بسم الله الرحمن الرحيم
مكانة العلماء وواجباتهم
https://www.youtube.com/watch?v=WrtfDljFodE
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، أحمدُه – سبحانه – فاوَتَ بين العباد وفضَّل بعضَهم على بعضٍ في المعاشِ والمعاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نوَّر بالعلم القلوب، ودفعَ بالعلماء الخُطوب، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه صاحبُ الفضلِ المرغوب، والهديِ الأخيَر المطلوب، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابِه، والتابِعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلِّم يا رب تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا عباد الله:
أُوصِيكم ونفسي وصيَّةً مُضمَّخةً بعَبَقِ الإيمان، تلكم هي الوصيَّةُ بتقوَى الواحِدِ الديَّان، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119].
من يتَّقِ الله يجعل عُسرَه يُسرًا ويُعظِمِ اللهُ بالتقوَى له أجرًا
أيها المسلمون:
من معاقِدِ القول المُؤكَّدة، وعزائِمِه المُقرَّرة المُوتَّدة: أن مِنَنَ الباري – سبحانه – على عبادِه عظيمةٌ مُترادِفة، هتَّانةٌ مُتوافِدة.
ومن أجلِّ نعَم الله على عبادِه: أن أرسلَ فيهم رسولاً من أنفسهم، يتلُو عليهم آياته ويُزكِّيهم ويُعلِّمُهم الكتابَ والحكمة. فقام – صلى الله عليه وسلم – برسالته خيرَ قيام، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمة.
وقد حملَ مِشعلَ الهداية بعدَه أهلُ العلم على ميراثِ الرسالة، ومنهاجِ النبُوَّة بالبلاغ والبيان؛ فهم في الأمة أنوار الهُدى، ومصابيحُ الدُّجَى، وزوامِلُ الإسلام، وحُرَّاسُ الدين، وحُماة العقيدة، يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11].
أيها المؤمنون:
لقد خصَّ الله أهلَ العلم بالتكريمِ والتشريفِ، والمقامِ العليِّ المُنيف؛ فالعالِم في الأمة بدرُها السارِي، وسَلسَالُها العذبُ الجارِي، لاسيَّما أئمةُ الدين وعلماءُ الشريعة. ومهما دُبِّجَت النُّعوتُ في فضائلِهم فلن تُوفِّيَهم حقَّهم، كيف وقد قال نبيُّ الهُدى – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله وملائكتَه وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جُحرها، وحتى الحُوتَ، ليُصلُّون على مُعلِّم الناس الخير»؛ أخرجه الترمذي بسندٍ صحيحٍ.
وصحَّ عند أحمد في “المسند” من حديث أنسٍ – رضي الله عنه -، أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إنما مثَلُ العلماء كمثَلِ النُّجوم يُهتَدَى بها في ظُلمات البرِّ والبحر».
فإذا انطمَسَت النجوم أوشكَ أن تضِلَّ الهُداة!
قال الإمام أبو بكرٍ الآجُريُّ – رحمه الله -: “فما ظنُّكم بطريقٍ فيه آفاتٌ كثيرة، ويحتاجُ الناسُ إلى سُلوكِه في ليلةٍ ظَلماء، فقيَّضَ الله له فيه مصابيحَ تُضِيءُ لهم، فسلَكُوه على السلامة والعافية، ثم جاءَت فِئامٌ من الناس لا بُدَّ لهم من السلوك فيه فسلَكُوا، فبينما هم كذلك إذ طُفِئَت المصابيح، فبَقُوا في الظُّلمة. فما ظنُّكم بهم؟! فهكذا العُلماءُ في الناس”.
تستغفِرُ الحِيتانُ في أبحارِها للسالِكين مدارِجَ العُلماءِ
فهم النجومُ مقامُهُم كبِدُ السماء وحُظوظُهم في الليلة القَمرَاءِ
فمن ابتغَى من غيرِ هذا نهجَه فلقد أضلَّ وضلَّ في البَيْدَاءِ
معاشر المؤمنين:
ومسؤوليةُ العلماء في الأمة عظيمة، ومهمَّتُهم جسيمة، وأوجبُ الواجِبات عليهم: بيانُ صحيح الدين، كما أُنزِلَ على سيِّد المُرسَلين – عليه الصلاة والسلام -، وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187].
فلو لم يقُم العلماءُ بواجِبِهم في البلاغِ والبيانِ لبقِيَ الناسُ حيارَى يتيهُون في ظُلمات الجهل، ودياجِير الضلال، لذا قال – صلى الله عليه وسلم -: «من سُئِل عن علمٍ فكتمَه أُلجِمَ يوم القيامة بلِجامٍ من نار»؛ رواه الترمذي، وقال: “حديثٌ حسن”.
