الغانم استقبل إمام الحرم المكي

الغانم استقبل إمام الحرم المكي
خليجيةكونا – استقبل رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في مكتبه أمس امام وخطيب المسجد الحرام في مكة المكرمة عضو هيئة كبار العلماء الرئيس السابق لمجلس الشورى السعودي المستشار بالديوان الملكي الدكتور صالح بن حميد.

حضر اللقاء كل من النواب حمود الحمدان والدكتور عبدالرحمن الجيران وجمال العمر ومبارك الحريص والأمين العام لمجلس الأمة علام الكندري.

واستقبل الغانم في مكتبه، أمس، سفير الكويت لدى نيوزيلندا أحمد رزوقي.

خطبة الحرم المكي 22/ 5 / 1445هـ الشيخ السديس

خطبة الحرم المكي 22/ 5 / 1436هـ (مكانة العلماء وواجباتهم) الشيخ السديس

خطبة الحرم المكي 22/ 5 / 1445هـ (مكانة العلماء وواجباتهم) الشيخ السديس

بسم الله الرحمن الرحيم

مكانة العلماء وواجباتهم

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: "مكانة العلماء وواجباتهم"، والتي تحدَّث فيها عن العلماء وفضلهم ومكانتهم في الأمة، وما يجبُ على المُسلمين نحوَهم، كما وجَّه الدعوات إلى العلماء بضرورة القيام بواجبهم في البلاغ والبيان، مُنبِّهًا الشبابَ إلى النَّهل من العلماء والاعتصام بالوحيَين بفهم سلَف الأمة؛ ففي ذلك النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.

https://www.youtube.com/watch?v=WrtfDljFodE

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، أحمدُه – سبحانه – فاوَتَ بين العباد وفضَّل بعضَهم على بعضٍ في المعاشِ والمعاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نوَّر بالعلم القلوب، ودفعَ بالعلماء الخُطوب، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه صاحبُ الفضلِ المرغوب، والهديِ الأخيَر المطلوب، اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابِه، والتابِعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلِّم يا رب تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فيا عباد الله:

أُوصِيكم ونفسي وصيَّةً مُضمَّخةً بعَبَقِ الإيمان، تلكم هي الوصيَّةُ بتقوَى الواحِدِ الديَّان، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119].
من يتَّقِ الله يجعل عُسرَه يُسرًا ويُعظِمِ اللهُ بالتقوَى له أجرًا

أيها المسلمون:
من معاقِدِ القول المُؤكَّدة، وعزائِمِه المُقرَّرة المُوتَّدة: أن مِنَنَ الباري – سبحانه – على عبادِه عظيمةٌ مُترادِفة، هتَّانةٌ مُتوافِدة.
ومن أجلِّ نعَم الله على عبادِه: أن أرسلَ فيهم رسولاً من أنفسهم، يتلُو عليهم آياته ويُزكِّيهم ويُعلِّمُهم الكتابَ والحكمة. فقام – صلى الله عليه وسلم – برسالته خيرَ قيام، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصحَ الأمة.
وقد حملَ مِشعلَ الهداية بعدَه أهلُ العلم على ميراثِ الرسالة، ومنهاجِ النبُوَّة بالبلاغ والبيان؛ فهم في الأمة أنوار الهُدى، ومصابيحُ الدُّجَى، وزوامِلُ الإسلام، وحُرَّاسُ الدين، وحُماة العقيدة، يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11].

أيها المؤمنون:
لقد خصَّ الله أهلَ العلم بالتكريمِ والتشريفِ، والمقامِ العليِّ المُنيف؛ فالعالِم في الأمة بدرُها السارِي، وسَلسَالُها العذبُ الجارِي، لاسيَّما أئمةُ الدين وعلماءُ الشريعة. ومهما دُبِّجَت النُّعوتُ في فضائلِهم فلن تُوفِّيَهم حقَّهم، كيف وقد قال نبيُّ الهُدى – صلى الله عليه وسلم -: «إن الله وملائكتَه وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جُحرها، وحتى الحُوتَ، ليُصلُّون على مُعلِّم الناس الخير»؛ أخرجه الترمذي بسندٍ صحيحٍ.
وصحَّ عند أحمد في “المسند” من حديث أنسٍ – رضي الله عنه -، أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إنما مثَلُ العلماء كمثَلِ النُّجوم يُهتَدَى بها في ظُلمات البرِّ والبحر».
فإذا انطمَسَت النجوم أوشكَ أن تضِلَّ الهُداة!
قال الإمام أبو بكرٍ الآجُريُّ – رحمه الله -: “فما ظنُّكم بطريقٍ فيه آفاتٌ كثيرة، ويحتاجُ الناسُ إلى سُلوكِه في ليلةٍ ظَلماء، فقيَّضَ الله له فيه مصابيحَ تُضِيءُ لهم، فسلَكُوه على السلامة والعافية، ثم جاءَت فِئامٌ من الناس لا بُدَّ لهم من السلوك فيه فسلَكُوا، فبينما هم كذلك إذ طُفِئَت المصابيح، فبَقُوا في الظُّلمة. فما ظنُّكم بهم؟! فهكذا العُلماءُ في الناس”.
تستغفِرُ الحِيتانُ في أبحارِها للسالِكين مدارِجَ العُلماءِ
فهم النجومُ مقامُهُم كبِدُ السماء وحُظوظُهم في الليلة القَمرَاءِ
فمن ابتغَى من غيرِ هذا نهجَه فلقد أضلَّ وضلَّ في البَيْدَاءِ

معاشر المؤمنين:
ومسؤوليةُ العلماء في الأمة عظيمة، ومهمَّتُهم جسيمة، وأوجبُ الواجِبات عليهم: بيانُ صحيح الدين، كما أُنزِلَ على سيِّد المُرسَلين – عليه الصلاة والسلام -، وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187].
فلو لم يقُم العلماءُ بواجِبِهم في البلاغِ والبيانِ لبقِيَ الناسُ حيارَى يتيهُون في ظُلمات الجهل، ودياجِير الضلال، لذا قال – صلى الله عليه وسلم -: «من سُئِل عن علمٍ فكتمَه أُلجِمَ يوم القيامة بلِجامٍ من نار»؛ رواه الترمذي، وقال: “حديثٌ حسن”.

وكان أبو هريرة – رضي الله عنه – يقول: “لولا آيةٌ من كتابِ الله ما حدَّثتُكم، ثم يتلُو: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة: 159]”.
ولا يقتصِرُ عملُهم على البيانِ فحسب؛ بل يعظُمُ دورُهم، وينبُلُ قدرُهم بمحارَبَة البدَع والضلالات، والمُنكرَات والمُحدثَات، ليَميزَ الله بهم الخبيثَ من الطيبِ، والحقَّ من الباطِل، والصحيحَ من الزائِف. فأسمَى مقاصِدِهم: إبرازُ الرؤية الإسلامية لكافَّة القضايا التأصيليَّة، والمُستجِدَّات العصريَّة، فيُحيُون بكتابِ الله الموتَى، ويُبصِّرون به أهلَ العمَى، ويهدُون من ضلَّ إلى الهُدى.

أمة العلم والهُدى:
العلماءُ رُمَّانةُ الميزان ولسانُه، وأهلُ التوسُّط والاعتِدال، يُواجِهون الأفكارَ الضالَّة، ويُحارِبون الآراء الشاذَّة النادَّة، بسلاح العلم البتَّار، فهم حصنُ الأمة الحَصين، ورُكنُها القويُّ المتين، وهم صِمامُ الأمن والأمان، خاصَّةً وقتَ الفِتَن والمُدلهِمَّات، كما هو الحالُ في زمانِنا، الذي سادَت كثيرًا من أرجائِه أنقاضُ التناحُر والأرزاء، وأنكاثُ العصبيَّة الرَّعناء، والمساغِبِ والعناء، والحمَلات الحاقِدة الشعواء، مع قُصور الهِمَم عن أعالي القِمَم.
واستِهداف أصحاب هذه الحمَلات المسعُورة الشبابَ اليافِع يُلقِمُون عقولَهم الغضَّة النظريات الفاسِدة، والأفكار الطائِشَة، والآراء الهَزيلَة. وكم للفُهوم المُنحرِفة الجانِحَة بين المُسلمين من معرَّاتٍ وويلاتٍ، ألهَبَت فيهم روحَ الكراهيَة والصِّراعات، وأجَّجَت أُوارَ التعصُّب والنزاعات، عبرَ المجالِسِ والمُنتديات، والإعلام والفضائيات.

تقضِمُ بهبُوبِها الأصولَ والثوابِت، وتشرَخُ بشُبُوبِها معالِمَ الدين والملَّة الباسِقَة النوابِت. كيف وقد عظُمَت الفتنة بالوقيعَة بالعُلماء، وبثِّ الشائِعات المُغرِضة عنهم، لاسيَّما فيما يُعرفُ بالإعلام الجديد، ومواقع التواصُل الاجتماعيِّ.
إلا أن عُلماءَ الأمة يقِفُون لهذه الحمَلات بالمِرصاد، يكشِفُون زيفَها، ويُجحفِلُون أُوارَها، بالفهم الوثيق، والإدراك الدقيق للوحيَين الشريفَين، الذي يسمُو صاحبُه، وتجِلُّ مناقِبُه، وتنبُو عن الفَرَطات عواقِبُه.
وكم من عائِبٍ قولاً صحيحًا وآفتُه من الفهمِ السقيمِ
ولكن تأخُذُ الآذانُ منه**** على قدرِ القرائِحِ والعلومِ
ولله درُّ العلامة ابن القيِّم – رحمه الله -؛ حيث يقول: “العلمُ هادٍ، والحالُ الصحيحُ مُهتدٍ به، وهو ترِكَةُ الأنبياءُ وتراثُهم، وأهلُه عصَبَتُهم وورَّاثُهم”.

معاشر المسلمين:
وفي زمنِ الانفِتاحِ الإعلاميِّ العالميِّ، بفضائيات وتِقاناتِه، يلزَمُ العلماءَ بذلُ مزيد الجُهود لتحقيق أسمَى القُصود في تصحيح المفاهيم المدخُولة العَليلة، والآراء الجافِيَة الوَبيلة، وبيانُ المنهَج الحقِّ وآليَّاته في التلقِّي عن الله ورسولِه – صلى الله عليه وسلم -، وإدراكُ معاقِدِ مُرادِهما.
وأن تُجيَّش في سبيلِ ذلك كلُّ الطاقاتِ والإمكانات، من الدعاة الفُضلاء، ورِجال الإعلام وحمَلَة الأقلام، لمُؤازَرَة العُلماء في مهمَّتهم، مع ربطِ الأمة بفُهوم السلَف الأخيار؛ لأنهم – كما قال الإمام الشافعيُّ – رحمه الله -: “وآراؤُهم لنا أحمَدُ وأولَى لنا من آرائِنا عندنا لأنفُسِنا”.

أمة الإسلام:
وإنه لن تخطُو أمتُنا شطرَ العزَّة والمجد ورفيعِ الدرجات، ولن تنعتِقَ من ما هي فيه من الفِتَن والمُعتَكَرات وزَرِيِّ الاحتِرابات، إلا باتباع ذوِي الألبابِ الحَصيفَة السديدة، والعلماء ذوي النُّهَى المَكِينة الرَّشيدة، والذُّؤابَة من عُلماء الشريعة:
هُمُ المصابِيحُ الذين هُمُ كأنَّهم من نجومٍ حيَّةٍ صُنِعُوا
أخلاقُهُم عُقُولُهُمُ من أي ناحيةٍ أقبَلتَ تنظُرُ في ألبابِهم سطَعُوا

وحسبُ العالِمِ – يا عباد الله – أن تسلَمَ له عقيدتُه ودينُه، وحاشَا لله أن يتنازَلَ الراسِخون في العلمِ عن شيءٍ من ثوابِتِ دينِهم، أو أن يُرضُوا أحدًا من الناسِ كائِنًا من كان بما يُسخِطُ الله، أو أن تُختَطَفَ عقولُهم وفُهُومُهم إلى ما يُخالِفُ سُنَّة الحبيبِ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم -.
ولم أقضِ حقَّ العلمِ إن كلما بدَا طمعٌ صيَّرتُه ليَ سُلَّمَا
أأشقَى به غرسًا وأجنِيهِ ذِلَّةً إذًا فاتباعُ الجهلِ قد كان أحزَنَا

والدعوةُ مُوجَّهةٌ لعُلماء الشريعة، لعُلماء الأمة، للحِفاظ على هويَّة الأمة الإسلامية، ووحدتها ووسطيَّتها واعتِدالها، وتعاهُدها بالتفقيه والتوعية، وتصحيح المفاهِيم الخاطِئة، والتصدِّي للشُّبُهات المُضلِّلة، والدعوات المُغرِضة، وفوضَى تكفيرِ المُسلمين وتفسيقِهم، واستِحلال دمائِهم.

وتقويةِ التواصُل مع شبابِ الأمة لتعزيز نهجِ الوسطيَّة بينَهم، وتحذيرِهم من التفرُّقِ والتحزُّبِ والتعصُّبِ، والمذهبيَّة والطائِفيَّة، وتحقيقِ القُدوةِ الصالِحة لهم، والاجتِماع على القضايا الكليَّة، ومنظومةِ القِيَم الكُبرَى، والتحلِّي بأدبِ الخلافِ في مواضِعِه صونًا لمصالِح الأمة العُليا.
والدعوةُ أيضًا مُوجَّهةٌ إلى شبابِ الأمة: أن اعرِفُوا قدرَ علمائِكم، واعتصِمُوا بالكتاب والسنَّة وهديِ سلَف الأمة، واحذَرُوا تحريفَ الغالِين، وانتِحالَ المُبطِلين، وتأويل الجاهِلين.
وتمسَّكُوا بنَهجِ العُلماء الربَّانيين؛ فإنهم أعلمُ الناس بالمصالِح والمفاسِد، وتحقيق الخُيُرات والمراشِد، واجتنِبُوا موارِد الفُرقَة والنِّزاع، والاغتِرارِ بالشِّعارات البرَّاقة التي ترفعُها بعضُ التيارات والانتِماءات، دون أصلٍ شرعيٍّ من كتابٍ أو سُنَّة. وحذارِ ثم حذارِ أن تُعطُوا الفُرصةَ للمجاهِيل والمُتعالِمين وأنصافِ المُتعلِّمين في انتِزاع ثِقَتكم بعُلمائِكم الربانيِّين.

