تخطى إلى المحتوى

الهيكلة” القشّة التي قصمت ظهر الجيش اليمني

الهيكلة”.. القشّة التي قصمت ظهر الجيش اليمني
خليجية

عدن- تعرض الجيش اليمني منذ متصف تسعينيات القرن الماضي إلى هزّات شديدة، أفقدته قدرته على التأثير، وأدّى تراكمها، دون معالجات، إلى غياب شبه كامل لدور الجيش، فيما ازدهر نشاط الجماعات المسلحة، وعلى رأسها مليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة.

فإلى جانب ما أصاب الجيش من عملية إضعاف إبان حرب صيف 1994 التي شنها نظام الرئيس السابق "علي عبدالله صالح" ضد الجنوب اليمني المطالب بالانفصال، فقد كانت نتائج حسم "صالح" لتلك المعركة كارثية، إذْ تبعها إقصاء العسكريين الجنوبيين من وظائفهم، ودمج الألوية الجنوبية ضمن الألوية الشمالية لضمان ولائها، ومنع أي تمرد قد يحدث.

فالجيش الذي تتوزع ألويته ما بين ألوية المشاة والمدرعات والقوات الخاصة وألوية الصواريخ وسلاح الجو والقوات البحرية، عصفت به كارثة تعدد الولاءات، وإلى ما قبل 2024 كانت تتوزع غالبية هذه الألوية بين الحرس الجمهوري بقيادة العقيد "أحمد علي عبدالله صالح" نجل الرئيس السابق "صالح، والفرقة الأولى مدرع بقيادة اللواء "علي محسن الأحمر".

وفي الـ 18 مارس/ آذار من العام 2024، وفي ذروة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام "صالح"، حدثت انشقاقات واسعة في الجيش، أبرزها انضمام اللواء "علي محسن الأحمر"، قائد الفرقة الأولى مدرع بالجيش اليمني إلى الثورة، معلناً تأييده ودعمه، وضباط وأفراد قواته لثورة الشباب السلمية ومطالبها.

وبقدر الحماية التي قدمتها القوات التابعة لـ"محسن" للشباب السلميين في ساحة التغيير، إلا أنها كانت بداية حقيقية لانقسام الجيش، إذْ بات هناك جيشان، جيش الثورة، وجيش نظام "صالح" الذي يستميت في الدفاع عن النظام السابق، وعلى رأس هذا الجيش الحرس الجمهوري الذي يقوده نجل صالح.

بقي تعدد الولاءات والقيادات، بحسب المتابعين، يمثّل إشكالية حقيقية حتى بعد تنحي صالح عن الحكم، وضغط "ثوار فبراير" باتجاه الهيكلة التي تعني إقالة أقارب "صالح" من قيادة الجيش والأمن، وتوحيد الجيش وإنهاء انقسامه؛ وكان الهدف الأبرز الذي ينشدونه، حسب اطروحاتهم، هو وأد حالة الانقسام والاستقطاب السياسي والاجتماعي الحاد، باعتبار الجيش هو من يلعب دور الضامن الوحيد للاستقرار، والحفاظ على وحدة البلد وحماية مصالحه العليا.

استغل الرئيس هادي مشروع الهيلكة في ابعاد أقارب صالح من قيادة الجيش والأمن، لكنه اصطدم بعدة عراقيل، حالت دون استكمال مشروع إصلاح مؤسسة الجيش، كما كان مخططاً له، لا بل إن قرارات "هادي" ذهبت باتجاه ابدال رجاله مكان رجال "صالح"، وهو ما أحبط مشروع الهيكلة، الذي كان بإمكانه، لو لم تنحرف بوصلتُه عن هدفها، أن يُعيد للجيش اليمني عافيته، وأن يخلّصه من الاستقطاب السياسي والاجتماعي، الذي مارسه "صالح" طيلة فترة حكمه الــ33 عاماً.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، أصدر هادي قراراً جمهورياً بتعيين قائد جديد للواء الأول حماية رئاسية هو العميد "صالح الجعيملاني" المحسوب عليه ومن نفس محافظته "أبين" الجنوبية، بدلاً عن العميد "عبدالرحمن الحليلي"، والأخير من القادة الشماليين البارزين في الجيش اليمني ويحظى بنفوذ كبير في أوساطه.

