عواصم – وكالات – قال متعاملون في السوق إن أسعار النفط قد تهوي إلى 60 دولاراً للبرميل إذا لم تتوصل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إلى اتفاق على خفض كبير لإنتاج المنظمة في اجتماعها الذي يعقد في فيينا هذا الأسبوع.
وارتفعت أسعار النفط قبل اجتماع حاسم لمنظمة أوبك الخميس هذا الاسبوع للتباحث في إمكان الحد من الإنتاج، بحسب محللين.
وارتفع سعر برميل نفط غرب تكساس الاميركي لتسليم يناير بـ 31 سنتاً ليسجل 76.82 دولاراً خلال عمليات التبادل بعد الظهر، بينما ارتفع سعر برميل نفط برنت لتسليم يناير 37 سنتاً ليبلغ 80.73 دولاراً. وارتفع سعر سلة خامات «أوبك» بحدود دولار و39 سنتاً الى 75.42 دولاراً للبرميل.
وقال مديرو صناديق سلع أولية إنه قد يتراجع أكثر من ذلك إذا لم تتفق «أوبك» على خفض الإنتاج بما لا يقل عن مليون برميل يومياً.
وقال دانيال باث من صندوق لوبس ألفا كوموديتي انفست: سيشكك السوق في مصداقية «أوبك» وتأثيرها على أسواق النفط العالمية إن لم تخفض الإنتاج.
وأشار إلى أن ذلك قد يهبط بسعر برنت إلى نحو 60 دولاراً، لافتاً الى ان سلوك القطيع ورجحان كفة مراكز المضاربة على انخفاض الأسعار قد يؤدي إلى تسارع الاتجاه النزولي.
وانقسم مديرو الصناديق بشأن توقعات التوصل إلى اتفاق على خفض الإنتاج، وقال باث إن احتمال حدوث ذلك لا يتجاوز 50 في المئة.
وتتراجع أسعار النفط منذ الصيف نظراً لوفرة المعروض، ويرجع ذلك لأسباب منها: إمدادات النفط الصخري من أميركا، وتباطؤ نمو الطلب، لا سيما في أوروبا وآسيا.
ونتيجة لذلك يعتقد بعض المستثمرين أن الخفض المحدود للإنتاج بواقع نحو 500 ألف برميل لن يكون كافياً لطمأنة الأسواق.
ضغوط على الدول الضعيفة
من جهته، توقع دوغ كينغ مدير الاسثتمار في آر.سي.إم.إيه كابيتال أن ينزل برنت إلى 70 دولاراً حتى مع خفض الإنتاج بواقع مليون برميل يومياً.
وقال: إذا لم تتفق «أوبك» على الخفض ستنخفض الأسعار أكثر وبسرعة كبيرة، ان الخام الأميركي قد ينزل إلى 60 دولاراً.
وأغلق الخام الأميركي يوم الجمعة عند 76.51 دولاراً للبرميل في حين ارتفع برنت قليلاً فوق 80 دولاراً.
وفي الوقت الذي تجد فيه الدول الأعضاء في المنظمة صعوبة في الموازنة بين الإيرادات والمصروفات في ميزانياتها سيضغط عدد كبير منها لخفض الإنتاج.
وقال نيكولاس روبن مدير صناديق السلع الأولية في ثريدنيدل: هبوط الأسعار عن 80 دولاراً يضع ضغوطاً هائلة على أضعف الدول الأعضاء في المنظمة مثل فنزويلا.
وذكر أن من المستبعد الاتفاق على خفض كبير يصل إلى مليون برميل أو أكثر ولكن مثل هذه الخطوة ستدفع الأسعار فوق 85 دولاراً سريعاً.
وقال دوج هبورث من «غريشام انفستمنت مانجمنت»: هناك حاجة لخفض كبير يفوق التوقعات (بواقع مليوني برميل على سبيل المثال) كي تصعد الأسعار إلى 80 دولاراً من جديد.
وشاعت نظريات المؤامرة في السوق بشأن سبب إحجام السعودية عن التدخل. ولمح الكاتب توماس فريدمان في مقال بصحيفة نيويورك تايمز إلى حرب نفط عالمية بين اميركا والسعودية من جهة وروسيا وإيران من جهة أخرى.
وذكر توم نلسون من صندوق انفستيك غلوبل انرجي أن السعودية سمحت بنزول الأسعار لحث صغار المنتجين في أوبك (الذين يعتمدون غالبا على تدخل أكبر المنتجين) على الانضمام للرياض في خفض الانتاج.
