل روجرز،ابراهام ماسلو.
(5)النموذج الأخلاقيEthical Model:
ويرى أن الحياة محفوفة بالمشاكل والعوامل المسببة للقلق والضغط النفسي سواء كانت هذه المشكلات اجتماعية بيولوجية أم نفسية،وعليه فإن السلوك المرضي(اللاسوي)وفق هذا النموذج أو الاتجاه"هو السلوك الذي لا يستطيع التوافق مع هذه المشكلات،ذلك لأن الأشخاص(المرضى)هم الذين لا يستطيعون تحمل مسؤولياتهم أمام المشكلات التي تعترضهم"،وتحمل المسؤولية في إطار هذا النموذج عبارة عن موقف أخلاقي يحمل الناس مسؤولية أعمالهم وسلوكهم.
ولعلاج السلوك اللاسوي من منظور النموذج الأخلاقي،كما يتصورها أنصار هذا الاتجاه"ينبغي للفرد المريض أن يدعى لتحمل مسؤولية سلوكية وما يترتب عنها،ذلك لأن هذا الموقف هو الذي يمكنه من التوافق مع الواقع".
إن النظرة التكاملية لهذه النماذج المذكورة سابقا،تساعد القارئ على فهم السلوك اللاسوي أفضل من الاقتصار على تصور واحد من هذه التصورات،خاصة وأن السلوك"السلوك اللاسوي" يصنف إلى عدة تصنيفات متشعبة فما هي هذه التصنيفات؟
تصنيف السلوك اللاسوي:
يوجد عدة تصنيفات للسلوك المرضي من اشهرها،تصنيف المنظمة العالمية للصحة عام1966،وتصنيف الجمعية الطبية النفسانية الأمريكية عام1968،وفي عام1991 أصدرت المنظمة العالمية للصحة التصنيف العاشر للأمراض النفسية والعقلية تحت عنوان:"التصنيف العالمي العاشر للاضطرابات العقلية والسلوكية".
(1)أمراض التخلف العقليMental Sub normality:
تختلف هذه الأمراض باختلاف درجات التخلف،حيث تتراوح شدتها من التخلف المحاذي للطبيعي إلى أدنى درجات السفاهة والعنة.
وينقسم التخلف العقلي إلى:
*التخلف العقلي البسيط
*التخلف العقلي الشديد
(2)الأمراض العصابيةNeuroses :
تشمل هذه الأمراض مجموعة من الاضطرابات السلوكية مثل:
*القلق (الحصارAnxiety)
*عصاب الحصر-القهريObsessiv– Compulsive Neurosis
*الهستيريا Hysteria
*الاكتئاب الانفعالي(العصابي)Reactive Depression
*الوساوس المرضية Hypochondiasis
(3)الأمراض الذهانية(غير العضوية):
وتتشكل هذه الأمراض من عدة اضطرابات من بينها:
*الفصام بمختلف أشكاله Schizophrenia
*البارانويا(جنون العظمة-جنون الاضطهاد States Paranoid)
*الاضطرابات الوجدانية(العاطفية) Affective Disorders
ومن بين هذه الاضطرابات مايلي:
-الاكتئاب والهوس الدوري
-الاكتئاب الذهاني
-الهوس أو المرح الدوري
-اكتئاب سن اليأس
(4)اضطرابات الشخصيةPersonality Disorders:
وتتمثل فـي:
*الشخصية اللااجتماعية(السيكوباتية)
*اضطرابات الشخصية التكوينية
*الإدمان على الخمر والمخدرات Addiction
*الانحرافات الجنسيةSex Perversions
(5)الأمراض الذهانية العضويةOrganicBrain Syndrome))
وتشتمل هذه الأمراض على:
أ-الأمراض الذهانية العضوية الحادة،وهي نوعان:
*الهذيان الحاد Acute Delerium
*الهذيان تحت الحادSubacite Delerium
ب-الأمراض الذهانية العضوية المزمنة:وهي مجموعة من الأمراض منها:
*ذهان التهابات المخ المزمنة،مثل زهري الدماغ،وتدرن السحايا
*ذهان الصرعEpileptic Psychosis
*ذهان الكحول
*أمراض الدماغ التنخيرية،مثل:تصلب الشرايين الدماغية
*الأورام الدماغية Brain Tumours
*جروح الدماغ وصدماته
*تسممات الدماغ
*ذهان الحمل والنفاس
*الخرف المبكر
*خرف الشيخوخة
(6)الأمراض النفسجسميةPsychosomatic Disorders:
وهي اضطرابات عديدة ذات منشأ نفسي منها:بعض أنواع الربو،الفرحة،ارتفاع ضغط الدم.
(7)اضطرابات ظرفية مؤقتة:
وتشتمل على اضطرابات التكيف وسوء التوافق في مراحل الطفولة والبلوغ والشباب(اضطرابات المراهقة)
(8)الاضطرابات السلوكية للأطفال:
وتشتمل عدة اضطرابات من بينها:
*استجابات الحركية الزائدة
*الانسحابية With Drawing
*الانهزامية أو الهروب Runaway
*اللااجتماعية Unsocialized
*الانحراف Delinquency
(9)الأعراض الخاصة :
وتشمل:
*الرعشات أو الخلجات Tics
*اضطرابات الكلامSpeach Disorders
*سلس البول Enuresis
*اضطرابات النوم
*اضطرابات التعلم
(10)الاضطرابات الاجتماعية:
وتشمل مجموعة من الاضطرابات التي لا تبدو فيها أية أعراض عقلية واضحة مثل:
ـ قلة وسوء التوافق بين الزوجين
ـ نقص التكيف الاجتماعي
ـ عدم التكيف الاجتماعي
ـ عدم التكيف المهني
منقول
..
…