الترغيب في النصيحة ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
عن تميم الداري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( الدين النَّصِيحَة.
قلنا: لمن؟
قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )
قال الخطابي:
[ فمعنى النَّصِيحَة لله سبحانه، صحة الاعتقاد في وحدانيته،
وإخلاص النية في عبادته، والنَّصِيحَة لكتاب الله، الإيمان به والعمل بما فيه،
والنَّصِيحَة لرسوله، التصديق بنبوته،
وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه، والنَّصِيحَة لأئمة المؤمنين،
أن يطيعهم في الحقِّ، وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا،
والنَّصِيحَة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم ]
وقال النووي:
[ هذا حديث عظيم الشأن، وعليه مدار الإسلام…
وأما ما قاله جماعات من العلماء، أنه أحد أرباع الإسلام أي:
أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام فليس كما قالوه،
بل المدار على هذا وحده ]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( حق المسلم على المسلم ست.
قيل: ما هن يا رسول الله؟
قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه،
وإذا استنصحك فانصح له،
وإذا عطس فحمد الله فشمِّته وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه )
قوله: وإذا استنصحك فانصح له أي: إذا استشارك في عمل من الأعمال:
هل يعمله أم لا، فانصح له بما تحبُّه لنفسك. فإن كان العمل نافعًا من كلِّ وجه،
فحثه على فعله، وإن كان مضرًّا، فحذره منه، وإن احتوى على نفع وضرر،
فاشرح له ذلك، ووازن بين المصالح والمفاسد.
وكذلك إذا شاورك على معاملة أحد من الناس، أو تزويجه، أو التزوج منه،
فابذل له محض نصيحتك، وأعمل له من الرأي ما تعمله لنفسك،
وإيَّاك أن تغشه في شيء من ذلك. فمن غشَّ المسلمين فليس منهم،
وقد ترك واجب النَّصِيحَة. وهذه النَّصِيحَة واجبة مطلقًا،
ولكنها تتأكد إذا استنصحك، وطلب منك الرأي النَّافع،
ولهذا قيده في هذه الحالة التي تتأكد
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:
[ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة،
وإيتاء الزكاة، والنصح لكلِّ مسلم ]
قال العيني:
[ وقال الخطابي: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّصِيحَة للمسلمين
شرطًا في الذي يبايع عليه كالصلاة، والزكاة، فلذلك تراه قرنها بهما ]
قال المناوي:
[ أي: يبصر من نفسه بما لا يراه بدونه،
ولا ينظر الإنسان في المرآة إلا وجهه ونفسه، ولو أنه جهد كلَّ الجهد
أن يرى جرم المرآة لا يراه؛ لأنَّ صورة نفسه حاجبة له ]
وقال الطيبي:
[ إنَّ المؤمن في إراءة عيب أخيه إليه،كالمرآة المجلُوَّة
التي تحكي كلَّ ما ارتسم فيها من الصور، ولو كان أدنى شيء،
فالمؤمن إذا نظر إلى أخيه يستشف من وراء حاله تعريفات، وتلويحات،
فإذا ظهر له منه عيب قادح كافحه، فإن رجع صادقه ]
وقال العامري:
[ معناه كن لأخيك كالمرآة تريه محاسن أحواله، وتبعثه على الشكر،
وتمنعه من الكبر، وتريه قبائح أموره بلين في خفية، تنصحه ولا تفضحه،
هذا في العامَّة، أما الخواص فمن اجتمع فيه خلائق الإيمان،
وتكاملت عنده آداب الإسلام، ثم تجوهر باطنه عن أخلاق النفس،
ترقى قلبه إلى ذروة الإحسان، فيصير لصفائه كالمرآة،
إذا نظر إليه المؤمنون، رأوا قبائح أحوالهم في صفاء حاله،
وسوء آدابهم في حسن شمائله ]