وكان أبو هريرة – رضي الله عنه – يقول: “لولا آيةٌ من كتابِ الله ما حدَّثتُكم، ثم يتلُو: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159]”.
ولا يقتصِرُ عملُهم على البيانِ فحسب؛ بل يعظُمُ دورُهم، وينبُلُ قدرُهم بمحارَبَة البدَع والضلالات، والمُنكرَات والمُحدثَات، ليَميزَ الله بهم الخبيثَ من الطيبِ، والحقَّ من الباطِل، والصحيحَ من الزائِف. فأسمَى مقاصِدِهم: إبرازُ الرؤية الإسلامية لكافَّة القضايا التأصيليَّة، والمُستجِدَّات العصريَّة، فيُحيُون بكتابِ الله الموتَى، ويُبصِّرون به أهلَ العمَى، ويهدُون من ضلَّ إلى الهُدى.
أمة العلم والهُدى:
العلماءُ رُمَّانةُ الميزان ولسانُه، وأهلُ التوسُّط والاعتِدال، يُواجِهون الأفكارَ الضالَّة، ويُحارِبون الآراء الشاذَّة النادَّة، بسلاح العلم البتَّار، فهم حصنُ الأمة الحَصين، ورُكنُها القويُّ المتين، وهم صِمامُ الأمن والأمان، خاصَّةً وقتَ الفِتَن والمُدلهِمَّات، كما هو الحالُ في زمانِنا، الذي سادَت كثيرًا من أرجائِه أنقاضُ التناحُر والأرزاء، وأنكاثُ العصبيَّة الرَّعناء، والمساغِبِ والعناء، والحمَلات الحاقِدة الشعواء، مع قُصور الهِمَم عن أعالي القِمَم.
واستِهداف أصحاب هذه الحمَلات المسعُورة الشبابَ اليافِع يُلقِمُون عقولَهم الغضَّة النظريات الفاسِدة، والأفكار الطائِشَة، والآراء الهَزيلَة. وكم للفُهوم المُنحرِفة الجانِحَة بين المُسلمين من معرَّاتٍ وويلاتٍ، ألهَبَت فيهم روحَ الكراهيَة والصِّراعات، وأجَّجَت أُوارَ التعصُّب والنزاعات، عبرَ المجالِسِ والمُنتديات، والإعلام والفضائيات.
تقضِمُ بهبُوبِها الأصولَ والثوابِت، وتشرَخُ بشُبُوبِها معالِمَ الدين والملَّة الباسِقَة النوابِت. كيف وقد عظُمَت الفتنة بالوقيعَة بالعُلماء، وبثِّ الشائِعات المُغرِضة عنهم، لاسيَّما فيما يُعرفُ بالإعلام الجديد، ومواقع التواصُل الاجتماعيِّ.
إلا أن عُلماءَ الأمة يقِفُون لهذه الحمَلات بالمِرصاد، يكشِفُون زيفَها، ويُجحفِلُون أُوارَها، بالفهم الوثيق، والإدراك الدقيق للوحيَين الشريفَين، الذي يسمُو صاحبُه، وتجِلُّ مناقِبُه، وتنبُو عن الفَرَطات عواقِبُه.
وكم من عائِبٍ قولاً صحيحًا وآفتُه من الفهمِ السقيمِ
ولكن تأخُذُ الآذانُ منه**** على قدرِ القرائِحِ والعلومِ
ولله درُّ العلامة ابن القيِّم – رحمه الله -؛ حيث يقول: “العلمُ هادٍ، والحالُ الصحيحُ مُهتدٍ به، وهو ترِكَةُ الأنبياءُ وتراثُهم، وأهلُه عصَبَتُهم وورَّاثُهم”.
معاشر المسلمين:
وفي زمنِ الانفِتاحِ الإعلاميِّ العالميِّ، بفضائيات وتِقاناتِه، يلزَمُ العلماءَ بذلُ مزيد الجُهود لتحقيق أسمَى القُصود في تصحيح المفاهيم المدخُولة العَليلة، والآراء الجافِيَة الوَبيلة، وبيانُ المنهَج الحقِّ وآليَّاته في التلقِّي عن الله ورسولِه – صلى الله عليه وسلم -، وإدراكُ معاقِدِ مُرادِهما.
