الحياة كلها أمل وتفاؤل إذا نحيت القلق والضيق جانباً

بداية أود أن أشكركم على تفانيكم في خدمة الإسلام والمسلمين, وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم يوم الدين.

أنا طالب جامعي, بالفرقة الأولى, أعاني من مشكلة لها جوانب كثيرة, وهي أني لا أستطيع أن أهنأ بحياتي بسبب أعراض القلق والتوتر, والخوف الزائد, والعصبية, والتي لا تفارقني في كل لحظة.

منذ يومين وعند النوم شعرت بالخوف, وعند الاستيقاظ شعرت به أيضا, وعند المشي في الطرقات, وعند الحديث مع أقرب الناس, حتى مع أبي وأمي, ولا أكون مستريحا ومطمئنا في الحديث معهم في معظم الأحيان.

لا أعي ماذا يقول من يحدثني, أو ماذا يقصد بكلامه, فيكون ردي نمطيا, على كل شيء, وهناك أناس أحبهم كثيرا, ولكن ظنوا غير ذلك بسبب ما أكون عليه معهم من حالة التوتر والخوف والقلق, وهذا يؤلمني كثيرا جدا.

أنا لا أستطيع أن أعامل من أحبهم بحب, أو أن أظهر لهم حبي, ولا أستطيع التحكم في نفسي, حينها أشعر بثقل على عيني دائم, وخصوصا عندما أمشي خارج المنزل في الطرقات, وأشعر بضيق في صدري، ولا أعرف لماذا هذه الأعراض.

أعلم أن لا شيء يدعو لهذا القلق أو الخوف, ولكن ما أعرفه أن أبي كان يتحدث مع نفسه أثناء المشي, أو الجلوس, ولكنه تخلص من هذا الآن, وهو الآن في سن الأربعين، وأمي كثيرة الظنون والشكوك, ووسواسية بعض الشيء, قالت لي: مررت بما تمر به أنت الآن, عندما كنت في سنك.

لا أستطيع التحكم في نفسي, ولا أستطيع التركيز في أي شيء, أشعر كثيرا بأني غريب عن ذلك العالم, وأني أعيش في عالم آخر, وغريب عن كل الناس, بما فيهم أبي وأمي, وأشعر بأنهم غرباء عني.

خسرت كثيرا من علاقتي الاجتماعية, وفقدت ثقتي بنفسي, وتفوقي الدراسي, فكرهت نفسي, وتألمت كثيرا لما أنا عليه من حالة, وأصبحت أتأثر بأقل الأشياء, تأثرا سلبيا, لا أستطيع التحكم في فكري, لا أسطيع أن أقنع نفسي بأن هذه أعراض مرضية, لا أساس لما أنا عليه في الواقع.

حاولت التأقلم مع الوضع, ولكني فشلت أكثر من مرة, وذهبت قبل ذلك إلى طبيب نفسي, فشخص المرض بأنه وسواس قهري, وأعطاني علاجا, فتحسنت عليه لفترة, ثم انقطعت عنه لأسباب مادية ومعنوية, تأتي علي أحيانا كثيرة.

أتمنى لو أن الله عز وجل يتوفاني؛ لأني أصبحت لا أطيق حياتي, لا أهنأ بأي شيء, كل شيء في حياتي تغير لونه, وأصبح لا يطاق, أريد أن أحرر نفسي, مما أنا عليه, أريد أن أسترجع نفسي, أشعر بأني تائهة في نفسي, فكأنها في عالم, وأنا في عالم آخر، أريد أن أمشي وأنا مرتاح, أريد أن أطمئن.

بدأت المعاناة منذ سن الـ 12 من عمري, وأخذت تزداد حتى وصلت ذروتها الآن، نشأت نشأة ريفية مع أب كان لا يعرف في تربيته غير القسوة والعصبية فقط، الآن أشعر بأني داخل دائرة مغلقة, لا أستطيع أن أخرج نفسي منها, وأخشى علي نفسي أن أقع في وزر المخدرات أو المحرمات بشتى أشكالها.