وإلى حمَلَة الأقلام، ورُوَّاد الإعلام: أن آزِرُوا العلماء، وتحرَّوا المِصداقيَّة والنقل الهادِف، ولا تكُونوا عونًا لأصحابِ الأفكار الضالَّة ببثِّ رسائِلِهم، ونشرِ أخبارِهم؛ بل أرسُوا القِيَم والأخلاقَ الإسلاميَّة العالِيَة، وعزِّزُوا الوحدةَ الدينية والوطنيَّة، ووظِّفُوا الإعلام في نشر الوعيِ بحُرمة الدماء، ومخاطِر الظُّلم، والتصدِّي لمُروِّجي الإشاعات، والفتاوى الشاذَّة، ودعاوَى الفتنة والطائفيَّة،وآفَة التطرُّف والإرهابِ بكافَّةِ أشكالِه وألوانِه، وتِبيانِ زَيفِه وكشفِ ضلالِ أتباعِه، وبيان خُطورتِه على حاضِر الأمة ومُستقبلِها.

والله المسؤولُ أن يُوفِّقَ الجميعَ لصادِقِ القول وصالِح العمل، ويُبلِّغَنا أزكَى الرجاءِ وأسنَى الأمل، ويُبارِكَ لنا في القُرآن والسنَّة، وينفعنا بما فيهما من الآياتِ والذكرِ والحِكمة، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه كان حليمًا غفورًا.

الخطبة الثانية

الحمدُ لله الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسانَ ما لم يعلَم، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الأكرَم، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه رموزِ المعارِفِ والقِيَم، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله -، واحذَرُوا زورَ القول ودخَلَه، ومُنكَر الرأي وخطَلَه، واتَّبِعوا صالِحَ العمل ومُثُلَه؛ تُفلِحُوا وتفوزُوا، وللخيراتِ تحُوزُوا.

إخوة الإسلام:
وإنه ليَجدُرُ بأبناءِ الأمة أن يرعَوا للعُلماء حقَّهم، ويعرِفُوا لهم فضلَهم، ويرفَعُوا مكانتَهم، وذلك بمحبَّتهم ومُوالاتهم، واحتِرامهم وتقديرهم.
روى الإمام والحاكمُ من حديث عُبادَة بن الصامِت – رضي الله عنه -، أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «ليس منا من لم يُجِلَّ كبيرَنا، ويرحَمَ صغيرَنا، ويعرِفَ لعالِمِنا حقَّه».
وقال الإمامُ الطحاويُّ – رحمه الله -: “وعُلماءُ السلَف من السابِقين ومن بعدَهم من التابعين أهلُ الخير والأثَر، وأهلُ الفقهِ والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجَميل، ومن ذكَرَهم بسُوءٍ فهو على غيرِ السَّبيل”.
ولقد كان العلماءُ أنفسُهم يعرِفُ بعضُهم قدرَ بعضٍ:
فها هو الإمامُ الشافعيُّ – رحمه الله – يقول عن الإمام أحمد – الذي يصغُرُه سنًّا -: “خرجتُ من بغداد وما خلَّفتُ بها أحدًا أورعَ ولا أتقَى ولا أفقهَ من أحمد بن حنبل”.
وكان الإمامُ أحمدُ – رحمه الله – يقول عنه: “كان الشافعيُّ كالشمسِ للدنيا، وكالعافِية للناس؛ فهل لهين من خلَف؟! أو منهما عِوَض؟!”.
الله أكبر .. الله أكبر! ما أعظمَه من أدب، وما أجلَّه من حبٍّ واحتِرام.

ومما يُؤكَّد: عدمُ الطعن على العُلماء أو القَح فيهم، فإن ذلك من مسالِك أهل الضلال؛ لأن الطعنَ في العالِم ليس طعنًا في ذاتِه فحسب، بل هو طعنٌ في الشريعة والدين والعلمِ الذي يحمِلُه. كيف وهم المُوقِّعون عن ربِّ العالمين؟!
قال الحافظُ ابن عساكِر – رحمه الله -: “وعادةُ الله في هَتك أستارِ مُنتقِصِ العلماء معلومة”؛ لأن الوقيعَة فيهم بما هم منه براء أمرٌ عظيمٌ، والتناوُلَ لأعراضِهم بالزُّور والافتِراء مرتَعٌ وخيمٌ، ومن أوقعَ لِسانَه في العلماء بالثَّلب ابتلاهُ الله قبل موتِه بموتِ القلب.
ومن حقِّ أهلِ العلم: الرُّجوع إليهم، والصُّدور عنهم، خاصَّةً في النوازِل والمُستجِدَّات، وعند حُصول الفتن، ووضع الثِّقة بهم.

يقول الإمام الحسنُ البصريُّ – رحمه الله -: “الفتنةُ إذا أقبَلَت عرفَها كلُّ عالِمٍ، وإذا أدبَرَت عرَفَها كلُّ جاهِلٍ”.
فهم أهلُ الدِّراية، لاسيَّما عندما تشتبِهُ الأمور، وتلتَبِسُ الحقائِقُ، ويكثُرُ التشويشُ والخَلط، حينئذٍ تُعطَى القوسُ بارِيها؛ ليقولَ أهلُ العلم قولتَهم، والناسُ لهم تبَع.
ومما ينبغِي: التِماسُ الأعذارِ لهم، والأصلُ عند علماء الإسلام التِماسُ العُذر لعامَّة الناس. فكيف بعُلمائِهم؟!
كما يجبُ الحذرُ من تتبُّع الزلاَّت، وتلمُّس السَّقَطات، وإبداءِ السَّوءات، والنفخِ في الهِنات. فالعالِمُ بشرٌ غير معصوم.

قال بعضُ السلَف: “المؤمنُ يلتمِسُ المعاذِير، والمُنافِقُ يطلُبُ الزلاَّت”.
والخلافُ بين العلماء يُطوَى فلا يُروَى.