وأن تُجيَّش في سبيلِ ذلك كلُّ الطاقاتِ والإمكانات، من الدعاة الفُضلاء، ورِجال الإعلام وحمَلَة الأقلام، لمُؤازَرَة العُلماء في مهمَّتهم، مع ربطِ الأمة بفُهوم السلَف الأخيار؛ لأنهم – كما قال الإمام الشافعيُّ – رحمه الله -: “وآراؤُهم لنا أحمَدُ وأولَى لنا من آرائِنا عندنا لأنفُسِنا”.
أمة الإسلام:
وإنه لن تخطُو أمتُنا شطرَ العزَّة والمجد ورفيعِ الدرجات، ولن تنعتِقَ من ما هي فيه من الفِتَن والمُعتَكَرات وزَرِيِّ الاحتِرابات، إلا باتباع ذوِي الألبابِ الحَصيفَة السديدة، والعلماء ذوي النُّهَى المَكِينة الرَّشيدة، والذُّؤابَة من عُلماء الشريعة:
هُمُ المصابِيحُ الذين هُمُ كأنَّهم من نجومٍ حيَّةٍ صُنِعُوا
أخلاقُهُم عُقُولُهُمُ من أي ناحيةٍ أقبَلتَ تنظُرُ في ألبابِهم سطَعُوا
وحسبُ العالِمِ – يا عباد الله – أن تسلَمَ له عقيدتُه ودينُه، وحاشَا لله أن يتنازَلَ الراسِخون في العلمِ عن شيءٍ من ثوابِتِ دينِهم، أو أن يُرضُوا أحدًا من الناسِ كائِنًا من كان بما يُسخِطُ الله، أو أن تُختَطَفَ عقولُهم وفُهُومُهم إلى ما يُخالِفُ سُنَّة الحبيبِ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم -.
ولم أقضِ حقَّ العلمِ إن كلما بدَا طمعٌ صيَّرتُه ليَ سُلَّمَا
أأشقَى به غرسًا وأجنِيهِ ذِلَّةً إذًا فاتباعُ الجهلِ قد كان أحزَنَا
والدعوةُ مُوجَّهةٌ لعُلماء الشريعة، لعُلماء الأمة، للحِفاظ على هويَّة الأمة الإسلامية، ووحدتها ووسطيَّتها واعتِدالها، وتعاهُدها بالتفقيه والتوعية، وتصحيح المفاهِيم الخاطِئة، والتصدِّي للشُّبُهات المُضلِّلة، والدعوات المُغرِضة، وفوضَى تكفيرِ المُسلمين وتفسيقِهم، واستِحلال دمائِهم.
وتقويةِ التواصُل مع شبابِ الأمة لتعزيز نهجِ الوسطيَّة بينَهم، وتحذيرِهم من التفرُّقِ والتحزُّبِ والتعصُّبِ، والمذهبيَّة والطائِفيَّة، وتحقيقِ القُدوةِ الصالِحة لهم، والاجتِماع على القضايا الكليَّة، ومنظومةِ القِيَم الكُبرَى، والتحلِّي بأدبِ الخلافِ في مواضِعِه صونًا لمصالِح الأمة العُليا.
والدعوةُ أيضًا مُوجَّهةٌ إلى شبابِ الأمة: أن اعرِفُوا قدرَ علمائِكم، واعتصِمُوا بالكتاب والسنَّة وهديِ سلَف الأمة، واحذَرُوا تحريفَ الغالِين، وانتِحالَ المُبطِلين، وتأويل الجاهِلين.
وتمسَّكُوا بنَهجِ العُلماء الربَّانيين؛ فإنهم أعلمُ الناس بالمصالِح والمفاسِد، وتحقيق الخُيُرات والمراشِد، واجتنِبُوا موارِد الفُرقَة والنِّزاع، والاغتِرارِ بالشِّعارات البرَّاقة التي ترفعُها بعضُ التيارات والانتِماءات، دون أصلٍ شرعيٍّ من كتابٍ أو سُنَّة. وحذارِ ثم حذارِ أن تُعطُوا الفُرصةَ للمجاهِيل والمُتعالِمين وأنصافِ المُتعلِّمين في انتِزاع ثِقَتكم بعُلمائِكم الربانيِّين.
وإلى حمَلَة الأقلام، ورُوَّاد الإعلام: أن آزِرُوا العلماء، وتحرَّوا المِصداقيَّة والنقل الهادِف، ولا تكُونوا عونًا لأصحابِ الأفكار الضالَّة ببثِّ رسائِلِهم، ونشرِ أخبارِهم؛ بل أرسُوا القِيَم والأخلاقَ الإسلاميَّة العالِيَة، وعزِّزُوا الوحدةَ الدينية والوطنيَّة، ووظِّفُوا الإعلام في نشر الوعيِ بحُرمة الدماء، ومخاطِر الظُّلم، والتصدِّي لمُروِّجي الإشاعات، والفتاوى الشاذَّة، ودعاوَى الفتنة والطائفيَّة،وآفَة التطرُّف والإرهابِ بكافَّةِ أشكالِه وألوانِه، وتِبيانِ زَيفِه وكشفِ ضلالِ أتباعِه، وبيان خُطورتِه على حاضِر الأمة ومُستقبلِها.