أنا على يقين تام, بأن هذا ابتلاء من رب العالمين, وتطهير لنفسي من الذنوب، فأتمنى المساعدة, لعل الله قد كتب على أيديكم الفرج القريب, والشفاء.

مرة ثانية أشكركم على جهودكم في خدمة المحتاجين إلى مساعدتكم, وأسأل الله لكم الفلاح في الدنيا والآخرة، والسلام عليكم ورحمة الله.

الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حمادة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

من خلال تدارسي لرسالتك, وما احتوته من تعبير واضح عن الألم النفسي الذي تعاني منه؛ أستطيع أن أقول: إنه في الأصل لديك قلق, وهذا القلق مرتبط بشخصيتك, أي ليس قلقاً ظرفياً، ونعرف أن القلق له عدة أنواع, منها أن القلق يكون سمة من سمات الشخصية للإنسان, وهذا هو النوع الذي تعاني منه, وهذا قطعاً جعلك تكون عرضاً للتوترات, والقلق والعصبية, وعدم القدرة على إدارة عواطفك الوجدانية, وكل هذا أدى إلى شعورك بالكدر، لأنك بالطبع في سن حرج, فيها الكثير من التغيرات النفسية والهرمونية, والوجدانية والجسدية.

أيها الفاضل الكريم: أنت محتاج لأن تعبر عن نفسك, وعن عواطفك أولاً بأول, تجنب الاحتقان, تجنب الكتمان, تجنب الانفعالات السلبية, وعليك بالتفاؤل, التفاؤل مهم, ومطلوب جداً.

أزعجني تمنيك للموت, هذا ليس بالأمر الصحيح, الإنسان لا يتمنى الموت, الحياة طيبة وكريمة, وهبة الله لنا, وإن تضايق الإنسان في أمر ما؛ فإن شاء الله تعالى يأتيك الفرج في أشياء كثيرة، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت لضرٍ أصابهُ، فإن كان لابد فاعلاً، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) متفق عليه.

عموماً الذي أريد أن أصل إليه أن القلق هو جزء من شخصيتك, ويمكن أن توجه هذا القلق توجيهاً إيجابياً من خلال الآتي:

أولاً: النوم المبكر، فهو مهم جداً، ويؤدي إلى استقرار كامل في جميع أجهزة الجسد, وكذلك على مستوى كيمياء الدماغ.

ثانياً: ممارسة الرياضة بانتظام وجدية, ومن أجل الهدف العلاجي, وهو إزالة القلق والتوتر.

ثالثاً: الصحبة الخيرة والطيبة، الإنسان يحتاج لمن يقتضي به, يحتاج إلى نموذج صالح وطيب.

رابعاً: أن تكون لك أهداف، وهدفك يجب أن يكون التميز العلمي، فالرصيد الذي يبقى للإنسان في حياته هو دينه وعلمه، فكن حريصاً على ذلك.

خامساً: تنظيم الوقت، وتنظيم الوقت هو سر نجاح الذين نجحوا وجعلوا حياتهم مشهورة, وقد كان ذلك من خلال شيئين, كانوا لا يخافون من الفشل, وكانوا يديرون أوقاتهم بصورة جيدة، اجعل هذا منهجك.

سادساً: أرجو أن تتحصل على كتاب الدكتور الشيخ عائض القرني (لا تحزن) فبه مادة علمية طيبة جداً, وإرشادية مهمة, وضرورية لإزالة الكدر, والكرب, ولتطوير النفس.

النقطة الأخيرة: إن لم تستطع التواصل مع الطبيب النفسي, يمكنك أن تذهب إلى الطبيب العمومي, أو تتناول أحد الأدوية البسيطة, أعتقد أن عقار تفرانيل الذي يعرف باسم إمبرامين, وهو دواء بسيط جداً, وغير مكلف, وسيكون جيدا بالنسبة لك، والجرعة هي 25 مليجراما, تبدأ في تناولها يومياً لمدة شهر, بعد ذلك اجعلها 25 مليجراما, صباحا ومساء لمدة 5 أشهر, ثم 25 مليجراما يومياً لمدة 5 أو 6 أشهر أخرى, ثم توقف عن تناوله.