النوم الهانئ مهم لصحة الاطفال ونموهم (كي آر تي)
الرياض: د. عبير مبارك
تقديم الأم ملعقة من العسل لطفلها الذي يُعاني من السعال الليلي، المُصاحب لنزلات البرد، هو أفضل ما يُمكن لها أن تفعله للتخفيف على الطفل ولتسهيل خلوده إلى النوم آنذاك، وأيضاً لتسهيل نوم الأم نفسها. هذه هي النصيحة التي توصل إليها الباحثون من جامعة بنسيلفانيا حينما قارنوا تأثير تناول العسل بتأثير إما أحد أفضل أنواع شراب تخفيف السعال أو عدم تناول أي شيء، في تقليل المعاناة من نوبات السعال الليلي لدى الأطفال.
وتثير هذه الدراسة الجديدة، المنشورة في عدد ديسمبر من مجلة أرشيفات طب الأطفال والمراهقين، جانبين مهمين حول الفوائد الطبية العلاجية لتناول العسل، وايضا حول الوسائل غير الدوائية لمعالجة الأعراض المصاحبة لنزلات البرد لدى الأطفال ولدى البالغين، كالسعال وغيره. خاصة مع التوجه الطبي نحو منع تناول الأطفال، ما دون سن الرابعة عشرة، لأي من أنواع شراب السعال المحتوية على مواد ضارة بصحتهم.
ومعلوم طبياً أنه لا يُوجد إثبات علمي على جدوى فاعلة لأي من العلاجات الدوائية المتوفرة في الأسواق لتخفيف نوبات الكحة المصاحبة لنزلات البرد. ولعل من أشهر ما هو شائع الاستخدام، أنواع شتى من شراب الكحة المحتوية على كمية من عقار ديترواميثورفان dextromethorphan. لكن لا أدلة علمية تثبت أنه يعمل بالفعل على القضاء على نوبات السعال أو التخفيف منها، بل على الع من ذلك فإن ثمة أدلة علمية على أنه عقار قد يكون ضاراً، خاصة بالنسبة للأطفال. وهو ما سبق لملحق الصحة بالشرق الأوسط الحديث عنه في عدة مناسبات تطرقت إلى تحذيرات الهيئات الطبية العالمية من تقديم أنواع من شراب الكحة للأطفال.
* العسل والدواء كما أن من المعلوم أن العسل يُستخدم تقليدياً في كثير من مناطق العالم كدواء طبيعي لمعالجة نوبات السعال، بل ثمة من الأطباء من يراه وسيلة علاجية آمنة وفاعلة بالمقارنة مع تلك الأنواع من قوارير «شراب الكحة» التي تملأ أرفف الصيدليات هنا وهناك.
من هاتين الملاحظتين تحرك الدكتور إيان بول وزملاؤه الباحثون في جامعة ولاية بنسيلفانيا في هيرشي. وقاموا بدراسة مقارنة لعلاج نوبات السعال الليلي الناجمة عن نزلات البرد لدى الأطفال. وقارنوا فيها بين ثلاثة أنظمة علاجية للسعال. الأول مكون من ملعقة عسل الحنطة السوداء buckwheat honey وبالفرنسية: sarrasin، تُقدم للطفل عند ذهابه للنوم. والثاني تقديم ملعقة من شراب بطعم العسل يحتوي على عقار ديترواميثورفان، لكن ليس فيه عسل. والثالث عدم تقديم أي شراب للطفل لمعالجة السعال حال قرب خلوده إلى النوم.
وشمل الباحثون في دراستهم 105 اطفال ممن ينشدون أي علاج يُخفف عنهم نوبات السعال الليلي المصاحب لنزلات البرد، كي يرتاحوا منه وكي يتمكنوا من النوم بهدوء. وتم تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات، يتناول الأطفال في المجموعة الأولى ملعقة من العسل، والثانية ملعقة من شراب السعال الذي بطعم العسل ويحتوي على العقار المتقدم الذكر، والثالثة لا يتناول الأطفال فيها أي شيء للسعال. وقام الباحثون بمتابعة الأطفال ووالديهم قبل يوم من بدء تناول الطفل أياً من الأنظمة العلاجية الثلاثة، وفي اليوم التالي لذلك. وذلك لتقييم حال نوبات السعال لدى الطفل ومدى خلوده إلى النوم، وأيضاً انطباع الوالدين عن حال سعال الطفل وعن مدى تمكن الآباء والأمهات من النوم في تلك الليلة.
وراعى الباحثون تلك الإرشادات الطبية المتعلقة بتناول الأطفال للعسل، والتي تنصح بعدم تناول الأطفال دون سن سنة واحدة من العمر للعسل. والسبب هو أن ثمة نوعاً نادراً جداً من أنواع التسمم botulism بإفرازات أحد أنواع البكتيريا التي قد تعلق بالعسل، والتي قد يتضرر الطفل منها. أما الأطفال فوق سن سنة فإن تناول العسل شيء آمن. وقدم الباحثون جرعة العسل للأطفال ما بين سنتين إلى خمس سنوات بمقدار نصف ملعقة طعام. وقدموا لمن هم ما بين سن 6 إلى 11 سنة، مقدار ملعقة طعام من العسل، ومنْ هم في سن 12 وما فوق، تناولوا ملعقتين من العسل.