والله المسؤولُ أن يُوفِّقَ الجميعَ لصادِقِ القول وصالِح العمل، ويُبلِّغَنا أزكَى الرجاءِ وأسنَى الأمل، ويُبارِكَ لنا في القُرآن والسنَّة، وينفعنا بما فيهما من الآياتِ والذكرِ والحِكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه كان حليمًا غفورًا.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسانَ ما لم يعلَم، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الأكرَم، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه رموزِ المعارِفِ والقِيَم، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله -، واحذَرُوا زورَ القول ودخَلَه، ومُنكَر الرأي وخطَلَه، واتَّبِعوا صالِحَ العمل ومُثُلَه؛ تُفلِحُوا وتفوزُوا، وللخيراتِ تحُوزُوا.
إخوة الإسلام:
وإنه ليَجدُرُ بأبناءِ الأمة أن يرعَوا للعُلماء حقَّهم، ويعرِفُوا لهم فضلَهم، ويرفَعُوا مكانتَهم، وذلك بمحبَّتهم ومُوالاتهم، واحتِرامهم وتقديرهم.
روى الإمام والحاكمُ من حديث عُبادَة بن الصامِت – رضي الله عنه -، أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «ليس منا من لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويرحَمَ صغيرَنا، ويعرِفَ لعالِمِنا حقَّه».
وقال الإمامُ الطحاويُّ – رحمه الله -: “وعُلماءُ السلَف من السابِقين ومن بعدَهم من التابعين أهلُ الخير والأثَر، وأهلُ الفقهِ والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجَميل، ومن ذكَرَهم بسُوءٍ فهو على غيرِ السَّبيل”.
ولقد كان العلماءُ أنفسُهم يعرِفُ بعضُهم قدرَ بعضٍ:
فها هو الإمامُ الشافعيُّ – رحمه الله – يقول عن الإمام أحمد – الذي يصغُرُه سنًّا -: “خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أحدًا أورعَ ولا أتقَى ولا أفقهَ من أحمد بن حنبل”.
وكان الإمامُ أحمدُ – رحمه الله – يقول عنه: “كان الشافعيُّ كالشمسِ للدنيا، وكالعافِية للناس؛ فهل لهين من خلَف؟! أو منهما عِوَض؟!”.
الله أكبر .. الله أكبر! ما أعظمَه من أدب، وما أجلَّه من حبٍّ واحتِرام.
ومما يُؤكَّد: عدمُ الطعن على العُلماء أو القَح فيهم، فإن ذلك من مسالِك أهل الضلال؛ لأن الطعنَ في العالِم ليس طعنًا في ذاتِه فحسب، بل هو طعنٌ في الشريعة والدين والعلمِ الذي يحمِلُه. كيف وهم المُوقِّعون عن ربِّ العالمين؟!
قال الحافظُ ابن عساكِر – رحمه الله -: “وعادةُ الله في هَتك أستارِ مُنتقِصِ العلماء معلومة”؛ لأن الوقيعَة فيهم بما هم منه براء أمرٌ عظيمٌ، والتناوُلَ لأعراضِهم بالزُّور والافتِراء مرتَعٌ وخيمٌ، ومن أوقعَ لِسانَه في العلماء بالثَّلب ابتلاهُ الله قبل موتِه بموتِ القلب.
ومن حقِّ أهلِ العلم: الرُّجوع إليهم، والصُّدور عنهم، خاصَّةً في النوازِل والمُستجِدَّات، وعند حُصول الفتن، ووضع الثِّقة بهم.
يقول الإمام الحسنُ البصريُّ – رحمه الله -: “الفتنةُ إذا أقبَلَت عرفَها كلُّ عالِمٍ، وإذا أدبَرَت عرَفَها كلُّ جاهِلٍ”.
فهم أهلُ الدِّراية، لاسيَّما عندما تشتبِهُ الأمور، وتلتَبِسُ الحقائِقُ، ويكثُرُ التشويشُ والخَلط، حينئذٍ تُعطَى القوسُ بارِيها؛ ليقولَ أهلُ العلم قولتَهم، والناسُ لهم تبَع.