فكيف بأولياء الله الذين إذا رُؤُوا ذُكِر الله؟! فهم عصمةٌ للأمة من الضلال، وهم سفينةُ نوح، من تخلَّف عنها – لاسيَّما في زمنِ الفِتَن – كان من المُغرَقين. فكم من قتيلٍ لإبليسَ قد أحيَوه؟! وكم من ضالٍّ تائِهٍ قد هدَوه؟! فما أحسنَ أثرَهم على الناس، وما أقبَحَ أثر الناس عليهم. والله المستعان.
ألا فاتقوا الله – عباد الله -، واعرِفُوا للعُلماء حقَّهم وقدرَهم ومكانتَهم.
واتَّقوا الله أيها العلماء بأداء ما ائتُمِنتُم عليه من البلاغ والبيان؛ تتحقَّق لكم السعادةُ في الدنيا، والفوزُ والفلاحُ في الآخرة.

وإن من فضلِ الله علينا في هذه البلاد المُبارَكة: ما منَّ به – سبحانه – من قيادةٍ حكيمةٍ مُوفَّقة، حفِيَّةٍ بأهل العلمِ وحمَلَته. وكم ابتَهَجَت النفوسُ غِبطةً وسُرورًا، واستِبشارًا وحُبورًا بمضامِين الخطاب التأريخيِّ المُسدَّد لوليِّ أمرنا خادمِ الحرمين الشريفين – حفظه الله وأدامَ توفيقَه -، وما أكَّده من التمسُّك بالعقيدة، وتحكيم الشريعة، والعملِ على تحقيق الوحدة الإسلاميَّة، ونبذِ أسباب التفرُّق والاختِلاف، ونُصرة قضايا الإسلام والمُسلمين.

جعلَه الله في موازين أعمالِه الصالِحة، وزادَه خيرًا وتوفيقًا وهُدًى.
هذا وصلُّوا وسلِّموا – رحمكم الله – على من أتَى بأنفع العلم والتبيان، على مرِّ الدُّهور والأزمان: المُصطفى من ولدِ عدنان، كما أمرَكم المولَى في مُحكَم القرآن، فقال تعالى قولاً كريمًا عظيمَ البُرهان: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
وقال – صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».

فصلِّ يا ربِّ على المُبارَكِ محمدٍ وآلهِ وبارِكِ
وصحبِه والتابعين النُّبَلا ومن قفَا آثارَهم ووصَلا

وارضَ اللهم عن الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتِك يا أرحمَ الراحِمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالِحةَ التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائبَيه وأعوانَه وإخوانَه إلى ما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين، وإلى ما فيه الخيرُ للبلاد والعباد.
اللهم وفِّق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعِك، واتباعِ سُنَّة نبيِّك – صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعَلهم رحمةً على عبادِك المُؤمنين.
اللهم اغفِر للمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبِهم، واهدِهم سُبُل السلام، وجنِّبهم الفواحِشَ والفتن ما ظهَر منها وما بطَن.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المسلمين، برحمتِك يا أرحم الراحمين. اللهم أنقِذ المسجِد الأقصَى من براثِن اليهود المُعتَدين المُحتلِّين، اللهم اجعله شامِخًا عزيزًا إلى يوم الدين. اللهم انصُر إخواننا في فلسطين، اللهم اجمَع كلمةَ إخواننا في العراق وفي كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في اليمَن، اللهم وفِّقهم لمن يحكُمُهم بكتابِك وسُنَّة نبيِّك – صلى الله عليه وسلم – يا رب العالمين، اللهم كُن لإخواننا في بلاد الشام، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وأصلِح أحوالَهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم كُن لإخواننا في بُورما وأفريقيا الوسطَى، وفي كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام.
يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، برحمتِك نستغيث، فلا تكِلنا إلى أنفُسنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201]، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23]، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10].

ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالِدِينا ووالدِيهم وجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.
سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.

المصدر: مدونة التعليم توزيع وتحضير المواد الدراسية – من قسم: مدونة الشريعة الإسلامية

منقوووول

.

نادين البدير / «الإخوان» . حتى في الحرم المكي

إمام الحرم المكي يظهر التباين في الحضارة المعاصرة من خلال «التفاحة»

إمام الحرم المكي يظهر التباين في الحضارة المعاصرة من خلال «التفاحة»

نظم الشيخ سعود الشريم، إمام الحرم المكي، أبياتاً، عبر فيها عن التباين في الحضارة المعاصرة في النظرة للأمور، مستدلاً على ذلك بـ"التفاحة"، التي وصل من خلالها العالم "نيوتن" إلى الإبداع والإتقان، بينما لا تزال "التفاحة" عندنا مجرد نكهة "شيشة".وقال الشريم عبر حسابه في موقع التواصل

صور حريق مشروع توسعة الحرم المكي الشريف

صور حريق مشروع توسعة الحرم المكي الشريف
اخبار السعوديه اخبار عاجله 2024

2014, صور, حريق, مشروع, توسعة, الحرم, المكي, الشريف

صور حريق مشروع توسعة الحرم المكي الشريف

خليجية
صور حريق الحرم, صور حريق مكة, صور حريق التوسعة 2024

الجمعة, 3 القعدة 1445 هـ – 29 اغسطس 2024
نجحت فرق الدفاع المدني من إخماد حريق ضخم اندلع بعد ظهر اليوم الجمعة في إحدى مشاريع توسعة الحرم المكي، نتج عنه إصابة ستة أشخاص.

وقال الناطق الإعلامي بمديرية الدفاع المدني بمنطقة مكة المكرمة العقيد سعيد سرحان في بيان صحافي " أنه ورد لغرفة عمليات الدفاع المدني بالعاصمة المقدسة في تمام الساعة 13:52من بعد ظهر اليوم الجمعة بلاغ عن حادث حريق بمشروع توسعة الحرم المكي الشريف".

وأضاف " تم على الفور تحريك فرق الإطفاء والإنقاذ تدعمها صهاريج المياه وسيارتي السنوركل والسلالم مع تمرير البلاغ للجهات المعنية ، ومع وصول الفرق لموقع الحادث اتضح ان الحريق نشب في شدات خشبية محمولة على سقالات معدنية تابعه لمبنى خدمات تحت الإنشاء يقع ضمن امتداد مشروع الطريق الدائري الأول الواقع بمنطقة الغزه والمكون من ثلاثة ادوار ، كان الاشتعال في الشدات الخشبية لسقف الدور الثالث ضمن أبعاد تقدر بحوالي 60 * 80 م عملت فرق الإنقاذ على إخلاء منطقة الحادث بينما عمدت فرق الإطفاء على مكافحة الحريق من ثلاث اتجاهات الشمالية والغربية والشرقية عن طريق الفروع مستخدمة مادة الرغاوي كما استخدمت سيارة السلالم في عمليات الإطفاء".

وأضاف " ومع عمليات الإطفاء ولطبيعة المادة المحترقة تزايد ارتفاع سحب الدخان في المنطقة، نتج عن الحادث ست إصابات تم إسعافهم ونقلهم عن طريق الهلال الأحمر وإسعاف الدفاع المدني إلى المستشفى ".

