«تويتر رائع، أحبه كما أحب ديل تقريباً»، هذا ما أعلنه بقوة المستثمر الناشط كارل ايكان عندما استخدم منصة التواصل الاجتماعي لأول مرة العام الماضي. وقد وصل عدد متابعيه حالياً إلى 190 ألف متابع ينتظرون بتلهف كل تغريدة يغرد بها على الموقع.
في عالم المال، كما في الحياة، التقليد هو في كثير من الأحيان أصدق أشكال التعبير عن الاطراء. وقد سهلت التكنولوجيا الحديثة الى جانب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الانترنت، على المستثمرين عملية تقاسم أفكار التداول واستنساخها، أكثر من أي وقت مضى.
ويرى المؤيدون أن «التداول الاجتماعي»، أدى الى دمقرطة عالم الاستثمار من خلال تقليص التفاوت في موارد التداول بين كبار المستثمرين وصغارهم. بيد أن منتقدي زيادة امكانية الوصول الى هذا النوع من التداول يفتح الباب أمام مخاطر هائلة بالنسبة إلى المتداولين غير المطلعين الذين يتم تشجيعهم على إبرام الصفقات والرهانات من دون أن يقوموا بعمليات التدقيق والفحص الخاصة بهم.
ويقول جو غيتس، الرئيس التنفيذي لشركة سوشيال ماركيت أناليتكس، المتخصصة في تحليل بيانات تويتر لقياس مشاعر ومعنويات التداول «الناس موجودون في غرف الدردشة منذ أعوام، وما يحصل الآن ليس الا تطوراً لما كان حاصلاً. وهي بمنزلة التحقق من صحة الأفكار».
على الطرف الآخر من العملية هناك أليدا هايسما، التي كانت تعمل سابقاً في مركز للاتصال وتكسب رزقها حالياً من التداول على موقع اي تورو (eToro)، أكبر موقع «للتداول المستنسخ».
في موقع اي تورو، يتم نشر تعاملات المتداولين ضمن بياناتهم أو «الخانة» الموجودة على صفحتهم المخصصة للآخرين حتى يكتبوا آراءهم وتعليقاتهم، ويملك الآخرون على المنصة خيار تخصيص جزء من محفظتهم، بشكل تلقائي، لاتباع تلك الاستراتيجيات. التداول المستنسخ يعمل على تحويل كل متداول الى صندوق استثمار مشترك صغير يمكن للآخرين الاستثمار فيه.
منافع اجتماعية
وتقول هايسما: لقد سمعت عن «اي تورو» وبدأت بتقليد الآخرين في البداية فخسرت بعض المال، كما يحدث مع %95 من جميع المتداولين. لذا فكرت بعدها أنه اذا كنت سأخسر المال فليكن من خلالي أنا شخصياً.
وبعد 9 أشهر على انضمامها إلى الشبكة طورت نهجاً خاصاً بها وسرعان ما جذبت أكثر من ألف مستثمر متابع لها يقوم كل واحد منهم بتقليد استراتيجيتها للتداول.
واضافة الى كسب المال من الموقع عن كل شخص تمكنت من استقطابه وقلد استراتيجيتها، استطاعت هايسما أن تحقق منافع اجتماعية أيضاً. وتقول «الأمر أشبه بشخص وحيد يتحول الى متداول. مع «اي تورو» يمكنك نشر شيء ما على صفحتك ليقوم بعدها شخص آخر بالتعليق عليه».
منتقدو هذا النوع من التداول يقولون إن المستخدمين الجدد يميلون الى اتباع المتداولين الذين يحققون أفضل أداء على المدى القصير، وهو انجاز يتحقق عادة من خلال اتباع استراتيجيات محفوفة بالمخاطر يمكن أن تنفجر بصورة مدوية.
ويقول يوني آسيا، الرئيس التنفيذي لموقع اي تورو «نحاول دائماً الابلاغ عن المخاطر. أنه نظام اجتماعي، لهذا يتطلب الأمر ادراك أن تقليد شخص ما يكون إمّا للأفضل أو الأسوأ».
ويمتد التداول المستنسخ الآن الى ما هو أبعد من المستثمرين الأفراد الذين يتبادلون أفكار التداول فقط.
