(( جذور الغيبة من اين تنبع؟! ))
إن للغيبة بواعث مختلفة، ونحن
نشير هنا إلى بعض هذه البواعث
إن أحد أسباب الغيبة هو الغَضَبُ فالإنسان عندما يغضب يفقد إتزانه،
وهيمنته على نفسه، فيكيل لمن يغضبُ عليه ما شاء من التهم وينسب
إليه كل ما يجري على لسانه، ويستغل نقاط ضعفه فيُثيرها ليفضحه بها ويطفئ نار غضبه لذا فإننا نجد في الروايات المتعددة أن المؤمن لا يغضب،
وإذا ما اُغضب كظم غيظه، وأغضى عمن أغضبَهُ لئلا يتسح بإثم الغيبة
وأمثالها من الذنوب كأن يتهم صاحبه بما ليس فيه.
والقرآن الكريم يمدح المؤمنين مشيراً إلى هذه الخصلة
فيهم حيث يقول: (وإذا ما غضبوا هم يغفرون)
2ـ الحقد:
وإن من بواعث الغيبة وأسبابها الحقد، فعندما يحقد شخص ما على
شخص آخر، ويريد أن يصب على نار حقده ماءً بارداً يلتجئ إلى الغيبة
لعله يُبرد لهبه بها، لذا فإن الشارع المقدس أمر المؤمنين أن يتجنبوا
أسباب الحقد ليقوا أنفسهم من آثاره، لأن الأحقاد القديمة والمتراكمة
تكون مدعاةً لكثرة الذنوب وزيادتها، لذا فإن على المؤمنين أن يُعنوا
بالإصلاح ما بين الأخوين ويحلوا النزاع، ويدفعوا الخصومة، فقد أكد
الإسلام على إصلاح ذات البين لما في ذلك من الفضل الكبير عند
الله وغسل الأحقاد عن الصدور!
ومن بواعث الغيبة الحسد أيضاً، وينبغي للمؤمن أن يتعوذ بالله من شر
الحسد (ومن شر حاسد إذا حسد(
إن الحسود بما أنه يريد أن يشوه سمعة محسوده، لعل يطفئ نار
حسده في صدره، يتخذ الغيبة وسيلةً لذلك، ويرشق المحسود بكلمات
لا تليق به، ليهد أنفسه مما بها من سورة الحسد.
يتفق أن يكون ما يدفع الإنسان إلى الغيبة ((الاستهزاء))، فالاستهزاء
قد يقع في حضور الشخص المستهزأ به وقد يقع في غيابه، كأن يقلد صوته
ساخراً منه، ومما يؤسف عليه أن هذا الأمر المَقيت قد نشاهده في
بعض المؤمنين، البسطاء عند اجتماعهم في مكان ما فيسخر بعضهم من
بعض والسخرية سبيل الجهّال.
ألا ترى أن نبي الله موسى ب عمران حين أمر قومه أن يذبحوا بقرة
عدوا ذلك منه سخريةً وهزواً، فقال: (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين).
فنستنتج من سياق هذه القصة الواردة في القرآن الكريم أن الاستهزاء من
عمل الجهّال! فينبغي للإنسان العاقل أن لا يتورط في هذا العمل الذي
يكشف عن جهل صاحبه! ويحمله تبعة الذنب الكبير ((الغيبة((
وقد يتفق لبعض أن ينال من الآخرين بذكر عيوبهم قاصداً المزاح
ليضحك من عنده من الحضور فيرتكب بذلك
هذا الذنب الكبير وهو ((الغيبة((
قد يُضفي بعض الناس على نفسه صفات ليعد نفسه أفضل من غيره
فينتقص شخصاً ما، كأن يقول: إن فلاناً لا يعرف شيئاً، ويريد أن يُثبت
للآخرين بكلامه هذا أنه يفهم ويعرف كل شيء. وأنه الأفضل
، فيرتكب بهذا الأسلوب ذنب ((الغيبة)) الكبير!
7ـ الدفاع عن النفس:
قد يُتهم رجل ما، بفعل قبيح، أو ينسب إليه عمل سيئ، فبوسعه أن
يدافع عن نفسه دون أن يذكر اسم أي شخص يرتكب ذلك الفعل
القبيح أو العمل السيئ لكنه يقول: إن فلاناً
يتصف بهذا الأمر لا المتصف به أنا.
فمثلاً يقال له: ينسب إليك أنك تكذب فبوسعه أن يقول: لستُ كاذباً،
ويدافع عن نفسه لكنه يقول: إن فلاناً هو الكذاب، أنه يكذب دائماً،
أو يقول ـ وهو يريد أن يعتذر عن نفسه ـ : لستُ وحدي المتصف بهذا
الفعل، بل يوجد شخص آخر كان معي في هذا العمل أيضاً وهو فلان!
وعن هذا الطريق يرتكب ذنب ((الغيبة)) الكبير.
وفي بعض الحالات يستغيب الإنسان أخاه المؤمن إرضاءً لنفوس أصدقائه،
كأن يدخل حفلةً ما، فيرى أصدقاءه يغتابون فلاناً فمن أجل أن يقول
لأصدقائه: إنني معكم في هذه القضية، يبدأ بذكر عيوبه ويثير نقاط ضعفه
التي يعرفها ويجهلها أصدقاؤه ويرتكب بذلك ذنب ((الغيبة)) أيضاً.
وقد يدخل الإنسان من باب الإشفاق أو الترحم متجهم الوجه قائلاً:
مسكين … فلان … أُبتليَ بمعضلة فضحته وذهبت بماء وجهه!!
وعلى الرغم من أن مثل هذا القائل قد يكون صادقاً في حزنه ومشاعره،
إلا أنه لما كشف بقوله هذا عيباً خفياً فقد ارتكب ((الغيبة))، مع أنه كان
بوسعه وإمكانه أن يتحرق قلبه دون ذكر اسم ذلك الرجل،فينال بذلك
الثواب الكريم والأجر العظيم لكن الشيطان وسوس إليه
فجعله غافلاً، وضيع أجره وثوابه!
وقد يرى فعلاً صادراً عن شخص أو يسمع ذلك عنه فيقول في ملأ من
الناس: أنني تعجبتُ من صدور هذا الفعل القبيح عن فلان!
فلماذا فعل ذلك وبهذا يغتابه!
وربما كانت جذور الغيبة تعود إلى عدم الوعي أو غفلة
الشعور فيلوث الإنسان نفسه بالذنب!