تقرير لافت للنظر نشرته الـ«بي بي سي» أخيراً حول تناقص أعداد الكتب المترجمة إلى الانكليزية، جاء بعنوان «لماذا تتراجع أعداد الكتب المترجمة إلى الإنكليزية؟». يذكر التقرير أن أعداد الكتب الأجنبية التي ترجمت قياسا إلى ما تنتجه المطابع من كتب بالانكليزية بلغ ما بين %2 و3% فقط. ويقرن التقرير بين هذه النسبة من الكتب المترجمة في الانكليزية وبين حال الترجمة في دول أخرى، قارن نسبة %2 و%3 من الناطقين باللغة الإنكليزية بالنسب الموجودة في فرنسا، حيث أن %27 من الكتب المنشورة هي كتب مترجمة. وإذا ما رأيت أن النسبة مرتفعة، فسوف يهمك أن تعرف أن النسبة في اسبانيا هي %28، وفي تركيا %40، وفي سلوفينيا هناك نسبة ضخمة تصل إلى %70.
وبالطبع يؤكد التقرير علاقة قضية الترجمة بالانفتاح الثقافي والعلاقة بالآخر في العولمة. ومن ثم يبدو وكأنه يدق جرس إنذار، محذرا من الانكفاء على الذات، ومنوها بحجم الافادة التي تعود على الثقافة المحلية من الترجمة عن لغات أخرى، فيختتم بالقول: «في عالم تزداد فيه العولمة، يصبح التواصل والتداخل الثقافي أمراً محتوماً، ليس ذلك فقط، بل يمكنه أن ينبض بالإثارة أيضاً. فوق ذلك، يجب علينا أن نحذر كي نحافظ على التنوع والأصالة اللاذعة التي تتناولها الأعمال الأدبية الخيالية.
في النهاية، يعود الفضل إلى الأعمال الأدبية المترجمة في أننا، نحن قراء اللغة الإنكليزية، تمكنا من قراءة العديد من الروائع الأدبية التراثية والحديثة التي أثرت معارفنا وخيالنا».
المفارقة التي يثيرها التقرير تكمن في تطبيقه على حال الترجمة في الوطن العربي، الذي أشار إليه أحد تقارير التنمية البشرية، والذي جاء فيه «إن مجموع ما يترجمه العرب سنويا يساوي خمس ما تترجمه اليونان، ولم يترجم العرب سوى 11000 كتاب منذ العصر العباسي (منذ ألف سنة) وحتى وقتنا الحاضر (أي وقت اصدار التقرير)». لكن على صعيد آخر كانت الكلمة التي ألقاها د. حسن حنفي (المفكر الكبير) في مركز تنوير في الكويت، حين تعرض إلى قضية الترجمة، مطالبا بالتوقف أو عدم الانشغال بالترجمة، والشروع في الانجاز ـ كانت هذه الكلمة دالة على عقل منكفئ على ذاته، شديد الحساسية تجاه الآخر، ينظر إلى ثقافته كنقيض ومنافس وليس كمكمل حضاري ضروري، وحوار انساني متصل. قضية الترجمة ليست قضية فرعية داخل إطار النشاط الثقافي، بل هي دالة على جوهر العقل الأخلاقي العربي واختبار لمدى جديته في قبول الآخر كجزء من تكوينه وضميره العام.
مهاب نصر