ومما ينبغِي: التِماسُ الأعذارِ لهم، والأصلُ عند علماء الإسلام التِماسُ العُذر لعامَّة الناس. فكيف بعُلمائِهم؟!
كما يجبُ الحذرُ من تتبُّع الزلاَّت، وتلمُّس السَّقَطات، وإبداءِ السَّوءات، والنفخِ في الهِنات. فالعالِمُ بشرٌ غير معصوم.
قال بعضُ السلَف: “المؤمنُ يلتمِسُ المعاذِير، والمُنافِقُ يطلُبُ الزلاَّت”.
والخلافُ بين العلماء يُطوَى فلا يُروَى.
فكيف بأولياء الله الذين إذا رُؤُوا ذُكِر الله؟! فهم عصمةٌ للأمة من الضلال، وهم سفينةُ نوح، من تخلَّف عنها – لاسيَّما في زمنِ الفِتَن – كان من المُغرَقين. فكم من قتيلٍ لإبليسَ قد أحيَوه؟! وكم من ضالٍّ تائِهٍ قد هدَوه؟! فما أحسنَ أثرَهم على الناس، وما أقبَحَ أثر الناس عليهم. والله المستعان.
ألا فاتقوا الله – عباد الله -، واعرِفُوا للعُلماء حقَّهم وقدرَهم ومكانتَهم.
واتَّقوا الله أيها العلماء بأداء ما ائتُمِنتُم عليه من البلاغ والبيان؛ تتحقَّق لكم السعادةُ في الدنيا، والفوزُ والفلاحُ في الآخرة.
وإن من فضلِ الله علينا في هذه البلاد المُبارَكة: ما منَّ به – سبحانه – من قيادةٍ حكيمةٍ مُوفَّقة، حفِيَّةٍ بأهل العلمِ وحمَلَته. وكم ابتَهَجَت النفوسُ غِبطةً وسُرورًا، واستِبشارًا وحُبورًا بمضامِين الخطاب التأريخيِّ المُسدَّد لوليِّ أمرنا خادمِ الحرمين الشريفين – حفظه الله وأدامَ توفيقَه -، وما أكَّده من التمسُّك بالعقيدة، وتحكيم الشريعة، والعملِ على تحقيق الوحدة الإسلاميَّة، ونبذِ أسباب التفرُّق والاختِلاف، ونُصرة قضايا الإسلام والمُسلمين.
جعلَه الله في موازين أعمالِه الصالِحة، وزادَه خيرًا وتوفيقًا وهُدًى.
هذا وصلُّوا وسلِّموا – رحمكم الله – على من أتَى بأنفع العلم والتبيان، على مرِّ الدُّهور والأزمان: المُصطفى من ولدِ عدنان، كما أمرَكم المولَى في مُحكَم القرآن، فقال تعالى قولاً كريمًا عظيمَ البُرهان: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
وقال – صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فصلِّ يا ربِّ على المُبارَكِ محمدٍ وآلهِ وبارِكِ
وصحبِه والتابعين النُّبَلا ومن قفَا آثارَهم ووصَلا
وارضَ اللهم عن الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتِك يا أرحمَ الراحِمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالِحةَ التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائبَيه وأعوانَه وإخوانَه إلى ما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين، وإلى ما فيه الخيرُ للبلاد والعباد.
اللهم وفِّق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعِك، واتباعِ سُنَّة نبيِّك – صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعَلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.
اللهم اغفِر للمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبِهم، واهدِهم سُبُل السلام، وجنِّبهم الفواحِشَ والفتن ما ظهَر منها وما بطَن.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المسلمين، برحمتِك يا أرحم الراحمين. اللهم أنقِذ المسجِد الأقصَى من براثِن اليهود المُعتَدين المُحتلِّين، اللهم اجعله شامِخًا عزيزًا إلى يوم الدين. اللهم انصُر إخواننا في فلسطين، اللهم اجمَع كلمةَ إخواننا في العراق وفي كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في اليمَن، اللهم وفِّقهم لمن يحكُمُهم بكتابِك وسُنَّة نبيِّك – صلى الله عليه وسلم – يا رب العالمين، اللهم كُن لإخواننا في بلاد الشام، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وأصلِح أحوالَهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم كُن لإخواننا في بُورما وأفريقيا الوسطَى، وفي كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام.
يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، برحمتِك نستغيث، فلا تكِلنا إلى أنفُسنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201]، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23]، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10].
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالِدِينا ووالدِيهم وجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.
سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
المصدر: مدونة التعليم توزيع وتحضير المواد الدراسية – من قسم: مدونة الشريعة الإسلامية
منقوووول
.