استشارات طبيه علميه طب
السؤال:
السلام عليكم
أشكر القائمين على هذا الموقع الإسلامي.
أنا طالب جامعي، أدرس في مدينة غير مدينتي، أعاني من الوحدة والشعور بالغربة، حيث إني أسكن وحدي لظروف خارجة عن إرادتي، وهذا الأمر قد تكرر معي خلال الثلاث السنوات الماضية.
أعاني أيضاً من قلة الأصدقاء، وفي أوقات يضيق صدري، وأشعر بالاكتئاب وأحاول أن أنظم وقتي عن طريق الطاعة، وإني والحمد لله ملتزم، وأصلي، -وخاصة صلاة الفجر- وأقرأ القرآن، ولكن خلال هذه الفترة لا أشعر بشيء تقريبا من الإيمانيات، والحالة النفسية صعبة لدي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:
– شكر الله لك تدينك وحرصك على طاعة الله عز وجل، والتمسك بطرق النجاة، وهذا يدل على خير أنت فيه، نسأل الله أن تكون كذلك وزيادة، والغربة –أخي- لا شك أنها تترك انطباعاً سيئاً على النفس، لأنها مع أهميتها تترك آثاراً نفسية متجاذبة ومتضادة، فالميل إلى التعامل مع الناس فطرة اجتماعية، والخوف من تبعات ذلك سلباً يرجح العزلة الاجتماعية، ولعل تخوفك من الآثار المترتبة على مصادقة الناس أو خوفك الزائد من تحمل تبعات لم تعتد عليها هو ما دفعك إلى هذه العزلة.
– حتى تتغلب على تلك العزلة لابد من مصاحبة من تأمن نفسك معهم، بالطبع لو كنت بجوار أهلك كنا سنخبرك أن تبدأ بأهلك الأقرب منهم فالأقرب، لأنهم وإن غضبوا منك أو غضبت منهم فحبل الاتصال سيظل قائما، لكن ولأنك في الغربة فإننا نوصيك أن تبدأ المصاحبة من أهل التدين، تخير من زملائك من يحرص معك على صلاة الفجر، اجعل المسجد هو المنطلق الطبيعي للمصادقة، وحين تصادق -أخي الحبيب- الناس لا تتوقع منهم أنهم ملائكة، كما لا ينبغي الابتعاد عنهم لكونهم يخطئون، إذا الحياة بطبيعتها فيها هذا وذاك، ولابد أن تتعامل مع الجميع.
– الإيمان كما تعلم يزيد وينقص، والظهور الإيماني المتناقص عندك قد يكون مرده إلى كثرة التفكير في الاغتراب والوحدة، مع عدم اتخاذ خطوات فاعلة للقضاء على ذلك، وحتى تستشعر الإيمان -أخي الحبيب- وتشعر بلذة الطاعة عليك ببعض ما ذكره أهل العلم، وحدودها فيما يلي:
– معرفة من تعبد من خلال معرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وقد ذكر أهل العلم أن هذا مما يولد الخشية في قلب المؤمن، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} قال ابن رجب: العلم النافع يدل على أمرين: (أحدهما: على معرفة الله وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه وخشيته ومهابته، ومحبته، ورجاءه والتوكل عليه، والرضاء بقضائه والصبر على بلائه، والثاني: المعرفة بما يحبه ويرضاه، وما يكرهه وما يسخطه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال، فيوجب ذلك لمن علمه المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه، والتباعد عما يكرهه ويسخطه، فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا فهو علم نافع، فمتى كان العلم نافعاً ووقر في القلب فقد خشع القلب لله وانكسر له، وذل هيبة وإجلالاً وخشية ومحبة وتعظيما).
– التحصن بالعلم الشرعي، ولا يعني ذلك ترك دراستك وتعلميك، وإنما نعني أن تكون شخصية إسلامية لا تجهل على الأقل الأمور الأساسية في الدين، وكثرة التأمل في خلق الله عز وجل، للوقوف على عظمته جل شأنه، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} وقال: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} وحثنا القرآن صراحة فقال: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}، قال عامر بن عبد قيس: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: (إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر).
– تدبر القرآن: ولاحظ أننا لم نقل لك ختم القرآن، ولا قراءته بل نريد منك أن تتأمله، ولو صفحة واحدة في اليوم، المهم أن تحسن عن الله فهمك، ويدل على ذلك قول الله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} وهذا يوجب عليك أن يكون معك كتاب تفسير مبسط،- قال ابن القيم رحمه الله: (قراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى في حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن) وقال أيضاً: ( فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيِّد بنيانه وتوطِّد أركانه).
إذا تدبر العبد آيات الله تعالى وما فيها من وعد ووعيد وجنة ونار والأعمال التي تسوق إليهما زاد إيمانه ويقينه بوعد ربه ووعيده، فالقرآن نور، وتلاوته تزيد إيمان الصالحين، قال تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}.
– لا يزال لسانك رطبا بذكر الله، الذكر يدمر الشيطان، ويطمئن القلوب المؤمنة ويثبتها على طاعة الرحمن، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يذكر الله بالرجل الميت، فقال كما في حديث أبي موسى : (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت).
– البحث عن حلاوة الإيمان، فللإيمان لذة وله طعم حلو ومذاق فريد، لا يتذوق ذلك إلا من قدم محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، على محبة نفسه وهواها، يدل على ذلك: حديث أنس، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) متفق عليه.
– البحث عن مجالس الذكر والحضور فيها ولو قليلة، فالمرء بإخوانه، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن كثرة المواظبة على مجالس العلم ومصاحبة الصالحين معين للمرء على طاعة الله، ويدل على ذلك حديث حنظلة الأُسيدي قال: قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك)؟ قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنّها رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً، فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) وقال معاذ بن جبل لأحد أصحابه يتذاكر معه: (اجلس بنا نؤمن ساعة) وقال أبو الدرداء: (كان ابن رواحة يأخذ بيدي ويقول: تعال نؤمن ساعة، إن القلب أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غليانها) قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي.
وقال آخر:
فصاحب تقياً عالماً تنتفع بـه * فصحبة أهل الخير ترجى وتطلبُ
وإياك والفسـاق لا تصحبنهم * فقربهمُ يُعدي وهذا مجَّــربُ
فإنا رأينا المرء يسرق طبعه * من الإلف ثم الشرُ للناس أغلبُ.
في المثل (الصاحب ساحب) فصاحب الإيمان يسحبه إلى ما فيه زيادة الإيمان والعكس بالعكس، وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح ووالجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما تجد ريحاً خبيثة) ويحذيك أي يعطيك، والأدلة وأقوال السلف كثيرة في أثر الصحبة الصالحة في زيادة الإيمان.
– الابتعاد قدر الطاقة عن المعصية: فالمعصية ظلمة في القلب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث حذيفة: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السموات والأرض، والآخر أسود مُرباداً -أي مخلوطاً حمرة بسواد- كالكوز مجخيا -كالكأس المنكوس المقلوب الذي إذا انصب فيه شيء لا يدخل فيه- لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا إلا ما أَشرب من هواه ).
قال ابن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب * وقد يورث الذل إدمانها*
وترك الذنوب حياة القلوب * وخير لنفسك عصيانها.
– زيادة النوافل مع المحافظة قطعاً على الفرائض، فقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: (وما يزال عبدي يقترب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ).
– الدعاء أن يزيد الله إيمانك وأن يصرفك عن السوء: فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليخلق -أي يبلى- في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم)، وأنت شاب صالح، وأنت على خير، فلا تنزعج كثيرا بحالك واعلم أن تغييره أمر ميسور.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير والله المستعان.
منقووووووووووول