تخطى إلى المحتوى

العلم في حياة الأمم

العلم في حياة الأمم
العلم في حياة الأمم

عندما نتناول سير علماء الأمة العظام وقصص النجاح المبهرة للعلماء الغير مسلمين، فإننا نخرج بدروس عملية كثيرة، منها:

أولاً: أنَّ العلم طريق لا غنى عن سلوكه لمن أراد عزًّا ورفعةً من الأفراد والأمم

فالجاهلون لا مكان لهم بين السادة، والأمم الخاملة التي أدمنت الجهل هي الأمم المقودة التي لا يعبأ بها أحد، ولا يقيم لها أحدٌ وزنًا، والتي تتنافس على قيادتها، ونهب خيراتها الأممُ القوية؛ والحاضر دليل على ذلك؛ فقد ظلت الأمة الإسلامية قرونًا عديدة تقود البشرية نحو التمدُّن والرُّقي متسلِّحةً بالعلم، ثم تلقى الغرب ذلك الفيض من العلم عن طريق الاحتكاك بالمسلمين من طريق الأندلس خاصةً، واستطاع هضمه، والاستفادة منه، ثم تطويره؛ فكانت نهضته القوية، ووثبته نحو آفاق المستقبل، في حين غفل العالم الإسلامي برهةً عن سبيل العلم، وترك المنهج العلمي؛ فكانت النتيجة ضعفًا يعاني منه حتى الآن، واعتمادًا على الغرب في أغلب الاحتياجات؛ مما جعل علماء المسلمين يتململون، ويسعون إلى الخروج من دائرة الغرب بالاجتهاد في البحث العلمي، الذي نرجو أن يستمرَّ بتوفير الأجواء المناسبة له؛ كي يثمر وينتج ثمرًا طيبًا.

ثانيًا: أن طريق العلم طريق شاق وطويل

سواء على الأفراد أو الأمم؛ لا تعرف الراحة لمن سلكه سبيلاً، وكما قيل: "لاَ يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ" [1].

وقد ضرب العلماء المسلمون أعظم النماذج في الجهاد من أجل تحصيل العلم، كما كان العديد من الدول نماذج عالية في هذه السبيل؛ فنهضة اليابان بعد انهيارها كان عمادها العلم الذي لم تدخر اليابان وأبناؤها في سبيل تحصيله جهدًا، ولا عرفوا طريق الراحة حتى أصبحوا في مقدمة الأمم, والولايات المتحدة التي لم تكن شيئًا يُذكَر منذ حوالي مائتي عام صارت أقوى دولةٍ في العالم بالاجتهاد في سبيل تحصيل العِلم.

ثالثًا: أنَّ طريق العلم كما هو شاق؛ فإنَّه مجزٍ لصاحبه

ففوق الرفعة في الدنيا يرفع الله صاحب العلم في الآخرة: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، ولم يُسَوِّ رب العالمين سبحانه بين أهل العلم وغيرهم؛ فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].

بل إنَّ لتحصيل العلم وتدريسه لذَّة تعادل –إن لم تفُقْ– لذة تحصيل المال؛ وهذا ما دفع كثيرًا من العلماء إلى هجر المال، والتجارة، والكسب للتفرُّغ لطلب العلم وتحصيله، ثم تدريسه وتعليمه لمن يحرص عليه دون مقابل.

وأمام تلك التضحية فإنَّ أممهم لا تنسى دورهم أبدًا؛ فالتاريخ حافل بقصص البارزين من العلماء الذين قادوا أممهم إلى سبيل الرفعة والمجد قديمًا وحديثًا، وسجَّلوا بحروف من نورٍ قصص عظمتها ونهضتها، سواء في الأمة الإسلامية، من أمثال: الرازي وجابر بن حيان والخوارزمي وعلي مصطفى مشرَّفة وجمال حمدان، والطبري والسيوطي والغزالي، أو في الأمم غير الإسلامية، من أمثال: أديسون وجيمس وات وأينشتاين وغيرهم…

رابعًا: أنَّ الأمة لا تنهض إلا إذا قام كل واحدٍ من أفراها بواجبه نحو النهضة العلمية

فهناك دور الأسرة التي هي الأساس الأول في تنشئة العلماء؛ من خلال دور الأم والأب والزوجة، وهناك دور الدولة التي تجعل من اختراعات واكتشافات العلماء واقعًا ملموسًا، وتجعل للعلماء قيمةً عاليةً في بلادهم.

كما أن هناك دورًا لرجال الأعمال الذين يرعون العلماء وطلاب العلم، وييسرون لهم التفرُّغ لطلب العلم وتعليمه، ويخصصون الجوائز لأفضل الباحثين.

وهناك دور المجتمع الذي يرفع قيمة العالم أو يخفضها، ويوفر له التقدير المناسب؛ فيجعل لطلبه العلم معنى يشجعه على الاستمرار في سبيله.

وكذلك هناك دور للعلماء والدعاة والمفكرين برعاية طلاب العلم، وكفالتهم علميًّا وماديًّا –إن استطاعوا– ليجعلوا منهم علماء وأئمة ينيروا للأمة طريقها نحو القمة التي يرجوها لها المخلصون من أبنائها.

خامسًا: أنَّ العلم لا واسطة فيه

فمن كان مخلصًا مجتهدًا في سبيل العلم نال العلا والمجد، ومن كان مدَّعيًا منشغلاً بأمور أخرى لم يكن له من العلم إلا بأقل مما فرَّغ له من نفسه؛ فقد قيل: "العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلَّك" [2]، وحين يكون أبناء أيَّة أمَّة على هذه الحال من الاهتمام بالعلم، والتفرُّغ له؛ فتأكَّد أنها ستكون الأمة الرائدة في العالم أجمع، والتي يسعى الجميع لخطب وُدِّها، والاستفادة منها، والتقرُّب إليها؛ فهكذا هي سنن الله تعالى في خلقه: أفرادًا أممًا؛ نسأل الله عز وجل أن يرزقنا العلم، وأن يرزقنا الخشية قبله، وأن يجعل أمتنا الإسلامية طليعة الأمم، ورائدة الحضارات.
وصلِّ اللهُمَّ وسلِّم وبارك على نبي العلم المبعوث رحمةً للعالمين.

[1] مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب أوقات الصلاة (612)، والسؤال عن إدخال الإمام مسلم هذه الحكاية عن يحيى مع أنه لا يذكر في كتابه الا أحاديث النبي محضة مع أن هذه الحكاية لا تتعلق بأحاديث مواقيت الصلاة، فكيف أدخلها بينها؟ حكى القاضي عياض / عن بعض الأئمة أنه قال: سببه أن مسلما / أعجبه حسن سياق هذه الطرق التي ذكرها لحديث عبد الله بن عمر وكثرة فوائدها وتلخيص مقاصدها وما اشتملت عليه من الفوائد في الأحكام وغيرها ولا نعلم أحدا شاركه فيها فلما رأى ذلك أراد أن ينبه من رغب في تحصيل الرتبة التي ينال بها معرفة مثل هذا، فقال طريقه أن يكثر اشتغاله وإتعابه جسمه في الاعتناء بتحصيل العلم هذا شرح ما حكاه القاضي. شرح النووي 5/114.
[2] الغزالي: إحياء علوم الدين 1/50

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.