بقلم فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن محمد السدحان
يلاحظ على بعض الناس في رمضان تفويتهم صلاة العشاء من أجل إدراك إمام معين اعتاد أن يُصلي معه التراويح كل ليلة. وهذا خطأ واضح ، وفعل لا يجوز ، وصاحبه آثم إذا علم أن صلاة العشاء ستفوته ، إذ انه فرط في المحافظة على ادراك الجماعة في الفرض مقابل ادراك التراويح ، وإنك لتدهش مما ترى وتسمع من أولئك المصلين الذين يأتون أفواجاً أفواجاً إلى مسجد معين كلما صلت جماعة جاءت اختها ولا يزال الحال على هذا حتى يفرغ الإمام الأصلي من تسليمتين أو ثلاث من صلاة التراويح
والعجب من هؤلاء إنك ترى أحدهم يتخطى المسجد تلو المسجد وقد قارب وقت الإقامة ، والأدهى والأمر أن بعضهم يسمع بعض المساجد قد شرع أهلها في صلاة العشاء ومع ذلك لا يزال مستمراً في سيره ، وهذا من تلبيس الشيطان عليه ، وإلا فكيف يفرط مسلم عاقل في شهر فاضل خاصة في إدراك صلاة الجماعة، فكيف بمن كان هذا شأنه في جميع ليالي رمضان إلا من رحم الله ، فيقال لهؤلاء تذكروا ما كان عليه نبيكم من الحرص على الخير في حياته عامة وفي رمضان خاصة .
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان النبي صلى الله عليه وسلم: "أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان" الحديث.
فأين حرصكم على الخير وأنتم تأتون إلى المساجد التي قصدتموها وقد فاتكم من الصلاة ركعة أو ركعتان هذا إذا لم تنته الصلاة كلها، وهذا العمل – أعني التفريط في إدراك العشاء مع الجماعة من أجل ادراك صلاة التراويح – من مداخل الشيطان على المسلم لأن الشيطان صرفه عن المحافظة على أداء الواجب إلى المحافظة على أداء النفل.
وقد قسم ابن القيم رحمه الله تعالى مراتب الشيطان في اغواء بني آدم إلى سبع مراتب، وجعل الاشتغال بالمفضول عن الفاضل في المرتبة السادسة. فقال رحمه الله: "المرتبة السادسة وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه وقل من يتنبه لهذا من الناس فإنه إذا رأى فيه داعيا قويا ومحركا إلى نوع من الطاعة لا يشك أنه طاعة وقربة، فإنه لا يكاد يقول إن هذا الداعي من الشيطان فإن الشيطان لا يأمر بخير، ويرى أن هذا خير فيقول هذا الداعي من الله، وهو معذور ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين باباً من أبواب الخير أما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر وإما ليفوت بها خيراً أعظم من تلك السبعين باباً وأجل وأفضل وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد يكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه وأرضاها له وأنفعها للعبد وأعمها نصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولعباده المؤمنين وخاصتهم وعامتهم ولا يعرف هذا إلا من كان من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ونوابه في الآية وخلفائه في الأرض وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك فلا يخطر بقلوبهم، والله يمنُّ بفضله على من يشاء من عباده، انتهى كلامه رحمه الله تعالى، (بدائع الفوائد 261/2 – 262).
فإذا كان هذا الكلام فيمن اشتغل بالمفضول عن الفاضل فكيف بمن ضيع أداء الفرض مع الجماعة في مقابل تحصيل النفل، لا شك أن الأمر أعظم وأخطر.
فاتقوا الله في أنفسكم ولا تفتحوا باباً للشيطان عليكم، فإن من كان هذا شأنه في رمضان فيخشى عليه أن يستمرئ هذا العمل ويصبح عادة له.
فحري بالمسلم الراغب في طاعة الله أن يحرص كل الحرص على ادراك الصلاة مع الجماعة لينال بذلك الأجر والثواب.
أرجو نشرها فالدال على الخير كفاعله