النزاهة في السُّنَّة النَّبويَّة
عن النُّعمان بن بَشير رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما مُشَبَّهات، لا يعلمها كثير من النَّاس،
فمن اتَّقى المشَبَّهات، استبرأ لدينه وعِرْضه، ومن وقع في الشُّبهات،
كرَاعٍ يرعى حول الحِمَى، يوشك أن يُوَاقعه، أَلَا وإنَّ لكلِّ ملك حِمَى،
إذا صَلُحَت، صَلُح الجسد كلُّه، وإذا فَسَدَت، فَسَد الجسد كلُّه، أَلَا وهي القلب )
قال ابن رجب:
من اتَّقى الأمور المشْتبَهة عليه، التي لا تتبيَّن له: أحلال هي أو حرام؟
فإنَّه مُسْتَبرئ لدينه، بمعنى: أنَّه طالبٌ له البَرَاء والـنَّزَاهَة
مما يُدَنِّسه ويُشِينه .
وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما :
( أنَّ صفيَّة -زوج النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم- أخبرته:
أنَّها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه
ثمَّ قامت تَنْقلب، فقام النَّبي صلى الله عليه وسلم معها يَقْلِبها،
حتى إذا بلغت باب المسجد -عند باب أمِّ سَلَمة-
مرَّ رجلان من الأنصار، فسلَّما على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال لهما النَّبي صلى الله عليه وسلم: على رِسْلِكما،
إنَّما هي صفيَّة بنت حُيي.
فقالا: سبحان الله يا رسول الله! وكَبُر عليهما
فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الشَّيطان يبلغ من الإنسان
مبلغ الدَّم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا )
قال الماوردي:
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبعد خلق الله من الرِّيَب
وأصونهم من التُّهم… فكيف من تخالجت فيه الشُّكوك، وتقابلت فيه الظَّنون؟
فهل يَعْرى مَن في مواقف الرِّيَب مِن قادح محقَّق، ولائم مُصدَّق .
عن أبي الحوراء السَّعديِّ قال:
قلت للحسن بن عليٍّ: ما حفظت من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟
قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( دَعْ ما يُرِيبك إلى ما لا يُرِيبك..)
فالنَّزَاهَة أن نصون النَّفس عن مواقف الرِّيبة، ونتنزَّه عن مساوئ الأخلاق،
ونترفَّع عمَّا يُذَمُّ منها.
– عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال:
( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني،
ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني،
ثم قال: يا حكيم، إنَّ هذا المال خَضِرة حُلْوة، فمن أخذه بسخاوة نفس،
بورك له فيه، ومن أخذه بإشْراف نفس، لم يُـبَارك له فيه،
كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العُليا خير من اليد السُّفلى )
قال النَّووي:
قال العلماء: إشْراف النَّفس، تطلُّعها إليه، وتعرُّضها له، وطمعها فيه.
وأمَّا طِيب النَّفس، فذكر القاضي فيه احتمالين، أظهرهما:
أنَّه عائد على الآخذ، ومعناه: مَن أخذه بغير سؤال، ولا إشْراف وتطلُّع،
بورك له فيه. والثَّاني: أنَّه عائد إلى الدَّافع، ومعناه:
مَن أخذه ممَّن يدفع منشرحًا بدفعه إليه، طَيِّب النَّفس،
لا بسؤالٍ اضطرَّه إليه، أو نحوه ممَّا لا تطيب معه نفس الدَّافع .
وفي هذا الحديث: الحثُّ على النَّـزَاهَة والقناعة، والرِّضا بما تيسَّر،
وإن كان قليلًا، والإجمال في الكَسْب،
وأنَّه لا يغترُّ الإنسان بكثرة ما يَحْصُل له بإشْرافٍ ونحوه؛
فإنَّه لا يُبارك له فيه.