تخطى إلى المحتوى

سكرات الموت

  • بواسطة
سكرات الموت

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الرسلين وعلى اله وصحبه وسلم :

قال اللّه تعالى: )كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ(.
وقال تعالى: )وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ(.
روي البخاري في صحيحه أن عائشة رضي اللّه عنها قالت: "إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان بين يديه علبة فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول لا إله إلا اللّه إن للموت لسكرات ثم نصب يديه فجعل يقول إلى الرفيق الأعلى حتى قبض" وفي صحيحه: "لما ثقل صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فجعلت فاطمة رضي اللّه عنها تقول واكرب أبتاه فقال صلى الله عليه وسلم
"لا كرب على أبيك بعد اليوم" ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض فقال "إني لأعلم ما يلقى ما فيه عرق إلا وهو يألم بالموت على حدته"وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يا كعب حدثنا عن الموت فقال نعم يا أمير المؤمنين "هو كغصن كثير الشوك أدخل في جوف رجل فأخذت كل شوكة بعرق ثم جذبه رجل شديد الجذب فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى" وكان علي رضي اللّه عنه يحض على القتال في سبيل اللّه ويقول "إن لم تقتلوا تموتوا والذي نفس محمد بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش". وقال شداد بن أوس: الموت أفظع هول في الدنيا والآخرة على المؤمن وهو أشد من نشر بالمنشير وقرض بالمقاريض وغلي في القدور ولو أن الميت نشر فأخبر أهل الدنيا بألم الموت ما انتفعوا بعيش ولا التذوا بنوم، ويروى أن إبراهيم صلوات اللّه عليه وسلامه لما مات قال اللّه عز وجل له "كيف وجدت الموت" قال كسفود جعل في صوف رطب ثم جذب فقال: "أما إنا قد هونا عليك".
وعن موسى صلوات اللّه عليه أنه لما صارت روحهإلى اللّه عز وجل قال له "يا موسى كيف وجدت الموت" قال: وجدت نفسي كشاة حية بيد القصاب تسلخ.
وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن جابر رضي اللّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فإنهم كانت فيهم أعاجيب" ثم أنشأ يحدث قال "خرجت طائفة فأتوا مقبرة من مقابرهم فقالوا لو صلينا ركعتين ودعونا اللّه يخرج لنا بعض الأموات يخبرنا عن الموت، قال: ففعلوا فبينما هم كذلك إذ أطلع رجل رأسه من قبر تلاشى بين عينيه أثر السجود فقال: يا هؤلاء ما أردتم إلي فواللّه لقد مت منذ مائة سنة فما سكنت عني حرارة الموت حتى الآن فادعوا اللّه أن يعيدني كما كنتُ وكأن عمرو بن العاص رضي اللّه عنه يقول لوددت لو أني رأيت رجلاً لبيباً حازماً قد نزل به الموت فيخبرني عن الموت فلما أنزل به الموت قيل له يا أبا عبد اللّه كنت تقول أيام حياتك لوددت أني رأيت رجلاً لبيباً حازماً قد نزل به الموت يخبرني عن الموت وأنت ذلك الرجل اللبيب الحازم وقد نزل بك الموت فأخبرنا عنه. فقال: أجد كأن السماوات انطبقن على الأرض وأنا بينهما وكأن نفسي تخرج على ثقب إبرة".
ويروى أن إبراهيم الخليل قال لملك الموت هل تستطيع أن تريني الصورة التي تقبض فيها روح الفاجر? قال أتطيق ذلك? قال بلى فأعرض ثم التفت فإذا هو رجل أسود الثياب قاتم الشعر منتن الريح يخرج من فيه ومناخره لهب النار والدخان فغشى على إبراهيم ثم أفاق وقد عاد ملك الموت إلى صورته الأولى فقال يا ملك الموت لو لم يلق الفاجر إلا صورة وجهك لكان ذلك حسبه.
وروى عن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنهما قال: إذا بقي على المؤمن من ذنوبه شيء لم يبلغه عمله شدد عليه الموت ليبلغ بسكرات الموت وشدته درجته في الجنة وإن الكافر إذا كان عمله معروفاً في الدنيا هون عليه الموت ليستكمل ثواب معروفه في الدنيا ثم يصير إلى النار.
وروي البخاري أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: "لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من قبل أن أراه". وقيل لم يلق ابن آدم أشد من الموت وما بعده أشد منه.
وفي الوسيط للواحدي بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : "الأمراض والأوجاع كلها بريد الموت ورسل الموت فإذا حان الأجل أتى ملك الموت بنفسه وقال أيها العبد كم خبر بعد وكم رسول بعد رسول وكم بريد بعد بريد أنا الخبر ليس بعدي خبر وأنا الرسول ليس بعدي رسول أجب ربك طائعاً أو مكروهاً فإذا قبض روحه وتصارخوا عليه قال على من تصرخون وعلى من تبكون? فواللّه ما ظلمت له أجلاً ولا أكلت له رزقاً بل دعاه ربه فليبك الباكي على نفسه فإن لي فيكم عودات وعودات حتى لا أبقي منكم أحداً".
وعن أنس بن مالك قال: "لقي جبريل ملك الموت بنهر فارس فقال يا ملك الموت كيف تستطيع قبض الأنفس عند الوباء هاهنا عشرة آلاف وهاهنا كذا وكذا? فقال ملك الموت تزوى لي الأرض حتى كأنهم بين فخذي فألتقطهم بيدي".
اعلم لو أنا انتظرنا ضربة شرطي لتكدر عيشنا وفي نفس يمكن مجيء الموت بشدائده وهو أمر من ضرب بالسيوف ونشر بالمناشير ويود لو قدر على صياح وأنين ويجذب روحه من كل عضد وعرق فتبرد قدماه، ثم فخذاه وهكذا حتى يبلغ الحلقوم فعنده ينقطع نظره إلى دنياه ويغلق عنه باب توبته فقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إن اللّه تعالى يقبل توبة عبده ما لم يغرغر".

