يرصد مركز الإحصاء الفلسطيني فوارق الأجور بين العامل الفلسطيني واليهودي، فالعمال الفلسطينيون في إسرائيل والمستوطنات يتقاضون معدل أجر يصل إلى ما يساوي نحو 47 دولاراً في يوم العمل الطويل، بينما يصل معدل الأجر اليومي لعمل أقل يؤديه اليهودي الى ما يساوي 164 دولاراً.
ويظل الأجر الأول، الذي يتقاضاه الفلسطيني، مجزياً بالنسبة له، حين يُقارن بمثله في الأراضي الفلسطينية والقطاع الخاص الفلسطيني.
ففي قطاع غزة، حين يتوافر العمل ولا تتعطل الحياة الاقتصادية وصناعة البناء، يتقاضى العامل عشرة دولارات عن يوم العمل، أما في الضفة الفلسطينية، فإن الدخل اليومي للعامل يصل الى خمسة عشر دولاراً.
وهناك بالطبع سقفان للأجور على أرض واحدة وفي سوق واحدة مهيمنة وأخرى محتلة. فالحد الأدنى للأجور في فلسطين، هو 373 دولاراً (1450 شاقلاً) أما في إسرائيل، فإن الحد الأدنى هو 1288 دولاراً أي خمسة أضعاف مثيله في فلسطين، ذلك علماً بأن كلفة المعيشة في سوقي العمل متقاربة.
تحديات العمالة الفلسطينية
ويرى خبراء اقتصاديون أنه بنظرة سريعة على واقع قوة العمل الفلسطينية، التي لا تستوعبها سوق العمل المحلية، "تجعلنا أمام حقيقة مفادها أن فائض العمال، الذين يواجهون البطالة، يصبحون أمام أحد خيارين، إما الرحيل بحثاً عن سوق عمل يجدون فيها فرصتهم أو التحول الى السوق الإسرائيلية، التي يصلون اليها بتصاريح انتقال مدققة أمنياً".
ويبلغ عدد المنتسبين الى الطبقة العاملة في فلسطين، 804 آلاف عامل حسب إحصائية فلسطينية في العام 2024.
وبات 110 آلاف يعملون في اسرائيل والمستوطنات. وقد ساعدت على ذلك القيود الاحتلالية التي تعيق الاستثمار في فلسطين، فضلاً عن الحروب المدمرة التي شُنت على غزة.
فواقع غزة أسوأ بكثير، لأن لا سوق إسرائيلية متاحة، ولا سوق محلية، ولا قدرة على الوصول الى سوق في الإقليم. ويدلنا عدد العمال الفلسطينيين من الضفة، الذين يعملون في إسرائيل ومستوطناتها، على أن عاملاً فلسطينياً من كل ثمانية، يعمل في اسرائيل والمستوطنات، لكن إجمالي الأجور للعدد الأقل، الذي يعمل في السوق الإسرائيلية، يبلغ نحو 47% من إجمالي الأجور التي يتقاضاها مجمل العمال الفلسطينيون.
غير إن سياقات العمل وطرق الوصول اليه والحصول على الفُرص، تنطوي على مصاعب ومفارقات، وتتأرجح الأعداد حسب التطورات السياسية والأمنية.
وثمة ظاهرة يمثلها العامل المتسرب الذي يغامر ويمكن أن يتعرض لإطلاق النار، في طريقه الى سوق العمل بدون تصريح.
ولما كانت حكومة اليمين العنصري الإسرائيلي، هي التي طرحت رؤية مخادعة للالتفاف على الحقوق الفلسطينية، قوامها صيغة ما سمته "السلام الاقتصادي" فقد أصدرت إسرائيل 57600 تصريحاً لعمال فلسطينيين، وتسرب 38 ألفاً الى العمل بدون تصاريح.
وهناك 13800 عامل، استصدر لهم أباب العمل الإسرائيليون وثائق تتيح لهم العمل الدائم، ويشمل هذا الرقم القادرين على التحرك بجوازات سفر أجنبية!
وفي هذا السياق، قال أحد عمال البناء (أبو محمد 44 عاماً): "أحياناً أدخل مرة واحدة ثم أمكث في القدس طوال الأسبوع. وفي بعض الأسابيع لا أدخل على الاطلاق. وفي كل مرة أجازف بحياتي. فقد يطلق أحد الجنود النيران عليّ في اية لحظة، وأنا أتسرب بين الجبال للوصول الى القدس. فبعد أن سحب تصريح العمل مني كان هذا خياري، لأنني لا أريد أن أخسر عملي، إذ لا بديل له في الضفة، ولو كنت محظوظاً وتوفر العمل، فإن الأجر لا يغطي متطلبات معيشتي".
جدير ذكره أن العمال الفلسطينيين الذين يدخلون اسرائيل بانتظام هو الأكبر دخلاً، فهم يتقاضون ما بين 800 الى 1330 دولارا أمريكيا في الشهر.
سوق العمل بإسرائيل خيار صعب
ويقول "أبو خالد" الخريج من معهد تربية رياضية: "أحصل على مبلغ من نحو 1300 دولاراً الى 1500 شهرياً كعامل، لكنني إذا عملت في الضفة في تخصصي، فإن دخلي لن يزيد عن 500 دولار كحد أقصى ولا تكفي لإعالة أسرتي".
وواصل متسائلاً: "ألا يبدو أن هذا يستحق المجازفة، حتى لو كان مرهقاً وخطيراً في حال الاضطرار الى التسلل؟" ويجيب: "حين أعود الى المنزل ومعي ما يكفي من المال للعناية بأطفالي، يختفي أي شعور بالذنب وأنسى الارهاق والمجازفة".
من جهته اعتبر المحلل الاقتصادي نصر عبد الكريم أن سوق العمل في إسرائيل هو خيار من الصعب الاستغناء عنه، بسبب البطالة والأجر 3 أضعاف داخل الكيان الإسرائيلي، وهذا يغري الباحثين عن العمل وخاصة ممن يمتلكون المهارات الحرفية التقليدية.
ويرى د. نصر أن مرد هذا الأمر الى التبعية التي تشهدها التجارة والطاقة والمحروقات، "فالسلطة الفلسطينية لا تملك الخيارات، وستبقى العمالة في اسرائيل شراً يصعب الاستغناء عنه".
وأرجع مدير التشغيل في وزارة العمل سامي سلامة ظاهرة العمالة الفلسطينية في إسرائيل الى البطالة العالية في سوق العمل الفلسطيني التي تصل في الضفة وغزة الى 25.2% مشيرا الى أن سوق العمل الفلسطيني لا يحتمل تشغيل هذه الأعداد العاملة داخل الكيان الاسرائيلي، بسبب عدم قدرة الاقتصاد الفلسطيني على توليد فرص عمل ضمن الحصار القائم من قبل المحتل الاسرائيلي الذي أفقده القدرة على التوسع وتوليد فرص عمل جديدة.