صور: الكشف عن حقيقة احتضان رجل لامرأة داخل الحرم المكي

صور: الكشف عن حقيقة احتضان رجل لامرأة داخل الحرم المكي
اخبار السعوديه اخبار عاجله 2024

صور: الكشف عن حقيقة احتضان رجل لامرأة داخل الحرم المكي

خليجية
صور: الكشف عن حقيقة احتضان رجل لامرأة داخل الحرم المكي

2014-06-22
تناقل ناشطون على الإنترنت، الأحد (22 يونيو 2024)، صورة جديدة تظهر السبب الحقيقي لقيام رجل باحتضان امرأة داخل الحرم المكي، بعد تداول صورة سابقة فهمت بالخطأ.
وكان مغردو موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” تناقلوا صورة لرجل يحضن امرأة أثناء الطواف بالحرم المكي، مما أثار الغضب في نفوس الكثيرين منهم منتقدين المشهد بشدة لما فيه من “إساءة لمكانة الكعبة المشرفة والشعائر الإسلامية”.
وعاتب الشخص الذي نشر الصورة المغردين الذين هاجموا الرجل قبل التأكد من صحة الصورة ذاكرا لهم الآية الكريمة:” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”.
وأكد ناشر الصورة وفقا لصحيفة عاجل أن الرجل من ذوي الاحتياجات الخاصة ويعاني من بتر في قدمه اليمنى، وأعاد نشر الصورة بشكل أكبر، تكشف بشكل واضح أنه يقف على قدم واحدة

خطبة الحرم المكي 7 / 6م 1445هـ الشيخ أسامة خياط

خطبة الحرم المكي 7 / 6م 1436هـ (إجابة نداء اليمن) الشيخ أسامة خياط

خطبة الحرم المكي 7 / 6م 1445هـ (إجابة نداء اليمن) الشيخ أسامة خياط

بسم الله الرحمن الرحيم

إجابة نداء اليمن

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: "إجابة نداء اليمن"، والتي تحدَّث فيها عن نعمة الأخوة في الدين، مُتمثِّلةً في تلبية نداء المسلمين لإخوانهم في اليمن، مما يدلُّ على أن الذي يجمعُ المسلمين هو الاعتِصامُ بكتابِ الله وسنَّة نبيِّه – صلى الله عليه وسلم -، مُشيدًا بمُبادَرة حُكَّام المسلمين في الدفاع عن المسلمين وبلادهم.

https://www.youtube.com/watch?v=5D5e_Q07dwM

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أكرمَ الأمةَ بدينِ الإسلام، أحمدُه – سبحانه – وأشكرُه على آلائِه الجَليلة ونِعَمه العِظام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولا نِدَّ ولا مثيلَ له في الأنام، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه وخيرتُه من خلقِه الذي شهِدَت على صدقِ نبوَّته الدلائِلُ والأعلام، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه صلاةً وسلامًا دائمَين ما تعاقَبَت الليالي والأيام.

أما بعد: فاتقوا الله – عباد الله -؛ فإن التقوَى وصيَّةُ الله للأولين والآخرين، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].

واذكُرُوا أنه خلقَكم لعبادتِه وحدَه دون سِواه، فأخلِصُوا له الدين، وأحسِنُوا العمل؛ فالسعيدُ من أخلصَ دينَه لله، وتابعَ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – حتى أتاه أمرُ الله.

أيها المسلمون:

لئن تتابَعَت النِّعَمُ وترادَفَت المِنَن، وتكاثَرَت الآلاء، فكانت غيثًا مِدرارًا لا ينقطِعُ هُطُولُه، وفيضًا غامِرًا لا يتوقَّفُ تدفُّقُه عطاءً كريمًا من ربِّنا الكريم، وتفضُّلاً منه على عبادِه؛ فإن من نعمِ الله العظيمة، وآلائِه الجَليلة: نعمةَ الأُخوَّة في الدين. تلك الأُخوَّة التي أخبرَ عنها – سبحانه – بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].

وجعلَها رابِطةً أساسُها العقيدة، وعِمادُها الإيمان؛ إذ الإيمانُ قوةٌ جاذِبةٌ تبعَثُ أهلَها على التقارُب والتعاطُف والتوادِّ، ولا تنافُر بين قلوبٍ اجتمَعَت على إيمانٍ بالله، وعمَرَها حبٌّ شديدٌ لله ولرسولِ الله – صلى الله عليه وسلم -.

إنه التآلُفُ الذي أشارَ إليه – عزَّ اسمُه – بقولِه: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 63].
والذي صوَّر رسولُ الهُدى – صلوات الله وسلامُه عليه – واقشعَه في هذا المثلِ النبويِّ المُشرِقِ فقال: «مثلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم كمثَل الجسَد، إذا اشتَكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسَّهَر والحُمَّى»؛ (أخرجه مسلمٌ في الصحيح).

ذلك أن الله تعالى – كما قال بعضُ أهل العلم – قد وثَّق صِلات المُسلمين خاصَّةً بلُحمةٍ أقوَى من النَّسَب، هي وحدةُ العقيدة، بما ينشأُ عنها من وِجدانٍ مُشترَك، وتآلُفٍ وتعاطُفٍ وتعاوُنٍ وإخاء؛ لأن صِلَةَ الدمِ أو الجِنسِ قد يمسُّها فتورٌ، وهي أشدُّ ما تكون قرابَة.
أما وحدةُ العقيدة فإنها قرابةٌ قويَّةٌ دائِمةٌ مُتجدِّدة، يذكرُها المُسلِمون وهم ينطِقون بالشهادتَين في سرِّ وجهرهم، ويذكرُونها في صلاتهم وصيامهم، وزكاتهم وحجِّهم البيت، ويذكرُونها في طاعتهم لله، وخضوعهم له، واستِعانتهم به، ويذكرُونها في كل لمحةِ عينٍ، أو خفقَةِ قلب، أو تردُّد نفَس.

عباد الله:
إن عِظَمَ هذه النعمة وشرفَ منزلتها، ورفعةَ قدرها يستوجِبُ كمالَ العنايةِ بأمرها، وتمام الرِّعاية لحقوقها.

ومن أعظم ذلك وآكَده وأوجبِه: إغاثةُ الإخوة في الدين، ونُصرتهم، ورفعُ الظُّلم وصدُّ العُدوان عن ديَارِهم، لاسيَّما من كان منهم جارًا مُجاوِرًا؛ فإن له حقوقَ الجِوار التي أخبرَ عنها رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -، وعن تأكُّدها ولُزومِها وتعيُّن القيام بها بقولِه – عليه الصلاة والسلام -: "ما زالَ جبريلُ يُوصِيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُورِّثُه"؛(أخرجه الشيخان في "صحيحيهما").

وإنه بالنظرِ إلى هذين الحقَّين – حقِّ الأخُوَّة، وحقِّ الجِوار -، وبالنظرِ إلى طبيعة الرسالة السامِية التي تحمِلُها بلادُ الحرمين الشريفين للعالمين، وإلى صفةِ المهمَّة الشريفة المُسنَدة إليها، باعتِبارها بلدًا جعلَه الله تعالى قبلةً للمُسلمين، ومقصِدًا للعابِدين، ومُلتقى للإخوة في الدين، ومثابةً للناس لا يقضُون من زيارته الوطَر، ولا ينالُهم في التردُّد عليه سأَم.

