تخطى إلى المحتوى

اللعن في ميزان الشرع

  • بواسطة
اللعن في ميزان الشرع

فاللعن -في اللغة-: الطرد والإبعاد(1)، وأصل اللعن -إن كان من الخالق- فهو الطرد والإبعاد من رحمته، وإن كان من المخلوق فهو السبُّ بتقبيح الفعل وذمِّ فاعله والدعاء عليه(2)، فيقال: «لعن فلانًا» إذا سبَّه وأخزاه(3)، قال الراغب الأصفاني -رحمه الله-: «اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبةٌ، وفي الدنيا انقطاعٌ من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاءٌ على غيره»(4).
وأهل السُّنَّة يفرِّقون -في النوع- بين اللعن المطلق واللعن للمعيَّن، واللعنُ المطلق -سواءٌ كان بالوصف الأعمِّ كقول القائل: «لعن الله المبتدع أو الكافر أو الفاسق»، أو كان بوصفٍ أخصَّ كلعن اليهود والنصارى والمجوس، وكلعن فِرَقِ أهل البدع كقولك: «لعن الله الجهمية أو القدرية أو الرافضة وغيرها من الفِرَق المنتسبة للإسلام»- فجائزٌ بالوصفين الأعمِّ والأخصِّ بلا خلافٍ بين أهل السنَّة، قال القاضي عياضٌ -رحمه الله-: «ولعنُ الجنس جائزٌ، لأنَّ الله تعالى قد وعدهم، وينفذ الوعيدُ على من شاء منهم»(5).
وموجِبات اللعن ثلاثةٌ وهي: الكفر والفسق والبدعة.
وقد دلَّت النصوص الشرعية على جواز اللعن المطلق منها:
* قوله تعالى في اللعن بالكفر: ﴿إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا﴾ [الأحزاب: 64]، ومنها قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: 88].
* أمَّا اللَّعن بالفسق فمثل قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ المَنَارَ»(6)، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ»(7)، وحديث عبد الله بن عمروٍ رضي الله عنهما -مرفوعًا-: «سَيَكُونُ في آخِرِ أُمَّتِي نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ [العِجَافِ]، الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ»(8)، وحديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ»(9).
* أمَّا اللعن بالبدعة فبقوله صلَّى الله عليه وسلَّم -في معرض ذكر فضل المدينة-: «… مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفًا وَلاَ عَدْلاً»، قَالَ: فَقَالَ ابْنُ أَنَسٍ: «أَوْ آوَى مُحْدِثًا»(10)، واللعن على الإحداث -وإن ورد مقيَّدًا في حديث أنس رضي الله عنه بالمدينة- إلاَّ أنَّ الحكم يعمُّ الإحداثَ في غيرها، وضمن هذا المعنى يقول ابن حجرٍ -رحمه الله- في تعليل إيراد البخاريِّ للحديث في «الاعتصام»: «والغرض بإيراد الحديث هنا لعنُ من أحدث حدثًا، فإنه -وإن قُيِّد في الخبر بالمدينة- فالحكم عامٌّ فيها وفي غيرها إذا كان من متعلِّقات الدين»(11)، ويُؤكِّده قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا»(12)، وقال النووي -رحمه الله- في شرح حديث أنسٍ رضي الله عنه: «ومعناه أنَّ الله تعالى يلعنه وكذا يلعنه الملائكة والناس أجمعون، وهذا مبالغةٌ في إبعاده عن رحمة الله تعالى، فإنَّ اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد، قالوا: والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقُّه على ذنبه والطردُ عن الجنَّة أوَّلَ الأمر، وليست هي كلعنة الكفَّار الذين يُبْعَدون من رحمة الله تعالى كلَّ الإبعاد»(13).
* أمَّا لعن اليهود فنصوصٌ كثيرةٌ تدلُّ عليه منها: قوله تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ﴾ [المائدة:78]، وقوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [المائدة: 64] وفي السُّنَّة قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى اليَهُودِ والنَّصَارَى، اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»(14).
* وثبت عن السلف أنهم كانوا يلعنون كبارَ الطوائف والفِرَق من أهل الضلال والبدع المخالفين للسنَّة المعاندين لأهلها: كالجهمية والقدرية والخوارج وغيرهم، فقد لعن ابن عمر رضي الله عنهما القدريةَ وتبرَّأ منهم(15)، ولعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما الأزارقةَ والخوارج كلَّها(16)، كما سبَّ التابعون من تكلَّم في القدر وكذَّب به ولعنوهم ونَهَوْا عن مجالستهم، وكذلك أئمَّة المسلمين على نهجهم سائرون وبمقالتهم قائلون، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «ولهذا اهتمَّ كثيرٌ من الملوك والعلماء بأمر الإسلام وجهاد أعدائه، حتى صاروا يلعنون الرافضةَ والجهمية وغيرهم على المنابر، حتى لعنوا كلَّ طائفةٍ رأوا فيها بدعةً»(17).
هذا، وحريٌّ بالتنبيه أنَّ اللعن المطلق لا يستلزم لَعْنَ المعيَّن، أي: أنَّ لعن جنس السارق أو الخمَّار لا يقتضي جوازَ لعن خصوص السارق أو الخمَّار أو ما إلى ذلك من العصاة، لأنَّ المعلوم أنََّ الحكم الذي يترتَّب على العموم من حيث عمومه لا يترتَّب على الخاصِّ من حيث خصوصه، ويدلُّ عليه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لَعَنَ اللهُ الخَمْرَ وَلَعَنَ شَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَحَامِلَهَا وَالمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا»(18) مع أنه صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن لعن رجلٍ كان في عهد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم اسمه عبد الله وكان يُضحك رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد جَلَدَه في الشراب، فَأُتِيَ به يومًا فأمر به فجُلد فقال رجلٌ من القوم: «اللَّهمَّ الْعَنْهُ، ما أكثر ما يُؤتى به»، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَواللهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ»(19)، فدلَّ ذلك على أنَّ اللعن المطلق لا يقتضي لَعْنَ المعيَّن لاحتمال أن يقوم بالمعيَّن ما يحول بينه وبين لحوق اللعن به
الموضوع الأصلي : <font color="#FF0000" size="1" face="tahoma"> (تحميل برنامج Aiseesoft Multimedia Software Ultimate 5.0.18 كراك) اللعن في ميزان الشرع <font color="#FF0000" size="1"> -||- المصدر : مدونة عز قطر -||- الكاتب : <font color="#FF0000" size="1" face="tahoma"> احمد بن صالح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.