يا فرقة الأحباب لا بد لي مـنـك
ويا دار دنيا إنني راحـل عـنـك
ويا قصر الأيام مالي وللـمـنـى
ويا سكرات الموت مالي وللضحك
فما لي لا أبكي لنفسي بـعـبـرة
إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبكي
ألا أي حي ليس بالموت موقـنـاً
وأي يقين أشبه الـيومبـالـشـك

عذاب القبر للكفار وبعض عصاة المؤمنين
قال اللّه سبحانه وتعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوَاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).
وفي كتاب الترمذي كان عثمان بن عفان رضي اللّه عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار ولا تبكي وتبكي من هذا? فقال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: القبر أول منزل من منازل الآخرة فأن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه". وسمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه". وفي كتاب أبي داود والنسائي عن البراء بن عازب عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك فيقول ربي اللّه فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيقولان وما يدريك فيقول قرأت كتاب اللّه فآمنت به وصدقت فذلك قوله تعالى:)يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ(.

قال فينادي مناد من السماء أن صدق عندي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له فيها مد بصره.
وأما الكافر فذكر موته قال ويعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان ما دينك? فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب فافرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار قال فيأتيه من حرها وسمومها قال ويضيق عليه قبره حتى تختلف عليه أضلاعه ثم يقبض له أعمى أصم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبلاً لصار تراباً فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير تراباً ثم يعاد فيه الروح.
وفي كتاب الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لصلاة فرأى ناساً كأنهم يكثرون قال: أما
إنكم لو أكثرتم ذكر هازم اللذات لشغلكم عما أرى فأكثروا ذكر هازم اللذات الموت فإنه لم يأتِ على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول أنا بيت الغربة وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحباً وأهلاً أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي فإذا وليتك وصرت إلي فسترى صنعي بك قال فيتسع له مد بصره ويفتح له باب من الجنة.
وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر لا مرحباً ولا أهلاً أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي فإذا وليتك اليوم صرت إلي فسترى صنعي بك قال فليتم عليه حتى يلتقي عليه وتختلف أضلاعه. قال وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بأصابعه فأدخل بعضها في جوف بعض قال ويقبض له سبعون تنيناً لو أن واحداً منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئاً ما بقيت الدنيا فينهشنه ويخدشنه حتى يفضي به إلى الحساب.