مع ما أفاضَ الله عليها من خيراتٍ، وما أفاءَ عليها من بركاتٍ؛ فقد وفَّق الله -تعالى- وليَّ أمر هذه البلادِ المُبارَكة خادمَ الحرمين الشريفين -حفظه الله- إلى اتِّخاذ هذا الموقِف الإسلاميِّ الحازِم الرشيد السَّديد، بالاستِجابة لنداءِ الرئيسِ الشرعيِّ للجمهوريَّة اليمنيَّة، لإغاثة الشعبِ اليمنيِّ المُسلِم، وحمايةِ الديار اليمنيَّة من بغيِ وعُدوَان وطُغيان البُغاة الطُّغاة المُعتَدين على الشرعيَّة المُعترَف بها محليًّا وعربيًّا ودوليًّا، ولإيقافِ تمدُّدهم الذي يُهدِّدُ أمنَ الديار اليمنيَّة أولاً، ثم أمنَ وسلام المنطقة برُمَّتها ثانيًا.

فكان هذا الموقِفُ – بحمد الله – مُوفَّقًا كل التوفيق، مُسدَّدًا راشدًا؛ لأنه يستنِدُ إلى قَواعِد الشرع، ويحتكِمُ إلى مبادِئ الدين الحَنيف، ويسعَى إلى الحِفاظِ على المصالِح العُليا للأمة من جهةٍ، وإلى الحِفاظِ على الأمنِ والسِّلم الدوليَّين من جهةٍ أخرى.

فلا غرْوَ أن يحظَى هذا الموقِفُ بمُناصَرَة ومُؤازَرَة ومُعاضَدةِ أهل الإسلام قاطِبةً في كل ديارِهم وأمصارِهم، وإلى تأييد ومُسانَدَة ودعمِ كافَّة العُقلاء والحُكَماء في كافَّة أرجاءِ الأرض، نعمةً منه وفضلاً يُؤتِيه من يشاءُ من عبادِه.

فالحمدُ لله كثيرًا على ما أولَى هذه البلادِ من نعمٍ، والحمدُ لله كثيرًا على ما منَّ به عليها من توفيقِ قادتها إلى هذا الخير، والحمدُ لله كثيرًا على ما أكرمَ به من بُلوغ المُراد، ونُصرة الحقِّ، ودَحر الباطِل، وكَبت الحاقِدين، وصدِّ المُعتَدين، وإحباطِ مساعِي العُصاة المُنشقِّين الباغِين.

ونسألُه – سبحانه – المزيدَ من فضلِه ونعمائِه، ودوامَ التوفيق إلى رِضوانه، وإلى نصر دينِه، وإعلاء كلمتِه، والذَّودِ عن حُرُماته، وإغاثة الملهُوف من عبادِه.

كما نسألُه – سبحانه – بأسمائِه الحُسنى وصفاتِه العُلى، مُتضرِّعين قائلِين: اللهم يا الله الذي لا إله إلا هو، اللهم يا ملِكُ يا قُدوسُ يا سلام، اللهم يا مُؤمنُ يا مُهيمِنُ يا عزيزُ يا جبَّارُ يا مُتكبِّرُ، اللهم يا خالِقُ يا بارِئُ يا مُصوِّر، اللهم يا ربَّ العالمين، يا رحمن يا رحيم، يا مالِك يوم الدين، انصُر أبناءَنا وإخوانَنا من العسكريِّين المُرابِطين في الثُّغور في كافَّة قِطاعاتهم، وأيِّدهم بتأييدك، واحفَظهم بحفظِك، وانصُر بهم دينَك، وأعلِ بهم كلمتَك، واحفَظ بهم أمنَ البلاد ومصالِح العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المرجِعُ يوم التناد، آمين آمين.

نفعَني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنَّة نبيِّه – صلى الله عليه وسلم -، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافَّة المسلمين من كل ذنبٍ؛ إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

إن الحمد لله نحمدُه ونستعينُهُ ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرورِ أنفُسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله وصحبِه.

أما بعد، فيا عباد الله: إن الأمرَ بالوحدة والاجتِماع القائمَين على توحيد الله تعالى، والاعتصام بحبلِه أشدُّ تأكُّدًا وأعظمُ وجوبًا وقتَ النوازِلِ، وزمن الخُطوب والشدائِد.

فاعمَلوا – رحمكم الله – على الحِفاظ على أسباب اتِّحادِكم، وكُونوا يدًا واحدةً وقلبًا واحِدًا، وأقِلُّوا من الجدَل، وأكثِروا من العمل؛ فإنه ما ضلَّ قومٌ بعد هُدًى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدَل، كما ثبَتَ عن الصادقِ المصدوقِ – صلوات الله وسلامُه عليه – في الحديث الذي أخرجه الترمذي في "جامعه"، وابن ماجه في "سننه" بإسنادٍ حسنٍ، من حديث أبي أُمامة – رضي الله عنه -.

واحذَروا من إشاعات المُغرِضين، ومن تقديمِ الأهواء والنَّزَعات والمصالِح الفرديَّة على مصالِح الدين والوطَن والأمة. وإنها لأمانةٌ أفلحَ من أدَّاها على وجهِها، وقامَ بحقوقِها، واتَّقَى اللهَ فيها.

ألا وإن من ولاَّه الله أمرَ هذه البلاد قد قامَ – بحمد الله – بإطفاءِ نار الفتنةِ، وحمايةِ الحَوزَة، والحِفاظ على الوحدَة، وصيانَة كِيان الأمة، وإغاثة الإخوة في اليمن الشَّقيق، ورفع الظُّلم عن ساحاتهم، بقطعِ دابِرِ الفساد والمُفسِدين، وإعادة الحقِّ إلى نِصابِه، والحِفاظِ على أمنِ بلادِ الحرمين الشريفين، وعلى أمن وسلامة المنطقة بأسْرِها.

وسوف تبقَى هذه البلادُ المُبارَكة – إن شاء الله تعالى – كما كانت، وكما أرادَ الله لها موئِلاً للهداية، ومبعثًا للنور، ومثابةً للناس، وحِصنًا حصينًا تتكسَّرُ عليه أمواجُ الفتن، وترتدُّ عن حِياضِه سِهامُ المكر والكيدِ والعُدوان والطُّغيان.

يدُ البغي والعُدوان والغدر والجُرم *** سيقطعُها سيفُ العدالة والحَسْم
فلا يطمَعِ الباغُون إن طالَ حِلْمُنا *** فبعدَ سُكُون الرِّيحِ عاصِفةُ الحَزمِ

واذكُروا على الدوامِ أن الله تعالى قد أمَرَكُم بالصلاةِ والسلامِ على خاتم النيين، وإمام المُرسَلين، ورحمةِ الله للعالَمين، فقال – سبحانه – في الكتاب المُبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا خيرَ من تجاوَزَ وعفَا.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسِدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفهم، وأصلِح قادتَهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين.

