لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وأوجده في هذا الكون من أجل عمارة الأرض وعبادته وتقواه كما جاء في القرآن الكريم: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. وعبادة الله تستوجب الحب والخضوع، وحب الله لا يصدق إلا باتباع أوامره واجتناب نواهيه مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31]، وهكذا فإن العبادة الحقة تقوم على الخضوع لله وإخلاص المحبة له وعدم الشرك به. يقول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البينة: 5].
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [1]. والإخلاص في العبادة هو جعلها لله وحده وترك الرياء فيها. والإخلاص في العمل هو أداؤه متقناً بأمانة وصدق مراقبة. قال الإمام الجنيد: "الإخلاص تصفية العمل من الكدورات"، ومن هنا عرَّف العلماء الإخلاص بأنه إتقان العبادة والعمل وإحسانهما كأن العابد أو العامل يرى ربه وهو يعبده، فإن لم يكن العبد يرى ربه فإن ربه يراه. وهكذا فإن عبادة الله تحرر الإنسان من وساطة الوسطاء مصداقاً لقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، كما أنها تحرر الإنسان من الشكليات، وتستوجب إخلاص النية كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البينة: 5]. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [2].
كما أن عبادة الله تحرر الإنسان من العنت والحرج والعسر حسبما جاء به الإسلام مقارنة مع الأديان الأخرى؛ فلا حرج إذن ولا تكليف فوق طاقة الإنسان مصداقاً لقوله تعالى: ل{اَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقوله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وهكذا فإن بديل الوضوء بالماء التيمم، وبديل الصلاة مع الوقوف عند العجز أن يصلي المرء قاعداً أو مضطجعاً، وكما يفطر الصائم في المرض أو السفر، وتقصر الصلاة الرباعية في السفر من أربع إلى ركعتين.
أنواع العبادات في الإسلام:
إن العبادة في الإسلام شاملة لكل أمور الدين والدنيا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد أحاديثه النبوية بأن «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» [3] وعبادة الله تتطلب النية الصادقة والإخلاص في العمل والاستقامة. وتتمثل أنواع العبادات فيما يلي:
– عبادات يؤديها المرء بجسده كالصلاة والوضوء والطهارة والصوم.
– عبادات يؤديها المرء بماله كالزكاة والصدقات.
– عبادات بدنية ومالية كالجهاد والحج.
– عبادات هي عبارة عن أعمال بشرية عادية كالزراعة والتجارة والأعمال الوظيفية إلا أنها يجب أن يقصد بها إرضاء الله تعالى.
– عبادات عقلية وفكرية كالتأمل في مخلوقات الله الذي يؤدي إلى تقوية الإيمان وتعميقه واليقين في عظمة الله وقدرته. قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190-191].
واجب التقيد بالشرع في العبادات:
إن العبادة تتطلب التقيد بالشرع وأوامر الله ونواهيه، وعدم الوقوع في البدع والضلالات وتحليل الحرام أو تحريم الحلال مما يؤدي إلى الشرك وإحباط العمل. قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].
وقد ذكر القرآن الكريم أن بعض أهم انحرافات الأديان كانت بسبب الغلو في الدين والخروج عن تعاليمه والابتداع، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]، وقال تعالى: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: 116]. كما أن بعض المسلمين انحرفوا بالعبادة وذلك في التمسح بالأضرحة والقبور، وإضفاء صفات القدسية على الأشخاص، وهي أمور مردودة وباطلة مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» [4].
النوافل عبادات:
إن العبادة في الإسلام تشمل الفرائض والنوافل، والنوافل هي ما زاد على الفريضة وهي الاستزادة من التقرب إلى الله والوصول إلى محبته وإرضائه، لكن يجب ألاَّ تكون على حساب الواجبات حتى تنال القبول عند الله والأجر الكبير. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله عز وجل: «يقول تعالى: ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه» [5].