وفي ما بين المجموعات الثلاث، وجد الباحثون أن الأطفال الذين تناولوا العسل حصل لديهم أكبر قدر من التخفيف في وتيرة وحدة النوبات، وسهل عليهم النوم بالتالي بطريقة أفضل، وتمكن آباؤهم وأمهاتهم من النوم لساعات أطول. هذا بالمقارنة مع من تناول شراب الكحة المحتوي على مادة ديترواميثورفان ومع من لم يتناولوا أي شيء لتخفيف نوبات السعال الليلي.
* علاج العسل وثمة عدة تفسيرات لجدوى العسل في تخفيف سعال هؤلاء الأطفال، ذكر منها الدكتور بول أن العسل شيء حلو الطعم وعلى هيئة مقاربة للشراب، ما يُمكنه ترطيب الحلق وتخفيف التهيج فيه. كما أكدوا على اعتقادهم بأن للمواد المضادة للأدة المتوفرة بكثرة في العسل، دورا في الأمر. هذا بالإضافة إلى تذكيرهم بأن الدراسات الطبية السابقة قد أكدت على أن العسل يحتوي على مواد مضادة للميكروبات، وليس فقط مضادة للبكتيريا. ومعلوم أن المضادات الحيوية تُعالج البكتيريا دون الفيروسات، ونزلات البرد، في مراحلها الأولى، إنما هي بسبب تعرض الإنسان لالتهابات فيروسية في أنسجة الأجزاء العلوية من الجهاز التنفسي، وليس للبكتيريا. والسعال أو الكحة هي ردة فعل يقوم بها الجهاز التنفسي لإبقاء الحلق وقنوات مجاري التنفس خالية من أي إفرازات مخاطية أو أي مواد أخرى تعيق جريان الهواء من خلالها بسهولة. ولذا وبالرغم من الإزعاج الذي يتسبب به السعال للإنسان، إلا أنها وسيلة مفيدة كي يقوم الجسم بمعالجة وحماية نفسه بنفسه. ويُصنف السعال بأنه «حاد»، حينما يستمر لمدة تقل عن ما بين أسبوعين إلى ثلاثة. وبأنه «مزمن»، حينما يستمر مدة أطول من ذلك.
* السعال ونزلات البرد وغالبية أسباب السعال الحاد هي الالتهابات الفيروسية أو البكتيرية، كما في نزلات البرد أو الأنفلونزا أو التهابات الحلق أو التهابات أجزاء شتى أخرى من الجهاز التنفسي. أما أسباب السعال المزمن فتتراوح ما بين الربو والحساسية وأمراض السدة المزمنة لقنوات الهواء في الرئة أو ترجيع أحماض المعدة إلى المريء أو نتيجة لتناول بعض من الأدوية.
ويُصاحب السعال نزلات البرد، كاحدى علامات الإصابة بها. لكن الأعراض الشائعة تشمل سيلان الأنف واحتقان الأنف والعطس وألما في الحلق وصداعا وارتفاعا في الحرارة وغيرها. وثمة أكثر من 200 نوع من الفيروسات التي قد تتسبب بنزلات البرد، لكن من المهم التنبه إلى أن نزلات البرد تختلف تماماً عن الأنفلونزا، في الميكروبات المسببة لأي منهما وفي أيضاً الأعراض التي تبدو على المُصاب.
وحالات نزلات البرد شائعة جداً. وتقدر الإحصائيات في الولايات المتحدة وحدها فقط أن أكثر من مليار إصابة بنزلة برد تحصل سنوياً فيها. والأطفال أكثر عرضه للإصابة بها، والمعدل الطبيعي هو أن يُصاب الطفل ما بين 3 و8 نزلات برد سنوياً. وبالرغم من أن غالبية نزلات البرد تحصل في الشتاء، إلا أن العدوى بها تستمر على مدار العام. وعادة يلتقط الأطفال العدوى هذه من أقرانهم وزملائهم في المدرسة أو أماكن اللعب. كما أن البالغين، من آباء وأمهات، غالباً ما يلتقطون عدواها من أطفالهم. والفترة الأكثر احتمالاً في التسبب بعدوى الغير هي الثلاثة أيام الأولى من بدء الإصابة، وتتلاشى قدرة عدوى الغير مع اليوم السابع لبدء نزلة البرد لدى إنسان ما. هذا ولا تزال نزلات البرد السبب الأول لتغيب الأطفال عن الحضور إلى مدارسهم، وكذلك لتغيب البالغين عن أعمالهم.