اللهم انصُر دينكَ وكتابكَ، وسُنَّةَ نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهدين الصادقين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، ووفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا إلى ما تحبُّ وترضَى، اللهم اجعَل عملَه في رِضاك، ووفِّقه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمُسلمين، اللهم وفِّقه ونائِبَيْه وإخوانَه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا من إليه المرجِعُ يوم المعاد.

اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلُك في نُحور أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نُحور أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك من شُرورهم، اللهم إنا نجعلُك في أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذُ بك من شُرورهم.

اللهم إنا نسألُك فعلَ الخيرات، وتركَ المُنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفِرَ لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتُونين. اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.

اللهم أحسِن عاقبتَنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة، اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.

اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّل عافيتِك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخطِك.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضِيكَ آمالَنا، واختِم بالصالِحات أعمالَنا.

(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آل عمران: 8]، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

وصلَّى الله وسلَّم على عبدِه ورسولِه نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين، والحمدُ لله رب العالمين.

المصدر: مدونة التعليم توزيع وتحضير المواد الدراسية – من قسم: مدونة الشريعة الإسلامية

منقوووول

.

رسالة "قاسية" من إمام الحرم المكي السابق لوزير الصحة

رسالة "قاسية" من إمام الحرم المكي السابق لوزير الصحة

خليجية

وجّه إمام الحرم المكي السابق -الشيخ "عادل الكلباني"- رسالة إلى وزير الصحة، الدكتور "محمد بن علي آل هيازع"، طالبه فيها بتطوير المستشفيات لتصل إلى مستوى يليق بالمواطنين وبمكانة المملكة. وقال الكلباني -الأربعاء (24 ديسمبر2014)، مخاطبًا وزير الصحة عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"-: "معالي وزير الصحة، يريد المواطن مستشفيات تليق به وبمكانة بلاده الاقتصادية". واستكمل إمام الحرم المكي السابق رسالته، قائلًا: "معالي وزير الصحة: يريد المواطن -حين يمرض- علاجًا دون أن يضطر (لحب الخشوم)". ومنذ توليه منصبه الجديد وزيرًا للصحة، دعا عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، الدكتور "محمد بن علي آل هيازع"، إلى تطوير مستشفيات المملكة، ورفع سعتها السريرية، وسرعة تنفيذ مشروعات الوزارة الضخمة. مشيرين -في الوقت نفسه- إلى الإهمال الذي تعانيه المستشفيات كذلك.

خطبة الجمعو بالحرم المكي 1 / 10 / 1445هـ الشيخ صالح آل طالب

خطبة الجمعو بالحرم المكي 1 / 10 / 1436هـ (وداع شهر رمضان) الشيخ صالح آل طالب

خطبة الجمعو بالحرم المكي 1 / 10 / 1445هـ (وداع شهر رمضان) الشيخ صالح آل طالب

بسم الله الرحمن الرحيم

وداع شهر رمضان

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب – حفظه الله – خطبة الجمعة بعنوان: "وداع شهر رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان وانتهاء موسِم الخير فيه، مُذكِّرًا بالثبات على الصالحات بعده وفي كل وقتٍ وحينٍ.

https://www.youtube.com/watch?v=D9Ba…ature=youtu.be

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله المُبدِئ المُعيد، يُعيدُ العيدَ على عباده عيدًا بعد عيد، يعِدُ ويُوعِد والوعدُ عنده يسبِقُ الوعيد، الحمد لله جلَّ جلالُه، وتقدَّسَت أسماؤُه، سبحانه وبحمده، لا تُحصَى نعمُه ولا تُعدُّ آلاؤُه، فلله الحمدُ كثيرًا كما يُنعِمُ كثيرًا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحابتِه والتابعِين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:
فاتَّقوا الله تعالى واشكرُوه، وأطيعُوا أمرَه ولا تعصُوه، يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون﴾ آل عمران الآية: 102
نحمدُ الله تعالى ونشكرُه على ما منَّ به علينا من إكمال شهر الصيام، وتكرَّم علينا بالفضل والإنعام، ونسألُه تعالى أن يتقبَّل منَّا ومنكم صالِح العمل، وأن يغفِر التقصيرَ والزَّلَل.
تقبَّل الله إلحافَ المُخبتين في ناشِئة الليالي، وتلقَّى بالقبول ما أسلَفتُم في الأيام الخوالِي.

أيها المسلمون:
هنيئًا لكم هذا العيد، وطُوبَى لكم المُدَّخرُ ليوم المزيد. جعلَ الله أيامَكم كلها سعادة، وتفضَّل عليكم بالحُسنى وزيادة.
هنأَت منكم الأيام، وامتدَّت بكم على الصالِحات الأعوام. جعلَ الله أعمالَكم مقبولة، وأعمارَكم بالخير موصولة.
ألا ما أعظمَ فرحةَ الصائمين حين يُفطِرون! وحين يخافُ الناسُ وهم يأمَنون! لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ الأنبياء 103
من تاجرَ مع الله فتجارتُه رابِحة، عملٌ يسيرٌ، وأجرٌ كبيرٌ. فما أكرمَ الله!

أيها المسلمون:
العيدُ مُناسبةٌ جميلةٌ لإطلاق الأيادِي الخيِّرة في مجالات البرِّ والإحسان، لتعلًُو البسمةُ كلَّ الشِّفاه، وتغمُر البهجةُ كلَّ القلوب. عيدٌ لتأكيد أواصِر القُربى وصِلة الأرحام، والوُدِّ مع الإخوان والجِيران، فتتقارَبُ القلوبُ مع المحبَّة، وترتفِعُ عن الضغائِن.

أيها المُتعيِّدون:
هذا يومُ شُكرٍ وذكرٍ، وأكلٍ وشُربٍ وفِطرٍ، يحرُمُ صومُه لما في صومِه من إعراضٍ عن ضيافة الربِّ الكريم. تناوَلُوا الطيبات، واهنَأوا بالمُباحات، وأظهِروا الفرحَ والسُّرورَ بالعيد وبتمام العبادة، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 58].
ثم اسأَلوا اللهَ القبول؛ فإن من صفاتِ الصادقين: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون: 60].
قالت عائشةُ – رضي الله عنها -: سألتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – عن هذه الآية: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ، قالت عائشةُ: أهم الذين يشربُون الخمرَ ويسرِقون؟ قال: «لا يا بنتَ الصدِّيق، ولكنَّهم الذين يصومون ويُصلُّون ويتصدَّقون وهم يخافُون ألا يُقبَل منهم، أولئك الذين يُسارِعون في الخيرات»، حديثٌ صحيحٌ؛ رواه الترمذي.