وقال: تريد السعودية خفض الإنتاج ولكن لا تريد تحمل العبء وحدها، وخفض الإنتاج بما يتراوح بين مليون و1.5 مليون برميل يوميا سيكون كافيا لتحقيق التوازن في السوق.
وأضاف: تريد السوق حقا أن ترى أن «أوبك» ما زالت فاعلة، إذا كان هناك خفض محدود مصحوب ببيان يظهر تلاحم «أوبك» واصطفافها في جبهة موحدة، وحديث عن توقع تعافي الطلب ونمو المعروض بقدر معتدل فإن برنت قد يرتفع إلى ما بين 80 و90 دولارا.
الامارات
قال وزير الطاقة الإماراتي سهيل بن محمد المزروعي إن الدول أعضاء منظمة أوبك ستتعامل مع الانخفاض الحالي في أسعار النفط وستتخذ القرار المناسب.
ولم يوضح المزروعي، بحسب وكالة أنباء الإمارات الرسمية، عن طبيعة أو نوعية القرار الذي ستتخذه منظمة البلدان المصدرة للبترول أثناء اجتماعها في فيينا في 27 من نوفمبر.
واضاف: إن انخفاض أسعار الخام لن يشكل كارثة لدولة الإمارات، مشيرا إلى أن البلاد تمكنت من تنويع مصادر الدخل وتقليل اعتمادها على النفط.
مرحلة جديدة
وعكس التراجع الكبير في اسعار النفط منذ الصيف تغييرات هيكليّة مهمة في السوق النفطية التي تدخل حقبة يسجل فيها العرض نموا اقوى من الطلب.
ويجمع كل المراقبين على الاقرار بان السوق النفطية دخلت مرحلة جديدة، وتحدث مصرف كومرتسبنك الالماني عن تغيير في النموذج، فيما اشار مصرف الاعمال الاميركي غولدمان ساكس الى نظام نفطي جديد، ووكالة الطاقة الدولية الى فصل جديد في تاريخ الاسواق النفطية.
واوردت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري الاخير ان سنوات الاسعار المرتفعة (كان سعر نفط برنت يتراوح بشكل اجمالي بين 100 و120 دولارا منذ 2024) اتاحت لتكنولوجيات مبتكرة تحرير موارد هائلة في اميركا وربما ايضا في اماكن اخرى قريبا.
والمثال الابرز على ذلك هو أميركا، التي انتقلت من متوسط انتاج قدره خمسة ملايين برميل في اليوم عام 2024 الى حوالي 8.4 ملايين برميل في اليوم خلال الاشهر الثماني الاولى من هذه السنة بفضل استغلال النفط الصخري.
ومن المتوقع ان يصل هذا الانتاج الى 9.5 ملايين برميل في اليوم عام2020، وهذا النمو الهائل يوازي وفق حسابات خبراء الاقتصاد في «كومرتسبنك» وصول منتج جديد للنفط بحجم العراق وقطر معا الى السوق.
واوضح ادوارد موس من شركة سيتي غروب الاميركية ان نمو الانتاج الاميركي اصبح عاملا جيوسياسيا حاسما في الاسواق النفطية، وصنفت أميركا هذه السنة في المرتبة الاولى بين منتجي المحروقات السائلة في العالم، متقدمة على السعودية التي كانت تتصدر تاريخيا هذه القائمة.
وتظهر تبعات نمو الانتاج الاميركي بشكل غير مباشر، اذ تخفض بشكل حاد حاجات الولايات المتحدة الى الاستيراد، وترغم مزوديها على البحث عن اسواق اخرى، ما يحرك الصراع على حصص الاسواق في مواقع اخرى من العالم.
واوضح اولي هانسن المحلل لدى «ساكسو بنك» ان ارتفاع الانتاج الاميركي تأخر حتى يؤثر في اسعار النفط، لانه بقي لفترة طويلة محجوبا بفعل انقطاع الانتاج في انحاء مختلفة من العالم ولا سيما في ليبيا.
وقال خبراء مكتب كابيتال ايكونوميكس: نعتقد ان اسعار النفط المتدنية ستدوم.
غير ان هذه المرحلة الجديدة لن تستمر عشرين عاما برأي رئيس «بيلاكو كابيتال» الذي اوضح اننا نرى منذ الان بوادر المرحلة التالية: مع تراجع الاسعار سنشهد ظاهرة تكيف معاكسة تماما للظاهرة التي نشهدها في مرحلة الارتفاع، اي تباطؤا في الاستثمارات في القدرات الجديدة ثم انتعاش الطلب بفضل اسعار ادنى بكثير.