العالم أجمع في انتظار ما سيتمخض عنه اجتماع دول منظمة أوبك يوم غد (الخميس)، فتوقعات الخبراء المتابعين غير حاسمة، وهناك معسكران: الأول يضم فنزويلا وإيران والعراق، ويطالب بخفض الإنتاج، والآخر يضم السعودية وبقية دول الخليج، التي، وإن لم تفصح عن موقفها، إلا أنه يُشتمُّ من تصريحات مسؤوليها الميل للتريث، وإعطاء الفرصة لقوى السوق لتصحيح تقلبات الأسعار.
وزير النفط الكويتي علي العمير صرح في أبوظبي بأن قرار تخفيض الإنتاج لن يحدث في الاجتماع المقبل، ورأى أن الأسعار ستستقر بعد أن يستوعب، أو يمتصّ السوق الزيادة في المعروض من كميات النفط الزائدة على الطلب.
مخاوف
ووفقاً لبعض التقارير، فإن توقعات منظمة أوبك أن الأسعار لن تنخفض عن معدل 75 دولاراً للبرميل، وأن درجة الهلع سترتفع عندما يلامس سعر البرميل 70 دولاراً.
ونقلاً عن وكالة رويترز، فإن مديري المحافظ الاستثمارية الكبيرة يرون أن أسعار النفط ستنحدر إلى 60 دولاراً، إذا لم تتخذ منظمة أوبك قراراً بتخفيض الإنتاج، ويزيدون بأن حجم التخفيض لا يكفي أن يكون في حدود 500 ألف برميل أو حتى مليون، فذلك لن يؤدي إلى الأثر المطلوب، بل يجب أن يتجاوز التخفيض مليون برميل أو أكثر.
من جهة أخرى، تقول بعض التقارير إن الأميركيين لن تساورهم مخاوف حتى لو انخفض سعر البرميل إلى 57 دولاراً، فالتطوير التكنولوجي واللوجستي سيخفض تكاليف النفط الصخري من معدل 70 دولاراً للبرميل إلى 57 دولاراً، وأن هنالك مجالاً لتحقيق مزيد من النجاحات في خفض تكاليف الإنتاج.
هذه هي الحالة التي تواجهها دول «أوبك»، وبعضها تواجه عجوزات كبيرة في ميزانياتها، ففيما عدا السعودية ودول الخليج، التي تحتاج إلى سعر 90 دولاراً أو أقل لتحقيق التعادل بين المصروفات العامة والإيرادات في الميزانية، فإن بقية دول «أوبك» تحتاج إلى سعر أعلى من ذلك، خصوصاً أنها لا تملك احتياطيات استثمارية تستعين بالسحب منها لتغطية عجوزاتها.
منذ إنشاء منظمة أوبك عام 1960، قبل 54 عاماً، كان غرضها الأساسي هو الدفاع عن السعر، وجاء إنشاؤها رداً على تخفيض الشركات لأسعار النفط آنذاك، وكانت في حدود 3 دولارات للبرميل، وفعلاً منعت الشركات المسيطرة على إنتاج النفط وتصديره من التصرف منفردة بتحديد الأسعار.
ومنذ ذلك الحين ومعارك «أوبك» كانت للحفاظ على مستوى مجزٍ لأسعار تضمن قيمة عادلة لثرواتها النفطية، وتؤمن دخلاً مناسباً لدولها من إيرادات تصدير النفط.
وخلال هذه الفترة كان أبرز ما في تاريخ «أوبك» هو قراراتها بتخفيض الإنتاج للمحافظة على الأسعار أو زيادتها.
تدخلات
وقد اتخذت منظمة أوبك منذ إنشائها ستة قرارات بالتدخل للتأثير في السوق بتخفيض إنتاجها أو تحديد أسعار نفوطها، أو كلا الأمرين، أي تخفيض الإنتاج وتحديد السعر.
أما أقوى المواقف، التي تعكس ذلك، هو موقف هذه الدول في حرب 1973، عندما اتخذت قراراً بمقاطعة أميركا وهولندا احتجاجاً على وقوفهما إلى جانب إسرائيل في حرب أكتوبر ومدّها بالأسلحة، ودعماً لمصر وسورية، ونتيجة لذلك تم تخفيض الإنتاج بمعدل 4 ملايين برميل يومياً، إضافة إلى مليون برميل من دول «أوبك» غير العربية، التي تعاضدت معها. وأدى هذا الانخفاض إلى رفع أسعار النفط من 3 دولارات إلى 12 دولاراً للبرميل، وقد استمر هذا السعر سائداً حتى عام 1979، عندما قامت الثورة الإيرانية، وانخفض إنتاج إيران، فارتفع سعر البرميل إلى 35 دولاراً، أي أكثر من الضعف.