عباد الله:
إنما السعيدُ من تقبَّل الله صيامَه وقيامَه، وغفرَ ذنوبَه وإجرامَه، فرجعَ من صلاةِ العيد بجائزةِ الربِّ وإكرامه. أما من كان شهرُه لهوًا وتفريطًا، وعيدُه غفلةً ونُكوصًا؛ فليس له من العيد إلا مظاهِرُه، ولا من الحظِّ إلا عواثِرُه، وقد فاتَه من الخير أولُه وآخرُه.

أيها المسلمون:
سُنَّةُ الله في خلقِه: أن لكل مُقيمٍ في هذه الدنيا ارتِحالاً، ولكل موجودٍ زوالاً. فلنُحاسِب أنفسَنا، ولنزِن أعمالَنا، والتاجرُ يقِفُ بعد الموسِم يُراجِع حساباته، ويحسِبُ ربحَه من خسارتِه، ويتعلَّم من خطئِه وصوابِه ويُتابِعُ نجاحاته. والله إن تجارةً مع الله مربَحُها الجنة لهِيَ أولَى بالمُحاسَبة، وأولَى بالمُراجَعة.
لقد شرعَ الله لكم هذه العبادات تربيةً على التقوى، وتلقِّيًا لدروس الصبر، وانتِصارًا على النفس. ألِفتُم الطاعة، وكرِهتُم المعصية، وعرفتُم قيمةَ الوقت والحياة، وشهِدتُّم سُرعةَ تقضِّي الليالي والأيام.
رمضانُ أُنموذجٌ للعبادة ولذَّة الطاعة، والتوبة والثبات. فهل تعلَّمنا الدرسَ؟!

إن مُداومةَ المُسلم على الطاعة من غير قصرٍ على وقتٍ مُعيَّن، من أعظم البراهِين على القبول وحُسن الاستِقامة، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 99]، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23].
أديمُوا الطاعات، واجتنِبُوا المُوبِقات، ولا تكونوا كالتي نقضَا غزلَها من بعد قوةٍ أنكاثًا، ولا تكونوا من الذين بدَّلوا نعمةَ الله كُفرًا.

يا من أعتقَه مولاه من النار! إياك أن تعودَ إليها بالأوزار .. يا من عمرَ المساجِد بالصلاة مع الجماعة! إياك بعدُ من الإضاعة .. ويا من صبرَ عن الحلال في رمضان! اصبِر عن الحرام حتى تدخُل الجنة، وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم: 31].

أيها المسلمون:
والعملُ الصالحُ ميدانُه واسِعٌ، ومفهومُه شاملٌ، ينتظِمُ أعمالَ القلوب والجوارِح في الظاهر والباطِن، في كل حركةٍ وسكنَةٍ يُمكن أن تجعلَ لله طاعة، وأن تكون دومًا في عبادةٍ.
أعمالٌ خاصَّةٌ وعامَّةٌ للفرد والجماعة، وكل الأعمال محسوبةٌ في ميزان العبد، حتى نيَّتُه وقصدُه الحسن، في كتابٍ لا يُغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها.
فاحفَظوا أوقاتكم، ولا تحقِروا من الأعمال شيئًا، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8].
بارَك الله لي ولكم في الكتاب والسُّنَّة، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بنمعتِه تتمُّ الصالِحات، له الأسماءُ الحُسنى والعليُّ من الصفات، أشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه شهادةً نرجُو بها الفوزَ والنجاةَ.

أيها المسلمون:
إن العُمر كل العُمر للمُسلم موسِم، وكل لحظةٍ في حياة المُوفَّق فُرصةٌ لاكتِساب الحسنات، ونَيل المراتِب في الجنَّة وعالِي الدرجات. فليكُن شهرُ رمضان لنا بدايةَ موسمٍ طويلٍ، عيدُه عندما يُختمُ العملُ بحُلول الأجل.

عباد الله:
وامتِدادًا للخير في رمضان، فإن في شهر شوال مِنحةٌ ربَّانيَّة، وسُنَّةٌ نبويَّة، تفضَّل الله بها على عباده ليرفعَ درجاتهم، ويُضاعِف حسناتهم؛ ستةُ أيامٍ شرعَ الله صيامَها من شهر شوال، هي نافلةٌ بعد الفريضة، وحسنةٌ بعد الحسنة.

عن أبي أيوب الأنصاري – رضي الله عنه -، أن رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «من صامَ رمضان ثم أتبعَه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر»؛ رواه مسلم.
ولا بأسَ بصيامِها أو مُتفرِّقة، في أوائل الشهر أو وسطِه أو أواخِره، ومن صامَها سنةً لم تلزَمه كل سنة، بل هو بالخيار إن شاءَ داومَ عليها وهو خيرٌ له، وإن شاءَ تركَها متى شاء.

فاستزِيدُوا من الخيرات، ولا تتوانَوا عن الطاعات، والزَموا التقوَى جميعَ دهركم، واسعَوا إلى الله سعيًا حثيثًا، وأعِدُّوا للقاءِ الله واجتهِدوا، ولا تُبطِئُوا في العمل؛ فإن أسرعَ شيءٍ إليكم الأجل.

ثم صلُّوا وسلِّموا على من أمرَكم الله بالصلاةِ والسلامِ عليه، فقال – عزَّ من قائلٍ -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامين.
وارضَ اللهم عن الأئمة المهديِّين، والخلفاء الراشِدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، ومن سارَ على نهجِهم، واتَّبع سُنَّتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا، وسائرَ بلاد المُسلمين.

اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ والتوفيق والتسديد إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَه وأعوانَه لما فيه صلاحُ العباد والبلاد، واسلُك بهم سبيلَ الرشاد.

اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكان، اللهم اجمَعهم على الهُدى والسنَّة، اللهم احقِن دماءَهم، وآمِن روعاتهم، واحفَظ دينَهم وأعراضَهم وأموالَهم وديارَهم، اللهم انصُر المُستضعَفين من المُسلمين في كل مكان.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك وعبادَك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والرِّبا والزِّنا، والزلازِل والمِحَن، وسُوءَ الفتن ما ظهرَ منها وما بطَن.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
اللهم اغفِر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورَنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، واغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذُرِّيَّاتهم، وأزواجنا وذُرِّيَّاتنا إنك سميعُ الدعاء.

اللهم تقبَّل صيامَنا وصيامَنا ودُعاءَنا وصالحَ أعمالنا، وثبّشتنا على الحقِّ والهُدى، واختِم لنا بخيرٍ يا أرحم الراحمين.
اللهم ما سألناك في هذا الشهر الكريم من مسألةٍ صالحةٍ، فاجعَل أوفرَ الحظِّ والنصيبِ منها لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وذرِّيَّاتهم، وإخواننا وأزواجِنا وذرِّيَّاتنا، ومن أوصانا بالدُّعاء، ومن أحبَّنا فيك.
اللهم يا ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المصدر: مدونة التعليم توزيع وتحضير المواد الدراسية – من قسم: مدونة الشريعة الإسلامية

منقوووول

.