نسمع كثيرا عبارة (استشيروهن وخالفوهن) ممن حولنا، ويدور جدل حول الأخذ برأي المرأة في المشورة، رغم أن المشورة شكلت عبر التاريخ احد عناصر القوة والتماسك في المجتمع الإسلامي، ولا شك أن حركة الإصلاح والتجديد الإسلامي تستلهم دوما النموذج الأرقى في التاريخ البشري، ولذا فإننا ننطلق في تأصيل هذا المبدأ إلى مرجعيتنا الشرعية، وقد تكاثرت الأدلة في حياة الأنبياء وعهد الصحابة في تأصيل هذا المبدأ بما لا يخفى على أحد.
يقول القاضي بدر الدين بن جماعة:" وما زالت المشورة من عادات الأنبياء، حتى إن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أٌمر بذبح ولده ومع ذلك لم يدع مشورته مع صباه…"،"تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام ص169"
وغير خافٍ أيضا المقاصد العظيمة من الشورى، وفي ذلك يقول ابن العربي الفقيه المالكي ، يقول في شرحه عن الترمذي ( أبواب الجهاد باب ما جاء في الشورى): ( المشورة فيها بركات منها الإقدام على معلوم بعد التحري والتثبت واتضاح الرؤية، ومنها تخليص الحق من احتمالات الخواطر، واستخراج عقول الناس، وتأليف قلوبهم على العمل).
وعلى قدر حاجاتنا إلى إشاعة ثقافة الشورى في جميع شؤون المجتمع ومرافقه ومؤسساته، نحتاج إلى أن نؤكد أن الشورى ليست خاصة بالرؤساء والأمراء والحكام، ولا بالحروب والسياسة وقضاياها، بل كان كل ذلك جزء من تطبيقات الشورى، فالشورى منهج للحياة، ومنهج للتفكير والتدبير، وللعلاقات والمعاملات.
ومن ذلك تصحيح النظرة التي نسبت إلى الإسلام في عدم الأخذ برأي المرأة في الشورى، فنحن المسلمين نوقن أن الأصل المعول عليه في كل خطاب شرعي، وفي كل عموم شرعي-إلا ما استثني بدليل خاص- أن موقع النساء في خطاب الشورى لا يختلف في شيء عن خطاب الرجال، إلا أن التطبيق في دور المرأة في الشورى فيه قصور.
ولعل أهم ما اشتهر من مسببات للتطبيق الخاطئ هو القول المنسوب إلى عمر ابن الخطلب رضي الله عنه "استشيروهن وخالفوهن" والناظر إلى هذا الأثر ـ مع أنه قد لا يصح سنده إلى عمر كغيره من الآثار التي تشتهر من غير تنقيب عن مدى صحتها- يجد انه يتعارض مع أصول النظرة الإسلامية للمرأة، ويبعد عن عمر- رضي الله عنه- أن يقول مثل هذا وهو من أصّل الشورى، وهو من استمع للمرأة وهو خليفة والقصة مشهورة.
إن إشاعة مثل هذا المفهوم معارضة للنظرة العادلة للمرأة في الإسلام، كما أن في السيرة النبوية الثابتة أبلغ رد على مثل هذه النظرة، وقصة مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجته أم سلمة قصة تاريخية وفاصلة في هذا الأمر بالنظر إلى الأزمة الخطيرة التي حلتها هذه المشورة وتعد تطبيقا عمليا في سيرة المصطفى للنموذج الصحيح في التعامل مع مشورة المرأة.
وقد جاء في القرآن أحوال لنساء وهن يستشرن الرجال ،ويشرن على الرجال، في سياق الإقرار:"قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري"، " قالت إحداهما يا أبتِ استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين"، وكل هذه المشورات نتج عنها بيان لدور المرأة في اتخاذ وصنع القرار.
ومجالس الشورى مجالس رأي وفكر، ومجالس تحليل وتقويم، واجتهادات وقرارات، وهذه الأمور من نافلة القول فيها أن من النساء من هن أكفأ من الرجال.
لعلنا بعد هذا نرفع تلك النظرة المسيئة نحو المرأة، ولا تمنعنا التطبيقات السلبية للتجارب النسائية المنسلخة من ضوابط لشرع، ولنكن أكثر صراحة في مواجهة الضغط الاجتماعي نحو التصحيح لمثل هذه الأفكار وتطبيقاتها.
نعم مثل هذا الأمر يحتاج إلى تدرج وتعقل ولكن لا بد من سلوك سبيل الحق، وقد يعجز الإنسان عن قول كل الحق، لكن لا يجوز له أن يقول غير الحق.
ولعله من المفيد ذكر امرأتين شاركتا في إبرام بيعة العقبة الثانية التي قامت دولة الإسلام على أساسها( أم عمارة نسيبة بنت كعب، و((أم المنذر))أسماء بنت عمرو بن عدي).
التشاور بين الزوجين :
الحياة الزوجية تقوم علي المشاركة بين الزوجين و لا سبيل لذلك إلا بالتشاور . و التشاور بين الزوجين يشيع روح المحبة و المودة و التفاهم و يبعث الثقة و الطمأنينة في النفس , كما أنه يشعر كل طرف بأن الطرف الآخر يحترم فكره و يقدره. و التشاور بين الزوجين مبدأ إسلامي أصيل هدفه الوصول إلي الرضي النفسي و الشعور بالاستقرار و المعايشة الوجدانية و تقارب الأفكار , كما أنه يهدف إلي ترسيخ مفهوم الشورى عند الأبناء .