قال وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار"
ويروى أن رجلاً دخل على عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه فرآه قد تغير لونه من كثرة العبادة فجعل يتعجب من تغير لونه واستحالة صفته فقال له عمر: يا ابن أخي وما يعجبك مني فكيف لو رأيتني بعد دخول قبري بثلاث وقد خرجت الحدقتان فسالتا على الخدين وتقلصت الشفتان عن الأسنان وخرج الصديد والدود من المناخر والفم وانتفخ البطن فعلا على الصدر وخرج الدبر من الصلب لرأيت إذ ذاك شيئاً أعجب مما رأيته الآن.
وكان بكر العابد يقول لأمه يا أمه ليتك كنت بي عقيماً إن لابنك في القبر حبساً طويلاً وإن له من بعد ذلك رحيلاً.
وقال حاتم الأصم من مر بفناء القبور ولم يتفكر في نفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم. قال القشيري سمعت أبا علي الدقاق يقول دخلت على الإمام أبي بكر بن فورك عائداً فلما رآني دمعت عيناه فقلت له إن اللّه يعافيك ويشفيك فقال لي تراني أخاف من الموت إنما أخاف مما وراء الموت.

وسمعت بعض الفقراء يقول إن سبب زهد داود بن نصر الطائي أنه سمع نائحة تنوح: بأي خديك تبدي البلا وأي عينيك إذا سالا واعجبا لو وصف طبيب لك داءك ودواءك لاستمعت إليه ولأطعته وهذا دواء دائك العظيم الدفين الذي يصلي صاحبه نار جهنم فلا تسمع إليه حق الاستماع وربما إن طال المجلس نعست أو تكلمت مع أنه ورد ذم المتكلم. ولو كنت في لهو أو أمر دنيا لم تنعس بل ارتحت له وما ذاك إلا لخبث سريرتك وضعف إيمانك أين آباؤك وأين إخوانك وأحبائك سكنوا بطون الأرض وصاروا أكلاً للهوام ولا يقدرون على دفع ما يلقون من العذاب:

هو الدهر فاصبروا ما على الدهر معتب
ليس لنا من خطة الـمـوت مـهـرب
ولا بد من كأس الـحـمـام ضـرورة
ومن ذا الذي من كأسه لـيس يشـرب
وما يعـمـر الـدنـيا الـدنـية حـازم
إذا كان فيها عامر الـعـمـر يخـرب
وإن عـلـياً ذمـهـا فـي كـلامــه
وطلقها والجاهـل الـغـر يخـطـب
ولما أتى بالكـوز والـنـاس حـضـر
فقال لهم يا لـلـرجـال تـعـجـبـوا
ألا إن هـذا الـكـوز فـيه مـواعـظ
لمتعظ من ظلـمة الـقـبـر يرهـب
فكم فيه مـن ثـغـر وعـين كـحـيلة
وخد أسـيل كـان يهـوى ويطـلـب
وكم من عظيم القد صارت عـظـامـه
إناء ومنـه الـمـاء يا قـوم يشـرب
وينـقـل مـن أرض لأخـرى هـدية
فواعـجـاً بـعـد الـبـلايتـغـرب

اللهم أصلحنا وأصلح فساد قلوبنا وأصلح فساد أعمالنا وأصلح فساد ولاة أمورنا وأصلحنا بما أصلحت به عبادك الصالحين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.