أما التخفيض الثاني فكان عام 1986، وفي ذلك العام انخفض سعر برميل النفط من 35 دولاراً إلى أقل من عشرة دولارات، فأصاب دول «أوبك» الهلع، فلجأت أولاً إلى تبني نظام الحصص (كوتا)، بتحديد كمية إجمالي إنتاج دول «أوبك»، حيث تم تقاسمها بين الدول وفقاً لمعايير محددة، كما تم تحديد سعر لنفوط «أوبك» تلتزم به الدول، وحُدد آنذاك عند 18 دولاراً للبرميل.
ولم تترك الأمور لقوى السوق لتصحيح الوضع، بل تم التدخل لتحديد معدل الإنتاج والسعر أيضاً، وبناء على ذلك استقر تحديد أسعار النفط من قبل دول «أوبك» بعد أن انتزعت هذا الحق من الشركات السبع، التي كانت مهيمنة على إنتاج النفط وتسويقه وتحديد أسعاره.
وكان التدخل الثالث لـ«أوبك» في عام 1998 – 1999، عندما انخفضت الأسعار عام 1998 من 18 دولاراً للبرميل، المحدد من قبل «أوبك»، إلى حوالي 12 دولاراً، فلجأت المنظمة إلى تخفيض الإنتاج لحماية مستوى السعر، وتم ذلك على ثلاث مراحل، بتخفيض 1.25 مليون برميل يومياً في أبريل 1998، ثم 1.35 مليون برميل في يوليو من العام نفسه، ثم 1.700 مليون برميل يومياً في أبريل 1999، وتجاوز إجمالي التخفيض ما مجموعه 3 ملايين برميل.
التدخل الرابع كان عام 2001، بتخفيض الإنتاج بمقدار 3.5 ملايين برميل يومياً، وكان التدخل الخامس عام 2024، عندما رفعت «أوبك» إنتاجها هذه المرة بمقدار 2.8 مليون برميل يومياً، لتعويض النقص الناتج من انخفاض إنتاج فنزويلا بسبب إضرابات العمال في شركة النفط الفنزويلية.
أما التدخل السادس، فكان عام 2024، عندما انخفضت أسعار برميل النفط من 140 دولاراً إلى أقل من 40 دولاراً، (31 دولاراً في ديسمبر 2024)، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية 2024 – 2024، وقررت «أوبك» تخفيض الإنتاج بحوالي 1.5 برميل يومياً، ولحسن الحظ أن مدة الأزمة لم تطُل أكثر من ستة أشهر، حيث عادت الأسعار بعدها إلى الارتفاع مع بداية الربع الثاني من عام 2024.
سلعة مضمونة
لكل ذلك، فإن الموقف الذي يطالب بترك الأمور لقوى السوق لتصحح نفسها أمر لا يتفق مع السياسة التي اتبعتها «أوبك» منذ تأسيسها وحتى اليوم، وسياسة محافظة كل دولة على نصيبها من السوق النفطي لا يخدم مصالحها، فالنفط سلعة مضمونة، ومخزونها لدى كل الدول مآله إلى النفاد والنضوب، وهذا ما حصل للنفط الأميركي والنفط الإندونيسي، والدراسات تشير إلى أن الإنتاج العالمي سيبلغ قمته عام 2035، ثم يبدأ في التناقص التدريجي.
هذا على مستوى عالمي، وقد يختلف الأمر من دولة إلى أخرى، ولكن احتياطيات النفط مهما كان حجمها، فبالتأكيد أنها ستنضب يوماً ما، وفي الوقت نفسه سترتفع الأسعار على المديين المتوسط والبعيد، وفق توقعات منظمة أوبك، وعليه فإن تحويل هذه الأصول النفطية إلى أصول مالية، سواء أنفقت في الحاضر أو استثمرت في أصول مالية، يبقي النفط أضمن كمخزون للقيمة، فالأصول المالية عرضة للتآكل، بسبب الأزمات المالية، أو بسبب تآكل قيمة العملات النقدية وتراكم التضخم.
عبدالله النيباري