أفادت مصادر إسرائيلية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى اتصالاً هاتفياً برئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف بنيامين نتنياهو، بحثا خلاله عدداً من القضايا الإقليمية، وأعربا عن قلقهما إزاء الأوضاع في اليمن، وعملية "عاصفة الحزم"، بحسب ما أوردته التقارير.
وبحسب مراقبين، فقد شهدت الساعات الأخيرة تطوراً مهماً، قد يدل على زيف الادعاءات الإسرائيلية بأنها تخشى ما تقول أنه تهديد وجودي، حال امتلكت إيران السلاح النووي، وأن جميع الخلافات الظاهرة مع واشنطن، تُخفي اتفاقا بين واشنطن وتل أبيب، يقضي بإطلاق العنان لطهران للتغلغل في المنطقة، وتشكيل قوة مضادة للعالم العربي المُثقل بالمشاكل، في مقابل التوقيع على الاتفاق النووي، ووقف التراشق الإعلامي تجاه إسرائيل.
وذكر موقع "ديبكا" الإسرائيلي مساء السبت 28 مارس/ آذار، أن بوتين الذي أعرب لنتنياهو عن خالص أمنياته بنجاحه في مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، بحث معه الوضع في اليمن، وعدد من القضايا من بينها البرنامج النووي الإيراني.
وتناقلت وسائل إعلام إسرائيلية أخرى تفاصيل الاتصال بين بوتين ونتنياهو، حيث ذكر موقع (walla) أنه فضلا عن الأوضاع في اليمن، ناقش بوتين ونتنياهو مسألة تعزيز العلاقات بين الجانبين، "ومدى متانة العلاقات الإنسانية بين موسكو وتل أبيب، والاحتفالات المرتقبة بمرور 70 عاما على انتصار الحلفاء على النازية، إبان الحرب العالمية الثانية".
وذكر الموقع أن "بوتين ونتنياهو أعربا خلال الاتصال عن قلقهما الشديد من الأوضاع الأمنية في اليمن على خلفية عملية عاصفة الحزم"، وأن بوتين أعرب لنتنياهو عن "ضرورة مضاعفة الجهود الدولية للتوصل إلى اتفاق سلام طويل الأمد في اليمن".
ويثير هذا الاتصال وما حمله من مضمون علامات استفهام كثيرة بشأن طرح عملية "عاصفة الحزم" في اتصال هاتفي بين نتنياهو وبوتين، وتشابه المواقف بين موسكو وتل أبيب بشأن العملية التي تهدف إلى استعادة الشرعية التي سلبها الحوثيون المدعومون من إيران.
الموقف الروسي والإسرائيلي من "عاصفة الحزم"
وفي الوقت الذي تتحفظ فيه إسرائيل بشكل واضح على التعليق على عملية "عاصفة الحزم"، رغم التقارير التي تحدثت عن مخاوفها إزاء الخسائر الاقتصادية، جراء سيطرة قوات التحالف العربي على الأجواء اليمنية، وعلى منطقة مضيق باب المندب، لم يخفي بعض المراقبين الإسرائيليين تخوفهم من الظهور المفاجئ للقوة العربية بشكل منظم.
وتأتي تلك المخاوف بشكل خاص، لأن العمل العسكري المشترك بين عدد من الجيوش يتطلب ترتيبات وجهود كبيرة، بهدف توحيد المفاهيم وأساليب تنفيذ المهام، وتشكيل قيادة مشتركة لإدارة العمليات، ومسائل أخرى كثيرة، وهو أمر لا يتحقق بين يوم وليلة، ويدل على جهود طويلة قطعها العرب سرا.
وفي المقابل، تبدي موسكو موقفا علنيا واضحا من العملية، حيث أعلنت رفضها الصريح. وأجرى بوتين اتصالا هاتفيا بالرئيس الإيراني حسن روحاني في وقت سابق، أعرب خلاله عن القلق الشديد من "التدخل العربي في اليمن".
ونقلت وسائل إعلام ووكالات أنباء عديدة بيانا روسيا رسميا، جاء فيه أن "ثمة ضرورة لوقف الحلول العسكرية الجارية حاليا داخل اليمن، لفتح الطريق أمام الأمم المتحدة والطرق السياسية والدبلوماسية، من أجل الوصول إلى صيغة اتفاق بشأن الصراع الدائر هناك".
كما أفادت تقارير إعلامية، بأن روسيا أبلغت الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح قبل أيام، بأن دول الخليج تحضر لشن ضربات عسكرية، وأنها طلبت منه مغادرة منزله لأنه قد يتعرض للقصف.
وذكر بيان الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفتيش، أن العملية العسكرية التي تشنها السعودية وحليفاتها لن تؤدي إلى تسوية النزاع الأهلي في اليمن.
ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية عن يلينا سوبونينا، مستشارة مدير معهد الدراسات الاستراتيجية، الذي ينتمي للرئاسة الروسية، أن "السعودية كان بوسعها محاولة إقناع الحوثيين بإجراء حوار مع السلطة، ولكنها فضلت الحل العسكري".
كما نقلت الوكالة عن قسطنطين سيفكوف، الخبير بالعلوم العسكرية، ورئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية في موسكو، أنه "من غير المرجح شن عملية برية في اليمن لأن جاهزية الجيش السعودي ليست على أفضل حال" على حد زعمه.
إسرائيل لا تنتقد مساعدات روسيا لإيران
وفي وقت تنتقد فيه إسرائيل واشنطن على خلفية مُضيها في مسار التوقيع على اتفاق نووي مع طهران، فإنها تمتنع عن انتقاد موسكو التي تعد الطرف الرئيسي المعني بالملف النووي الإيراني، والشريك الأساسي لإيران، ومصدر تزويدها بالتكنولوجيا النووية، منذ أن وقعا اتفاقيتين عام 1992 للتعاون في مجال الطاقة النووية، وبناء محطة بوشهر.
وبحسب دراسة نشرتها مجلة "السياسة الدولية" العام الماضي، فإنه "عقب الانتهاء من محطة بوشهر وافتتاحها في سبتمبر/ أيلول 2024، تم التوصل إلى اتفاق مبدئي بين البلدين لبناء مفاعل آخر في محطة بوشهر النووية"، فضلا عن ترسيخ التعاون النووي بينهما.
علامات استفهام
وتطرح تلك الحقائق علامات استفهام حول طبيعة التحولات الإقليمية التي تحدث في المنطقة، والتي انتبهت إليها الدول العربية وبدأت في مواجهتها عسكريا للمرة الأولى، قبل حلول فجر الخميس الماضي.
وبحسب العديد من التقارير والدراسات، تطلق السياسة التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية (الحليف الأساسي لإسرائيل) العنان لتغلغل النفوذ الإيراني في المنطقة، في مقابل توقيع الأخيرة على الاتفاق النووي، الذي يكفل حقها عمليا في امتلاك هذه التكنولوجيا، في مقابل وقف العداء تجاه إسرائيل.
وتزعم إسرائيل أنها ترفض هذه السياسات، وأن إيران النووية تشكل خطرا وجوديا موجها إليها في الأساس. وفي الوقت نفسه تؤيد الموقف الروسي ذاته الذي يعارض عملية "عاصفة الحزم" التي تهدف بدورها إلى منع الحوثيين (أي إيران عمليا) من السيطرة على الممر البحري الحيوي في مضيق باب المندب، وبالتالي تطويق مصر والسعودية والخليج من الجنوب، فضلا عن إعادة الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يؤيده غالبية اليمنيين والمجتمع الدولي.