تخطى إلى المحتوى

كتمان الاسرار يدل على جواهر الرجال

كتمان الاسرار يدل على جواهر الرجال

كتمان الاسرار يدل على جواهر الرجال

قال الله تعالى حكاية عن يعقوب صلوات الله وسلامه عليه:يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك " يوسف: 5،، فلما أفشى يوسف عليه السلام رؤياه بمشهد امرأة يعقوب أخبرت إخوته، فحل به ما حل.

ومن شواهد الكتاب العزيز في السر قوله تعالى: " فأوحى إلى عبده ما أوحى " النجم: 10،. وقوله تعالى: " وما هو على الغيب بضنين " التكوير: 24. أي بمتهم.
وفي الحديث: " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود " .
وقال علي رضي الله عنه : " سرك أسيرك فإذا تكلمت به صرت أسيره)
واعلم أن أمناء الأسرار أقل وجوداً من أمناء الأموال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار، لأن إحراز الأموال منيعة بالأبواب والأفعال، وإحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق ويشيعها كلام سابق.
وحمل الأسرار أثقل من حمل الأموال فإن الرجل يستقل بالحمل الثقيل، فيحمله ويمشي به، ولا يستطيع كتم السر.
وأن الرجل يكون سره في قلبه، فيلحقه من القلق والكرب ما لا يلحقه من حمل الأثقال، فإذا أذاعه استراح قلبه، وسكن خاطره، وكأنما ألقى عن نفسه حملاً ثقيلاً.

وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: " القلوب أوعية والشفاء أقفالها " ، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل إنسان مفتاح سره " .

ومن عجائب الأمور أن الأموال كلما كثرت خزائنها كان أوثق لها، وأما الأسرار فإنها كلما كثرت خزائنها كان أضيع لها، وكم من إظهار سر أراق دم صاحبه ومنعه من بلوغ مآربه ولو كتمه أمن سطواته.

وقال أنوشروان: من حصن سره، فله بتحصينه خصلتان، الظفر بحاجته، والسلامة من السطوات.

وقيل: كلما كثرت خزائن الأسرار زادت ضياعاً.

وقيل: انفرد بسرك لا تودعه حازماً فيزل، ولا جاهلاً فيخون.

وأسر رجل إلى صديقه حديثاً، ثم قال له: أفهمت؟ قال: بل جهلت. ثم قال له: أحفظت؟ قال: بل نسيت.

وقيل لبعضهم: كيف كتمانك للسر؟ قال: أجحد المخبر، وأحلف للمستخبر.

وقال المهلب: أدنى أخلاق الشريف كتمان السر وأعلى أخلاقه نسيان ما أسر إليه.
وقيل: كتمان الأسرار يدل على جواهر الرجال، وكما أنه لا خير في آنية لا تمسك مافيهاوقد أجازه الشيخ شمس الدين البموي فقال:
إني كتمت حديث ليلى لم أبح … يوماً بظاهره ولا بخفيه
وحفظت عهد ودادها متمسكاً … في حبها برشاده أو غيه

ولها سرائر في الضمير طويتها … نسي الضمير بأنها في طيه

وقال صالح بن عبد القدوس: لا تودع سرك إلى طالبه، فالطالب للسر مذيع، ولا تودع مالك عند من يستدعيه، فالطالب للوديعة خائن.

وقيل لأعرابي: ما بلغ من حفظك للسر؟ قال: أفرقه تحت شغاف قلبي ثم أجمعه وأنساه كأني لم أسمعه.

وكان أحزم الناس من لا يفشي سره إلى صديقه مخافة أن يقع بينهما شر، فيفشيه عليه.

وقال حكيم: قلوب الأحرار قبور الأسرار،

وقيل: الطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار حمق .

كذلك لا خير في إنسان لا يمسك سره.
ولله در المتنبي حيث قال:
وللسر مني موضع لا يناله … نديم ولا يفضي إليه شراب

وقد اقتصرنا من ذلك على هذا القدر اليسير، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.