تخطى إلى المحتوى

فما بكت عليهم السماء والارض

فما بكت عليهم السماء والارض

اَلْحَمْدُ لِلهِ ثُمَّ الْحَمْدُ لِله، اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي اَعَزَّ الْمُؤْمِنِينَ وَاَذَلَّ الْمُنَافِقِين، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَسْتَغْفِرُه، وَنَسْاَلُهُ اِيمَاناً صَادِقاً وَعَمَلاً صَالِحاً وَقَوْلاً نَافِعاً يُقَرِّبُنَا اِلَيْهِ زُلْفَى، وَنُوصِي اَنْفُسَنَا جَمِيعاً بِتَقْوَى اللهِ الْعَظِيمِ وَطَاعَتِه، وَنُحَذِّرُهَا مِنْ مُخَالَفَتِهِ وَعِصْيَانِ اَوَامِرِه، لَهُ الْعُتْبَى حَتَّى يَرْضَى وَلَاحَوْلَ وَلَاقُوَّةَ اِلَّا بِه، وَنَسْتَفْتِحُ بِالَّذِي هُوَ خَيْر{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَاِلَيْكَ اَنَبْنَا وَاِلَيْكَ الْمَصِير(وَاَشْهَدُ اَنْ لَا اِلَهَ اِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَه، لَا فِي الْوُجُودِ اِلَهٌ سِوَاه، هُوَ اللهُ لَا اِلَهَ اِلَّا هُوَ فَاعْبُدُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُه، اَحَبَّ كُلَّ شَيْءٍ، وَاَحَبَّهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ وَالْمَدَرُ وَالْحَيَوَان، اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ الَّذِي كَانَتْ رَحْمَتُهُ رَحْمَةً عَامَّةً لَا بِالْعُقَلَاءِ فَحَسْبُ بَلْ بِالْجَمَادَاتِ وَالْحَيَوَانَات، اَللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ وَتَحَنَّنْ وَتَفَضَّلْ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ وَعَلَى آَلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين وَعَلَى اَصْحَابِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِين وَعَلَى كُلِّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَهُ وَتَخَلَّقَ بِاَخْلَاقِهِ اِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَسَلِّمْ تَسْلِيماً كَثِيراً يَارَبَّ الْعَالَمِين اَمَّا بَعْدُ عِبَادَ الله، فَمِنْ سُورَةِ الدُّخَانِ قَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْاَرْضُ وَمَاكَانُوا مُنْظَرِين(صَدَقَ اللهُ الْعَظِيم، عَلَى مَنْ لَمْ تَبْكِ السَّمَاءُ وَالْاَرْض؟ مَنْ هُوَ الَّذِي تَتَمَنَّى الْاَرْضُ اَنْ تَسْتَرِيحَ مِنْهُ وَتَتَمَنَّى اَنْ يُعَجِّلَ اللهُ تَعَالَى بِهِ لِيُرِيحَ مِنْهُ حَتَّى الْحَيَوَانَ وَالْجَمَاد؟ نَعَمْ اَخِي، مَتَى ذُكِرَتْ هَذِهِ الْآَيَة؟ وَاَقُولُ لَكَ حِينَمَا تَقَدَّمَتْهَا آَيَاتٌ ذَكَرَتْ بِاَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَجَّى مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَنِي اِسْرَائِيلَ مِنَ الْغَرَقِ وَاَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ ثُمَّ اَخَذَتِ الْآَيَاتُ تُعَقِّبُ عَلَى الْحَدَث بِقَوْلِهَا{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيم، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِين، كَذَلِكَ وَاَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آَخَرِين، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْاَرْضُ وَمَاكَانُوا مُنْظَرِين(اِنَّهَا نِعَمٌ لَاتُعَدُّ وَلَاتُحْصَى، وَدَائِماً وَكَمَا تَعَلَّمْنَا اَيَّهُا الْاِخْوَة، اَنَّ زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ اَشَدُّ مِنَ الْحِرْمَانِ مِنْهَا ابْتِدَاءً! كَيْفَ ذَلِك؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِنَّ الْبَصَرَ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَى الْاِنْسَان، فَلَوْ اَنَّ اِنْسَاناً وُلِدَ اَعْمَى، وَلَوْ اَنَّ اِنْسَاناً آَخَرَ وُلِدَ مُبْصِراً ثُمَّ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَاَيُّهُمَا تَكُونُ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ اَشَدَّ عَلَيْهِ؟ هَلْ هُوَ الْاَوَّلُ؟ اَمِ الثَّانِي؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: اِنَّهُ الثَّانِي، وَلِذَلِكَ هَؤُلَاءِ الْمُتْرَفُون، هَؤُلَاءِ الْمُنَعَّمُون، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَخِّرُونَ نِعَمَ اللِه فِي مُحَارَبَةِ الْمُنْعِمٍ، لَابُدَّ اَنْ يَسْلُبَهَا مِنْهُمْ، وَعَلَيْكَ اَخِي اَنْ تُؤْمِنَ بِهَذَا اِيمَاناً صَادِقاً؟ لِاَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُول{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون(وَالْاِنْسَانُ الْمُنَعَّم اَخِي هُوَ اَلْاِنْسَانُ الْمُرَفَّهُ، وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ عَنِ اللِه عَزَّ وَجَلَّ، وَلِذَلِكَ يَخَاف، نَعَمْ يَخَاف! لَكِنْ يَخَافُ مِنْ أَيِّ شَيْء؟ وَعَلَى أَيِّ شَيْء؟ وَاَقُولُ لَكَ اَخِي: يُخِيفُهُ اللهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ يَخَافُ عَلَى كُلِّ شَيْء، نَعَمْ اَخِي: اِنَّهُ يَخَافُ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي يَتَقَلَّبُ فِيهَا آَنَاءَ اللَّيْلِ وَاَطْرَافَ النَّهَارِ اِذَا سُلِبَتْ مِنْهُ فَكَيْفَ سَيَكُونُ مَصِيرُهُ، نَعَمْ اَخِي وَاَمَّا الْمُؤْمِنُ بِاللِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَاِنَّ النِّعْمَةَ لَاتُنْسِيهِ الْمُنْعِمَ الْمُتَفَضِّل، نَعَمْ لَاتُنْسِيهِ الْمُنْعِمَ اَبَداً، وَلَايَتَعَلَّقُ بِالنِّعْمَةِ، وَاِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُنْعِم، فَمَنْ تَعَلَّقَ بِالنِّعْمَةِ عَاشَ فِي قَلَقٍ دَائِمٍ، وَاَمَّا مَنْ تَعَلَّقَ بِالْمُنْعِمِ، فَاِنَّ قَلْبَهُ يَطْمَئِنّ{اَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب(نَعَمْ اَخِي{كَمْ تَرَكُوا(مَنْ هَذَا الَّذِي تَرَكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَرَكُوا؟ اِنَّهُمْ فِرْعَوْنُ وَمَنْ كَانَ مَعَه{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون(وَكَلِمَةُ كَمْ هُنَا خَبَرِيَّة تَكْثِيرِيَّة: أَيْ تَرَكُوا كَثِيراً مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون؟ لِاَنَّ فِرْعَوْنَ قَالَ لِقَوْمِهِ{اَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْاَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي اَفَلَا تُبْصِرُون(فَظَنَّ اَنَّ النِّعْمَةَ سَتَبْقَى عِنْدَهُ، وَلَكِنَّهَا سُلِبَتْ مِنْهُ وَمِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، وَلِذَلِكَ{ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ(فِي مَكَانٍ يَسْكُنُونَ فِيهِ، فِي قُصُورٍ شَاهِقًةٍ، فِي اَبْوَابٍ مُوصَدَةٍ، فِي اسْتِعْبَادٍ لِخَلْقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتِذْلَالٍ لَهُمْ، وَلَكِنَّكَ اَخِي تَرَى حِكْمَةَ اللهِ جَلِيَّةً وَاضِحَة، كَيْفَ ذَلِك؟ وَاَقُولُ لَكَ: اِنَّ مَنْ تُهِينُهُ اَيُّهَا الْاِنْسَانُ قَدْ يَكُونُ هَلَاكُكَ عَلَى يَدَيْهِ، وَمَهْمَا كُنْتَ تَتَكَبَّرُ وَتَتَجَبَّرُ وَتُهِينُ النَّاسَ وَتُذِلُّهُمْ، فَاِنَّ اللهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى اَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْاِنْسَانَ الَّذِي اَذْلَلْتَهُ وَاَهَنْتَهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَقِمُ مِنْكَ! نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: هَلْ تُرِيدُونَ حَوَادِثَ تَارِيخِيَّة؟ فَاِذَا كُنْتُمْ تُرِيدُونَهَا، فَاِنَّ الْقُرْآَنَ اَصْدَقُ مِنْ كُلِّ شَيْء، نَعَمْ اَخِي: فَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، كَانَ فِرْعَوْنُ الْاُمَّةِ آَنَذَاكَ اَبُو جَهْلٍ الَّذِي اَذَاقَ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْعَذَابَ الْاَلِيم، وَلِمَاذَا اَذَاقَهُ الْعَذَابَ الْاَلِيمَ؟ وَالْمِسْكِينُ لَمْ يَفْعَلْ لَهُ شَيْئاً اِلَّا اَنْ قَالَ رَبِّيَ الله! نَعَمْ قَالَ رَبِّيَ الله، نَعَمْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ اَزْعَجَتْ اَبَا جَهْلٍ! وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَاعِياً فَقِيرَ الْحَالِ عِنْدَ اَبِي جَهْلٍ، فَحَصَلَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ، وَبَيْنَمَا كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَسِيرُ فِي الْمَعْرَكَةِ سَيْراً حَثِيثاً، اِذَا بِاَبِي جَهْلٍ قَدْ اَثْخَنَتْهُ الْجِرَاح، فَمَاذَا فَعَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُود؟ رَقَا عَلَى صَدْرِ اَبِي جَهْلٍ وَقَال: اَلْآَنَ مَكَّنَنِي اللهُ مِنْكَ يَاعَدُوَّ الله، فَقَالَ مَنْ اَنْتَ؟ فَقَالَ اَلَا تَدْرِي مَنْ اَنَا! اَنَا رَاعِي الْغَنَم، اَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُود، فَقَالَ اَرَاعِينَا اَنْتَ يَارُوَيْعَ الْغَنَم(مِنْ بَابِ الِاسْتِهْزَاءِ بِهِ( فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالَ مَاهِيَ الدَّائِرَةُ؟ وَعَلَى مَنْ فِي هَذِهِ الْمَعْرَكَة؟ فَقَالَ لَهُ اَلدَّائِرَةُ لِلهِ وَرَسُولِهِ، وَالْهَزِيمَةُ عَلَى عَدُوِّ الله، نَعَمْ اَخِي: وَانْظُرْ اِلَى التَّعَنُّتِ وَالْعَنَادِ وَالِاسْتِكْبَارِ مِنْ اَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَكَيْفَ تَبْقَى مُرَافِقَةً لَهُمْ اِلَى آَخِرِ نَفَسٍ! اِلَى اَنْ تَزْهَقَ اَنْفَاسُهُمْ وَاَرْوَاحُهُمْ وَبَاطِلُهُمْ! نَعَمْ اَخِي: لَوْ اَرَدْتَّ اَنْ تُقِيمَ تِمْثَالاً لِلْعَنَادِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْمُكَابَرَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالدِّفَاعِ عَنِ الْبَاطِلِ، فَعَلَيْكَ اَنْ تُقِيمَهُ رَمْزاً خَالِداً لِاَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ الله، وَلَكِنَّ التَّمَاثِيلَ مُحَرَّمَةٌ فِي شَرِيعَتِنَا، وَلِمَاذَا اَبُو جَهْلٍ؟ لِاَنَّهُ بَقِيَ عَلَى عَنَادِهِ اِلَى آَخِرِ رَمَقٍ مِنْ حَيَاتِهِ، فَمَاذَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِك؟ اِسْتَلَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ سَيْفَهُ وَقَتَلَه، نَعَمْ اَخِي: وَهُنَا يُتَبَادَرُ اِلَى الذِّهْنِ شَيْء! فَنَحْنُ فِي شَرِيعَتِنَا لَايَجُوزُ الْاِجْهَازُ عَلَى الْجَرِيحِ! فَلَوْ كُنْتَ اَخِي تُحَارِبُ عَدُوَّكَ فَاَثْخَنْتَهُ بِالْجِرَاحِ، فَاَنْتَ مَاْمُورٌ اَنْ تُعَالِجَهُ، وَلَايَجُوزُ لَكَ اَنْ تُجْهِزَعَلَيْه أَيْ اَنْ تُكْمِلَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلَ، فَكَيْفَ فَعَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ ذَلِكَ!؟ قَالُوا: هَذَا قَبْلَ اَنْ يُحَرِّمَ الْاِسْلَامُ ذَلِكَ، نَعَمْ اَخِي: فَقُتِلَ اَبُو جَهْلٍ الطَّاغِيَة عَلَى يَدِ رُوَيْعِ الْغَنَمِ وَهُوَ الرَّاعِي الصَّغِيرُ الَّذِي قَالَ لَهُ اَبُو جَهْلٍ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الِاسْتِهْزَاء، نَعَمْ اَخِي: وَاَمَّا بِلَاُل بْنُ رَبَاح، فَمَنْ كَانَ يُعَذِّبُه؟ اِنَّهُ اُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ الَّذِي اَذَاقَهُ شَرَّ الْعَذَابِ، وَاَعْطَاهُ لِلصِّبْيَانِ يَجُرُّونَه، وَكَانَ يُلْقِي عَلَى ظَهْرِهِ وَعَلَى بَطْنِهِ الصَّخْرَ، وَيَضَعُهُ فِي الرَّمْضَاءِ الْمُحْتَرِقَةِ فِي صَحْرَاءِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّة، فَمَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَغِيظُ اُمَيَّةَ بْنَ خَلَف؟ نَعَمْ اَخِي: بِلَالٌ مَاقَالَ اِلَّا كَلِمَةً وَاحِدَةً، اَتَدْرِي مَاهِيَ؟ اِنَّهَا اَحَدٌ اَحَد، مَاذَا تَقُول؟ اَحَدٌ اَحَد! اَيْنَ الْاَصْنَام؟ اَيْنَ الْآَلِهَة؟ اَيْنَ هَؤُلَاءِ الَّذِين كَانُوا يُعْبَدُونَ مِنْ دُونِ الله؟ لَا يَااُمَيَّةُ بْنُ خَلَف، اَلْاِسْلَامُ وَالْاِيمَانُ يُعِزُّ صَاحِبَهُ، فَلَايَرْضَى اَنْ يَعْبُدَ اَوْ اَنْ يَسْجُدَ لِصَنَمٍ وَلَا لِنَبِيٍّ، وَلَا لِوَلِيٍّ، وَلَا لِلْمَلَائِكَةِ، وَاِنَّمَا يُعَفِّرُ جَبِينَهُ سُجُوداً لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِين، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ الْكِرَام {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيم، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِين(نَعَمْ اَخِي: وَالنَّعْمَةُ هُنَا لَيْسَتِ النِّعْمَةَ بِكَسْرِ النُّونِ بَلْ هِيَ نَعْمَة بِفَتْحِ النُّونِ وَتُفِيدُ التَّوَسُّعَ فِي النِّعَم؟ لِاَنَّ نِعْمَة بِالْكَسْرِ جَائِزٌ اَنْ تَكُونَ نِعْمَةً بَسِيطَة، اَمَّا نَعْمَة بِالْفَتْحِ فَهِيَ عَظِيمَة، بِمَعْنَى اَنَّ اللهَ وَسَّعَهَا عَلَيْهِمْ وَبَسَطَهَا لَهُمْ، نَعَمْ اَخِي: تَرَكُوا كُلَّ ذَلِكَ رَغْماً عَنْهُمْ، لَكِنْ مَنْ اَوْرَثَهُ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ النَّعْمَة{كَذَلِكَ وَاَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آَخَرِينَ(وَهُمْ بَنُو اِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانَ يَضْطَّهِدُهُمْ فِرْعَوْنُ، وَمَازَالَ بَنُو اِسْرَائِيلَ فِي نَعْمَةٍ وَفِي رَغَدٍ مِنَ الْعَيْشِ حَتَّى انْحَرَفُوا عَنْ مَنْهَجِ اللِه، فَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَاَذَلَّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَة، نَعَمْ اَخِي: وَكَذَلِكَ اُمَّةُ مُحَمَّد، وَرِثَتِ الْقِيَادَةَ عَنْ بَنِي اِسْرَائِيلَ بَعْدَ اَنْ نُزِعَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ بَنِي اِسْرَائِيلَ وَاُعْطِيَتْ لِلْمُسْلِمِين فَسَادُوا فِي الْاَرْضِ وَنَشَرُوا فِيهَا الْعَدْلَ وَالْاَمْنَ وَالْاَمَانَ وَالْحُبَّ وَالسَّلَامَ وَكُلَّ الْقِيَمِ الْاِنْسَانِيَّة، فَلَمَّا انْحَرَفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ مَنْهَجِ اللهِ، اَذَلَّهُمُ اللهُ كَمَا اَذَلَّ بَنِي اِسْرَائِيلَ مِنْ قَبْل{وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَايَعْلَمُون(نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا اَرَدْنَا عِزَّةً لِاُمَّتِنَا وَبِلَادِنَا وَاَوْطَانِنَا وَاَمْناً وَاَمَاناً وَسِلْماً وَسَلَاماً وَمَحَبَّةً وَرَخَاءً، فَلْنَعُدْ اِلَى الله، نعَمْ اَخِي{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُون(اِلَى اَنْ قَال{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْاَرْضُ وَمَاكَانُوا مُنْظَرِين(بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ يَقُولُ هَذَا مِنْ بَابِ الْمَجَازِ وَلَيْسَ حَقِيقَةً اَنَّ السَّمَاءَ وَالْاَرْضَ هِيَ الَّتِي لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِمْ، بَلْ اَهْلُ السَّمَاءِ وَالْاَرْضِ هُمْ مَنْ لَمْ يَبْكُوا وَلَمْ يَحْزَنُوا وَلَمْ يَتَاَسَّفُوا عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ سُئِلَ الْاِمَامُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، اَتَبْكِي السَّمَاءُ يَااَمِيرَ الْمُؤْمِنِين؟ فَقَالَ اِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ الصَّالِحُ بَكَى عَلَيْهِ مَوْضِعَان، مَاهُمَا؟ قَالَ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ فِي الْاَرْضِ، وَمَوْضِعُ مَصْعَدِ عَمَلِهِ اِلَى اللهِ فِي السَّمَاء، نَعَمْ اَخِي: فَهُنَاكَ رَابِطَةٌ وَثِيقَةٌ بَيْنَ الْمَكَانِ وَبَيْنَ الْمَكِين، وَالْمَكَانُ هُوَ الَّذِي تُصَلِّي فِيه، وَاَمَّا الْمَكِينُ فَهُوَ اَنْتَ اَخِي، فَانْظُرْ كَيْفَ تَحْدُثُ الرَّابِطَةُ بَيْنَ هَذَا الْكَوْنِ الْمُنْتَشِرِ الْمُتَرَابِطِ فِي تَسْبِيحِ اللهِ وَفِي تَقْدِيِسِهِ وَفِي تَنْزِيهِه، فًلَا تَغْتَرَّ اَيُّهَا الْاِنْسَان، وَلَاتَقُلْ اَنَا الَّذِي اُسَبِّحُ اللهَ وَحْدِي لَا{وَاِنْ مِنْ شَيْءٍ اِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَاتَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ اِنَّ اللهَ كَانَ حَلِيماً غَفُورَا(نَعَمْ اَخِي: اَلْاَرْضُ تُحِبُّ الْمُؤْمِن، وَالصَّخْرُ يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ وَ كَذَلِكَ الْجَمَادُ وَالتُّرَاب، وَنَحْنُ لَانَقُولُ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اَنْفُسِنَا، وَاِنَّمَا رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، حِينَمَا قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوك، أَيْ عَادَ اِلَى الْمَدِينَة، فَلَمَّا اَطَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَة، اُنْظُرْ اَخِي مَاذَا قَال؟ قَالَ هَذِهِ طَابَا، وَهَذَا جَبَلُ اُحُدٍ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّه، نَعَمْ اِنَّهُ صَخْرٌ، اِنَّهُ حَجَرٌ، اِنَّهُ جَبَلٌ يُحِبُّ رَسُولَ اللهِ وَيُحِبُّ الْمُؤْمِنِينَ، لَا لِوُجُودِ شُهَدَاءِ اُحُدٍ قَرِيباً مِنْهُ فَحَسْبُ، بَلْ هُوَ حُبٌّ مُتَبَادَلٌ بَيْنَ الْجَبَلِ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الْاَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْمَيِّتيِن، وَعَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ قَال: كُنْتُ اَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَاللهِ مَامَرَّ عَلَى صَخْرٍ وَلَاعَلَى حَجَرٍ وَلَا عَلَى شَجَرٍ وَلَا عَلَى حَصىً اِلَّا قَال اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَارَسُولَ الله! وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: اِنِّي لَاَعْرِفُ حَجَراً قَبْلَ اَنْ اُبْعَثَ نَبِيّاً كُنْتُ اِذَا مَرَرْتُ عَلَيْهَا(أَيْ عَلَى الْحَجَرِ(قَالَتْ اَلسَّلَامُ عَلَيْكَ يَارَسُولَ اللِه قَبْلَ اَنْ يُبَلِّغَ الرِّسَالَة، فَانْظُرْ اَخِي اِلَى هَذَا الْحُبِّ الْمُتَبَادَلِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَيْنَ الْجَمَادَاتِ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْمُؤْمِنَ لَايَسْعَى فِي الْاَرْضِ فَسَاداً، وَالْمُؤْمِنُ لَايَمْشِي عَلَى الْاَرْضِ مُتَكَبِّراً{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْاَرْضِ هَوْناً وَاِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامَا( نَعَمْ اَخِي واَلْمُؤْمِنُ لَايَبْطُشُ بِرجْلِهِ الْاَرْضَ{وَلَاتَمْشِ فِي الْاَرْضِ مَرَحاً اِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْاَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولَا، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهَا( نَعَمْ اَخِي: هَلْ نَحْنُ الْيَوْمَ نَمْشِي عَلَى الْاَرْضِ هَوْناً؟ هَلْ نَسِيرُ بِاَرْجُلِنَا اِلَى اَمَاكِنِ الْخَيْرِ لِنَفْعَلَ الْخَيْرَ؟ اَمْ نَمْشِي بِاَرْجُلِنَا اِلَى مَعْصِيَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى! نَعَمْ اَخِي: فَهَذِهِ الرِّجْلُ اِمَّا اَنْ تَمْشِيَ بِهَا اِلَى مَايُرْضِي اللهَ، وَاِمَّا اَنْ تَمْشِيَ بِهَا اِلَى مَايُغْضِبُ الله، نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ الصَّالِحُ، ضَمَّتْهُ الْاَرْضُ ضَمَّةَ حَنَانٍ لِمَاذَا؟ لِاَنَّ الْاَرْضَ اُمُّنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ(مِنْ تُرَابِهَا{ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ، وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً اُخْرَى( نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا رَاعَيْنَا حُرْمَةَ هَذِهِ الْاَرْضِ وَلَمْ نَنْشُرْ فِيهَا الْفَسَادَ وَجَعَلْنَاهَا مَسْجِداً وَطَهُوراً كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام[وَجُعِلَتْ لِيَ الْاَرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً فَاَيَّمَا رَجُلٌ مِنْ اُمَّتِي اَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ( فَبِاللهِ عَلَيْكَ اَخِي، اَلَا تَحْزَنُ الْاَرْضُ وَتَبْكِي؟ بَلْ اِنَّ السَّمَوَاتِ وَالْاَرْضَ تَبْكِي عَلَى فِرَاقِ حَبِيبِهَا الْمُؤْمِنِ وَمَوْضِعِ سُجُودِهِ وَمَصْعَدِ عَمَلِهِ، بَلْ اِنَّ الْجِذْعَ الَّذِي كَانَ يَسْتَنِدُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ لِيَخْطُبَ بِالنَّاسِ، فَلَمَّا اُشِيرَ عَلَيْهِ اَنْ يَتَّخِذَ مِنْبَراً آَخَرَ بَعِيداً عَنِ الْجِذْعِ؟ لِاَنَّ النَّاسَ كَثُرُوا وَيَحْتَاجُونَ اِلَى مِنْبَرٍ فِي مَكَانٍ آَخَرَ يَرَاهُ اَكْثَرُ النَّاسِ، نَعَمْ اَخِي: فَاتَّخَذُوا لَهُ مِنْبَراً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْمَنْبَرِ الْجَدِيدِ، يَسْمَعُ لِجِذْعِ النَّخْلِ اَنِيناً كَاَنِينِ النَّاقَةِ الَّتِي فَقَدَتْ وَلَدَهَا، فَحَنَّ الْجِذْعُ اِلَى قُرْبِ رَسُولِ اللهِ مِنْهُ مِنْ جَدِيد، فَنَزَلَ فَاحْتَضَنَهُ رَسُولُ اللهِ، فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ صَوْتٌ! ثُمَّ اَسَرَّ الْجِذْعُ اِلَى نَبِيِّنَا بِكَلِمَةٍ! فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ: اَمَا تَرْضَى اَنْ تَكُونَ جِذْعاً فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً سَامِقَةً يَاْكُلُ مِنْهَا الْمُتَّقُونَ الْاَبْرَار! وَكُلُّ ذَلِكَ اَيُّهَا الْاِخْوَة يَدْفَعُنَا اِلَى اَنْ نَكُونَ رُسُلَ اَمْنٍ وَسَلَام، وَاَنْ نَنْشُرَ فِي هَذِهِ الْاَرْضِ الْخَيْرَ وَالْاَمْنَ وَالطَّمَاْنِينَة، نَعَمْ اَخِي: اِنَّهُ انْسِجَامٌ بَيْنَ الْكَوْنِ وَبَيْنَ الْاِنْسَانِ الْمُؤْمِنِ، وَكُلٌّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ رَبِّهِ، وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْمَنْظُومَةِ الْمُوسِيقِيَّةِ الْمُسَبِّحَةِ الْاَكْثَرَ مِنْ رَائِعَة، فَبَدَلَ اَنْ يُسَبِّحُوا اللهَ، يَشْتُمُونَ الله، وَبَدَلَ عَظِيمِ الثَّنَاءِ عَلَى اللهِ، اِذَا بِهِمْ يَذُمُّونَ اللهَ بِاَقْبَحِ الذَّمِّ، فَهَؤُلَاءِ هُمْ عَالَمُ النَّشَازِ، خَرَجُوا عَنْ هَذِهِ الْمَنْظُومَةِ الْمُؤْمِنَةِ الْمُسَبِّحَةِ لِلِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَوَاءً كَانَتْ حَجَراً اَمْ شَجَراً اَمْ مَدَراً اَمْ بَشَراً اَمْ كُلَّ شَيْء، فَكُلُّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ بِحَمْدِ اللهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَاِنَّنَا نَرَى كَثِيراً مِنَ النَّاسِ اَلْسِنَتُهُمْ لَاتَلْهَجُ بِتَسْبِيحِ اللهِ، وَلَاتَذْكُرُ اللهَ، وَيَالَيْتَهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ اِنَّهَا لَاتَذْكُرُ اسْمَ اللهِ اِلَّا بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ، وَلِذَلكَ اَخِي الْمُؤْمِنُ، اِيَّاكَ اَنْ تَجْعَلَ لِسَانَكَ يَنْطَلِقُ لِيُودِيَ بِكَ اِلَى التَّهْلُكَة، وَاعْلَمْ اَنَّ عَلَيْكَ رَقِيبَيْنِ يَكْتُبَانِ عَلَيْكَ كُلَّ فِعْلٍ تَفْعَلُهُ وَكُلَّ قَوْلٍ تَقُولُه{مَايَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ اِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد(نَعَمْ اَخِي: فَاِذَا اَرَدْنَا اَنْ نَقْضِيَ عَلَى اللَّغْوِ وَالثَّرْثَرَةِ، فَعَلَيْنَا اَنْ نُؤْمِنَ بِهَذِهِ الْآَيَةِ حَقَّ الْاِيمَان، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ أَيَّ كَلِمَةٍ تَتَلَفَّظُ بِهَا يَااَخِي، تُكْتَبُ لَكَ اَوْ عَلَيْكَ، فَوَاللهِ لَوْ اَخَذْنَا بِهَذِهِ الْآَيَةِ وَمَافِيهَا مِنْ خَطَرِ الْكَلِمَةِ السَّيِّئَةِ وَنَفْعِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ حَقَّ الْاَخْذِ بِقُوَّةٍ وَجِدِّيَّةٍ، لَاضْمَحَلَّ الْكَذِبُ وَالِافْتِرَاءُ وَقَوْلُ الزُّورِ وَكُلُّ قَوْلٍ لَايَسْتَنِدُ اِلَى حَقِيقَة، لِاَنَّكَ اَخِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَتُسْاَلُ عَنِ الْكَلِمَة سَوَاءً كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ مَنْطُوقَةً اَمْ كَانَتْ مَكْتُوبَةً وَمُسَجَّلَةً فَسَتُسْاَلُ عَنْهَا، وَلِذَلِكَ اضْبِطْ لِسَانَكَ قَبْلَ اَنْ تَتَلَفَّظَ بِالْكَلِمَة، وَزِنْهَا بِمِيزَانِ الْخَوْفِ مِنَ الله، فَاِنْ كَانَتْ كَلِمَةَ خَيْرٍ فَقُلْهَا، وَاِنْ كَانَتْ كَلِمَةَ شَرٍّ فَاتْرُكْهَا وَابْتَعِدْ عَنْهَا؟ لِتَكُونَ آَمِناً مُطْمَئِنّاً فِي حَيَاتِكَ الدُّنْيَا، نَعَمْ اَخِي: اَلنَّاسُ يُحِبُّونَ الصَّالِحِينَ، وَيُحِبُّونَ الْاَتْقِيَاء، نَعَمْ اَخِي: وَحَتَّى الَّذِينَ لَايَتَّقُونَ اللهَ، تَرَاهُمْ اَحْيَاناً يَحْتَرِمُونَ مَنْ يَتَّقِي الله؟ لِاَنَّ هَذَا الْمُنْحَرِفَ مَازَالَ هُنَاكَ شُعَاعٌ مِنَ الْاِيمَانِ يُنِيرُ قَلْبَهُ وَيُضِيءُ عَقْلَه، نَعَمْ اَخِي: مَاشَاءَ اللهُ لَاقُوَّةَ اِلَّا بِالله، وَتَبَارَكَ اللهُ اَحْسَنُ الْخَالِقِين، فَاِنَّكَ تَرَى الْمَسْجِدَ الْآَنَ غَاصّاً مَلِيئاً بِالْمُصَلِّين، لَكِنْ تَعَالَ مَعِي اِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ جَمَاعَةً! فَاِنَّكَ تَرَى عَدَداً لَايُذْكَرُ! فَلِمَاذَا اَخِي الْمُؤْمِنُ لَاتَكُونُ حَرِيصاً عَلَى ثَوَابِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ فَلْنَتُبْ اِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً؟ حَتَّى اِذَا قُلْنَا يَارَبّ، قَالَ اللهُ لَبَّيْكُمْ، اَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، اَلْحَمْدُ لِلهِ ثُمَّ الْحَمْدُ لِله، اَلْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي جَعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَصَرَفَ عَنَّا كَيْدَ الْكَائِدِين، وَنَرْجُوهُ تَعَالَى اَنْ يُثَبِّتَ اِيمَانَنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَة، فَنَحْنُ اَيُّهَا الْاِخْوَة مَاجِئْنَا اِلَّا لِنَقُولَ كَلِمَةَ الْخَيْرِ حَسَبَمَا نَرَاهُ مُوَافِقاً لِشَرْعِ اللهِ وَلِسُنَّةِ رَسُولِه، وَاَنْتُمْ اَيُّهَا الْاِخْوَةُ لَايَجُوزُ لَكُمْ اَنْ تَفْرِضُوا عَلَيَّ شَيْئاً غَيْرَ مُتَوَازِنٍ وَلَاعَقْلَانِيّ، فَاَنَا اَدْرَى بِكُمْ، وَاَدْرَى بِمَا يُحِيطُ بِكُمْ مِنْ اَحْدَاث، وَلَااَسْتَطِيعُ اَنْ اَكُونَ مُتَهَوِّرَةً وَاَجْعَلَكُمْ تَتَهَوَّرُونَ مَعِي، نَعَمْ اَيُّهَا الْاِخْوَة: وَالْمُؤْمِنُ دَائِماً يَكُونُ مُتَوَازِناً وَيُقَدِّرُ الْاُمُور، فَاِذَا فَعَلَ فِعْلاً حَتَّى وَلَوْ كَانَ فِي ظَاهِرِهِ خَيْرٌ، فَعَلَيْهِ اَنْ يُفَكِّرَ مَاذَا سَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَبْلَ اَنْ يَفْعَلَهُ، فَاِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ اَكْثَرَ مِنْ نَفْعِهِ، فَعَلَيْهِ اَلَّا يَفْعَلَه، وَنَحْنُ دَائِماً نَخْضَعُ لِقَوَاعِدَ شَرْعِيَّةٍ تُلْزِمُنَا بِهَذِهِ الْاُمُور، وَاَنَا الْآَنَ لَسْتُ مُنْسَجِمَةً مَعَكُمْ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْاُمُور، فَاِذَا اَرَدْتُّمْ اَنْ تَتَهَوَّرُوا فَاذْهَبُوا بَعِيداً عَنِّي اِلَى غَيْرِي لِيَتَوَلَّى زِمَامَ اُمُورِكُمْ وَقِيَادَتِكُمْ عَلَى مَسْؤُولِيَّتِهِ الشَّخْصِيَّةِ، وَلَنْ اَجْعَلَ أَيَّ فَتْوَى مُتَهَوِّرَةٍ فِي رَقَبَتِي وَعَلَى مَسْؤُولِيَّتِي الشَّخْصِيَّة، وَلِذَلِكَ فَاِنِّي آَسِفَةٌ جِدّاً اِذَا لَمْ تَسْمَعُوا مِنِّي، وَفِي ذَلِكَ اِحْبَاطٌ لِمَكَانَتِي وَمَنْزِلَتِي، وَلِذَلِكَ فَاِنَّ الْوَلَدَ الْمَرْضِيَّ يَسْمَعُ مِنْ وَالِدِهِ وَوَالِدَتِهِ الْوَاعِيَيْنِ الْعَاقِلَيْنِ، فَمَا بَالُكُمْ بِالْعُلَمَاءِ الرَّاسِخِين، وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي اَنْ يَقُولَ التَّلَامِذَةُ الْمُخْلِصُون: عُلَمَاؤُنَا اَحَبُّ اِلَيْنَا مِنْ آَبَائِنَا؟ لِاَنَّ آَبَاءَنَا يُغَذُّونَ اَجْسَامَنَا، وَاَمَّا عُلَمَاؤُنَا فَيُغَذُّونَ اَرْوَاحَنَا وَعُقُولَنَا، وَلِذَلِكَ اُكَرِّرُ مُطَالَبَتَكُمْ بِالِانْضِبَاطِ وَالتَّنْظِيمِ وَعَدَم ِالتَّهَوُّرِ فِي الْمُظَاهَرَاتِ وَاِلْغَاءِ الشَّغَبِ وَاَعْمَالِ الْفَوْضَى وَاخْتِلَاطِ الْحَابِلِ بِالنَّابِلِ فِيهَا قَدْرَ الْاِمْكَان، وَرَفْعَ الشِّعَارَاتِ الَّتِي تُعَظِّمُ شَعَائِرَ اللهِ وَحُرُمَاتِهِ وَتُرْضِيهِ عَنَّا جَمِيعاً وَاَنْ تَصِيحُوا وَتَهْتِفُوا بِهَا وَتُنَاصِرُوهَا؟ لِنَخْرُجَ مِنْ هَذَا الْمَسْجِدِ كَمَا دَخَلْنَا اِلَيْهِ فِي اَمْنٍ وَاَمَانٍ وَرِضىً مِنَ اللهِ وَرَسُولِه، وَقَبْلَ اَنْ نَخْتِمَ الْمُشَارَكَة نُتَابِعُ حَدِيثَنَا حَوْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي اُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان(

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.