في هيدج كو فيست HedgeCo Vest، يمكن للمستثمرين الأفراد أن يحصلوا على شريحة خاصة بهم من استراتيجيات التداول التي تطبقها صناديق التحوط ومديرو الأصول الذين يديرون أصولا بمليارات الدولارات، ومنها على سبيل المثال شركة بوسطن وكوغنيوس كابيتال.
تحذيرات رقابية
ويقوم موقع هيدج كو فيست، باذن من الصناديق، باستخدام تقنية خاصة وهي «ريبليكيزر» لاستعراض الصفقات التي قامت بتنفيذها تلك الصناديق وشركات ادارة الأصول وتكرار التداولات تلقائيا، بأقرب قدر ممكن، في محافظ المستثمرين الأفراد المشاركين في الخدمة. وفي المقابل، تتلقى صناديق التحوط رسوما من مجموعة من المستثمرين الأفراد الذين قد يكونون غير قادرين على الوصول الى تلك الصناديق والاطلاع على أساليب تداولها.
ويقول ايفان رابوبورت، مؤسس موقع هيدج كو فيست: يقدم هذا الموقع فرصا متكافئة أمام الجميع ويمنح المستثمرين الصغار المزايا نفسها التي تتمتع بها المؤسسات الاستثمارية، الأمر الذي يمكنك من استثمار 300 ألف دولار بدلا من 30 مليون دولار.
بيد أن الاستخدام المتنامي لوسائل التواصل الاجتماعي ذات الصلة بشبكات التداول على الانترنت لم يفلت من اهتمام الجهات التنظيمية والرقابية.
اذ حذرت هيئة الرقابة على الأوراق المالية الأميركية مؤخرا من أن المحتالين قد يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر اشاعات كاذبة بشأن سهم ما ضمن مخطط احتيال يعمل على تضخيم سعر السهم من خلال الاشاعات الكاذبة والمضللة. وفي بريطانيا، قالت الجهة الرقابية التي تشرف على الخدمات المالية ان مواقع التداول المستنسخ يجب أن تحصل على اذن للعمل كمديري استثمار، وهو طلب قد يزيد من عبء الاجراءات الروتينية على تلك المنصات.
غموض أساسي
واضافة الى مخاوف الجهات التنظيمية والرقابية، هناك غموض أساسي حول فعالية اعتماد استراتيجيات الاستثمار على حكمة مجموعة تتبناها وسائل التواصل الاجتماعي.
وأظهرت دراسة نشرت هذا العام أن مشاعر «تويتر» يمكن أن تكون مؤشرا مفيدا لتحركات السهم، لكن لمجموعة صغيرة من الشركات فقط.
يقول ايليا زيلوديف، الباحث في التكنولوجيا المالية في بنك اتش اس بي سي وطالب الدكتوراه السابق في جامعة كولديج لندن وأحد المشاركين في اعداد الدراسة «اذا كنت لا تستفيد من ذلك، فمعنى هذا أنك لا تستفيد من جميع البيانات الموجودة والمتوافرة في تلك المنصات، وهذا خطأ. لكن وكما هي الحال تماما مع أي مصدر للبيانات، لا يمكنك الاعتماد عليه فقط».
وبحسب هوارد ليندزون، مؤسس موقع ستوك تويتس، الذي ينشر البيانات المالية بطريقة مشابهة لأسلوب تويتر، فان جهود المستثمرين لدمج كمية البيانات الكبيرة التي تقدمها منصات التواصل الاجتماعي لن تتوقف وستستمر.
ويقول ان المرحلة المقبلة ستكون للوسطاء والبنوك الكبيرة لدمج بيانات مواقع التواصل الاجتماعي مع منصات واستراتيجيات الاستثمار الخاصة بها.
وتقدم بالفعل شركة ماركيت العملاقة للبيانات المالية، بيانات خاصة بتحليلات السوق الاجتماعية للزبائن الذين يطلبونها. ويقول موقع لايك فوليو، الذي يسمح للمستثمرين بانشاء محافظ تستند الى مشاعر تويتر، أنه بصدد الاعلان عن شراكة مع تي دي ايه أمريتريد، وهي واحدة من أكبر شبكات الوساطة المالية في الولايات المتحدة الأميركية.
ويعني ذلك أن تقليد ايكان في حبه لشركة ديل وغيرها من الشركات يمكن أن يصبح قريبا أكثر سهولة. وكما يقول ليندزون: لا مجال الا أن ينتعش ويكبر هذا الأمر بمعدل 100 مرة أكثر.