القدس المحتلة- بعد إعادة انتخاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، كثرت ثرثرات مشوبة بالقلق في مقاهي إسرائيل وبرامجها الحوارية عن احتمال أن تفقد البلاد تأييد أقرب حلفائها وتبقى وحيدة بمعزل عن العالم.
ويبدو أن الحواجز لا تزال قائمة بين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما. ورغم تراجع رئيس وزراء إسرائيل عن رفضه حل الدولتين مع الفلسطينيين إلا أن حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات المعروفة اختصارا بحركة (بي.دي.إس) أطلقت دعوات جديدة لفرض عقوبات على الكيان الإسرائيلي.
لكن يبدو أن مخاوف العزلة النابعة من تشكيل حكومة أخرى يتزعمها نتنياهو، وتميل هذه المرة لليمين أكثر من سابقتها، لا تمت للواقع بصلة.
ففي حين تتحدث الولايات المتحدة عن “إعادة تقييم” علاقتها مع إسرائيل، لم تتخذ واشنطن حتى الآن أي خطوة تدعم هذا، واقتصر الأمر على كونه تحذيرا شفهيا شديدا لنتنياهو كي لا يتمادى في أقواله.
وفيما يتعلق بالدفاع والأمن، أوضح البيت الأبيض أنه لن يحدث أي تغير في السياسة العامة. وحين عاد مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية، أخيرا، من زيارة عمل إلى واشنطن، قال إنه “ليس هناك ما يدعو للقلق”.
كما أن التدفقات الاستثمارية الخارجية التي تعكس عادة ردود الفعل إزاء فرض عقوبات أو عزلة على بلد ما، لم تكشف عن أي نقص بل زادت باطراد خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، وبلغت قيمتها 710 ملايين دولار في كانون الثاني/ يناير وحده.
والأرقام الخاصة بآذار/ مارس الماضي -والتي ستعكس أي أثر نتيجة الانتخابات- لن تعلن قبل أوائل أيار/ مايو، لكن الاتجاه الواضح صعودي. وزاد مؤشر بورصة تل أبيب بأكثر من 2% منذ الانتخابات، ويشهد الشيقل استقرارا أمام الدولار، كما أن تقييم وكالة موديز للتصنيف الائتماني إيجابي.
أما مصدر القلق الأكبر بالنسبة لإسرائيل، فيرجح أن يأتي من الاتحاد الأوروبي -أكبر شركائها التجاريين- الذي انتقدها مرارا بسبب سياسة المستوطنات، واتخذ خطوات لتقييد القروض للمعاهد البحثية التي تمارس أنشطة في الضفة الغربية المحتلة.
ورغم إمكانية اتخاذ إجراءات أخرى في هذا الصدد ومنها وضع ملصقات توضح منشأ السلع الإسرائيلية، التي تُنتج في المستوطنات.. ظلت هذه الإجراءات في طور الإعداد طويلا.
وقال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي إن “خطوة مثل هذه لن تتخذ ردا على إعادة انتخاب رئيس وزراء يميني”.
وأوضح أحدهم “ستكون هناك جلبة وربما بعض المحاولات، لكن لن يخرج منها أي شيء حقيقي”.
حتى وإن عزم عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد على تصعيد الأمر، فإن أي شيء يقترب من العقوبات سيتطلب موافقة جميع الأعضاء الـ28. وإسرائيل لديها عدد من المدافعين الأقوياء في الاتحاد الأوروبي سيحولون دون التنفيذ، ومنهم ألمانيا وجمهورية التشيك وبريطانيا على الأرجح.
هجمات على اليسار
لكن هذا لا يعني أن الرياح تسير تماما بما تشتهي سفن نتنياهو وهو يستعد لفترة رابعة في المنصب، إذ أنه يخوض غمار معركة لإقناع أمريكا بأن اتفاقها النووي الذي ربما كان وشيكا مع إيران، سيء.
لكن ما قيل في هذا الصدد، خلال حملة نتنياهو الانتخابية وخلال كلمته أمام الكونجرس الأمريكي قبل الانتخابات بأسبوعين، لم يفلح كثيرا في إكسابه حلفاء في تلك المعركة.
وعلى الصعيد الإقليمي، لم تعزز تعليقات أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم الانتخابات، واعتبرت مناهضة لعرب إسرائيل، موقفه مع حلفاء في المنطقة مثل السعودية والأردن ومصر. وكان قد اتهم منظمات يسارية غير حكومية بنقل أعداد كبيرة من عرب إسرائيل للتصويت ضده.
لكن ربما كانت أكبر مشكلة يواجهها نتنياهو (65 عاما) هي لم شمل بلد منقسم بشدة بين اليسار واليمين منذ الانتخابات، فهجومه على عرب إسرائيل ترك هذه الفئة التي تمثل 20% من السكان في حالة غضب وشعور بالعزلة.
ويوم السبت الماضي ضرب مجهول كاتبا ومؤلف أغان إسرائيليا معروفا في منزله واصفا إياه بأنه “يساري قاتل وخائن”. وقالت المغنية اخينوعم نيني المعروفة باسم نوا المؤيدة لليسار إن شخصين تطاولا عليها بالقول في مطار تل أبيب ووصفاها بأنها “عدو لإسرائيل” وهدداها بنفس مصير المؤلف.
ورغم أن نتنياهو فاز فوزا واضحا، كان ذلك بتأييد 23% فقط من الناخبين. وربما يستحوذ ائتلافه اليميني على أغلبية كبيرة، لكن عليه أن يعمل جاهدا كي يشيع شعورا بين جميع المواطنين بأنهم يحظون بتمثيل.