يعيش قطاع التربية والتعليم في العالم ثورة كبيرة، كما يشهد في المقابل صراعاً وجدلاً ما ينفك يتزايد حول الكتابة باليد، خاصة بعد ان قررت فنلندا اسوة بــ45 ولاية اميركية ايقاف حصص تعليم الخط وتعويضها بحصص اخرى تخص تعليم الكتابة بلوحة المفاتيح.
وفيما صفق الكثير لهذه الثورة التي احدثتها وسائل الاعلام الحديثة في قطاع التربية والتعليم، حذر اخرون من مساوئ هذا القرار ويقول الاستاذ في جامعة باريس ديكارت الان بن توليلة في تقرير نشرته لوفيغارو الفرنسية ان هذه القرارات والاصلاحات سيئة وخطيرة للغاية «ليس لأني احن الى الخط، ولكن لان الكتابة باليد سلوك وفعل فردي، لأن رسم الحروف والكلمات يسمح لعقلي بتذكرها، وهذا الامر لا تسمح به الالات او الحواسيب اللوحية، بالاضافة الى ذلك فإن الكتابة باليد ترتبط بالفكر، الذي يفرض سطوته وانسيابيته على اليد».
لكن النبل والتميز والتفرد التي ترتبط بالكتابة باليد، هل تتوافق مع نمط الحياة السريع؟
يقول بن توليلة «يمكن ان تكون الفكرة صحيحة او خاطئة، عميقة او سطحية، لكن الكتابة باليد ضرورية لأني حين اكتب حرفا، ارغب في فهمه، فأضبط كتابتي، كما اني اكتب للآخر، لذلك فان فعل الكتابة هو اعتراف، وهذا الامر اساسي للغاية بالنسبة لتعليم الطفل، واما الشاشة فليس لها البعد ذاته».
يقول أنصار لوحة المفاتيح ان الكتابة على الكمبيوتر تسمح للطفل بكتابة نص مقروء وواضح باستعمال المصحح الآلي، غير ان الاستاذ بن توليلة يقول ان هذه الذرائع والحجج واهية، وعلى الطفل ان يبذل مجهودا ويمحو الاخطاء التي يرتكبها من اجل تصحيحها، ويعي وجود الاخر وكل هذه الاهداف لا يمكن ان يبلغها الا بالكتابة.
اما مناهضو الكتابة فيقولون انها بمنزلة عقاب للطفل والغاؤها يساهم في تقليص نسب الفشل المدرسي، اسوة بالحساب الذهني، الذي تم الاستغناء عنه لفائدة الالات الحاسبة، وفي هذا الشأن يقول بن توليلة: الامر صحيح بالنسبة للحساب الذهني، لكن الكتابة مرتبطة بالانسان، وهي عرف وتأكيد على تفرد كل واحد وتميزه عن الاخر، انها فعل عالمي ولكنه متفرد، لكن الآلة واحدة.
ويتفق علماء الاعصاب مع انصار الكتابة باليد في ضرورة المحافظة على تدريس الخط، لان الكتابة وفقههم تشجع وتحفز الذاكرة وتطور المهارات الحركية لدى الطفل.
يعتقد عدد من المختصين أن خيار فنلندا وعدد من الولايات الاميركية ليس انتحاريا، وانما ينبع من ولعهم بالعصرنة والحداثة، لكن تبقى هناك دول مثل فرنسا لا تزال تعتقد ان تعليم الخط اساسي في مدارسها الحكومية والخاصة.