ووفق الرائد "حسن فرحان بن جلال"، مدير مركز التصنيع الحربي في الحرس الجمهوري سابقاً، فإن القيادات العسكرية الجديدة بعد 2024، همّشت دور القوات المسلحة وسلبتها حقوقها، حتى وصل الأمر إلى أن يتظاهر الجنود أمام بوابات معسكراتهم طلباً لهذه الحقوق المنهوبة؛ وهذا أحد الأسباب التي أصابت الوحدات العسكرية بالاحباط من أن القيادة السابقة، على علاّتها، هي أفضل بكثير من القيادة الحالية".

ويعتقد "بن جلال" أن نفوذ الرئيس السابق ما يزال كبيراً، لأن طبيعة الجندية أن هي أن تتعلّق بالقائد الذي يقدّرها، وبلا شك كان صالح عكس القيادات الحالية، من حيث الاهتمام بالجانب العسكري وما يحتاجه".

و أشار إلى أن "مشروع الهيكلة كان جيداً، وصرفت عليه ملايين الدولارات، وخضع لدراسات معمّقة من قبل الخبراء، لكنه كان يفتقد إلى القائد القوي الذي يحوله إلى واقع على الأرض، وليس فقط مجرد شعارات للاستهلاك".

وعلى ما يبدو، فإن الهيكلة التي أقرّها مؤتمر الحوار الوطني كانت بمثابة "القشّة" التي قصمت ظهر الجيش اليمني، الذي يعاني أصلاً تمزّقاً حاداً في جسده، ليأتي بعدها تمدد المسلحين الحوثيين على وطن، ليس من المبالغة القول بأنه بلا جيش.

وفي التاسع من يوليو/تموز من العام 2024، أحكم الحوثيون قبضتهم على اللواء 310 وقتلوا قائده، اللواء "حميد القشيبي"، ونهبوا سلاحه، وقتلوا العشرات من جنوده؛ وفي الــ 23 من الشهر ذاته كان مئات الآلاف يشيّعون جثمان القشيبي في صنعاء، بينما كان الرئيس "هادي" يُعلن من المدينة التي قُتل فيها القائد "القشيبي" أن "عمران عادت إلى سيطرة الدولة"؛ ليضيف هذا الإعلان، حسب مراقبين، صفعة أخرى في وجه الجيش الذي تتهاوى قوته.

وحين اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء في الـ21 من سبتمبر/ أيلول الماضي، راحوا يتلمّسون أماكن تواجد قوات الفرقة الأولى مدرّع بقيادة اللواء "علي محسن الأحمر" ودارت معارك محدودة، أستطاعت الجماعة بعدها، وبتواطؤ من الوحدات العسكرية الأخرى، أن تنهب معدات الفرقة المدرعة، استناداً إلى إرث قديم من الصراع باعتبار الفرقة الأولى هي من قاتلت الحوثيين إبان الحروب الستة في صعدة بين 2024 – 2024.

ووفق مراقبين، فإن الرئيس السابق "صالح" ما يزال يحتفظ بنفوذه في القوات المسلحة، خصوصاً معسكرات "الحرس الجمهوري" التي كانت تحت إمرة نجله أحمد، وقوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقاً) التي كان نجل شقيقه "طارق محمد صالح" يقودها، وهي اليوم بحسب الكثير من الشواهد، تتواطأ مع الحوثيين، إن لم تشاركهم المعارك ضد القبائل، في أكثر من جبهة قتالية يخوضها الحوثيون.

ويرى الخبير العسكري والإستراتيجي اليمني، "عبدالله الحاضري"، أن الإشكالية الحقيقة التي كان يعاني منها الجيش اليمني، وما يزال، هي انه جيش بدون قيم معنوية ولا يرتكز على مشروع حضاري، ومن السهولة بمكان التحكم بعقيدته القتالية وفقا لطبيعة المستجدات الطارئة.

وأضاف "الحاضري"، ، أنه "لم يكنْ لدى الجيش اليمني أي هدف إستراتيجي، أومشروع حضاري، يحمي الأمة على غرار جيوش العالم، فقد كان يخضع لميول المسيطرين عليه على كل المستويات السياسية والمناطقية، وغيرها".

واعتبر "الحاضري" عملية الهيكله بمثابة "المؤامرة" على الجيش، إذْ أقصت القيادات الوطنية من خارطته، وجعلته مهيئاً ليكون "بندقية للايجار". حد تعبيره

وأشار إلى أن "ألوية الحرس الجمهوري، والقوات الخاصة، والأمن المركزي، تم تأسيسهما على أساس ولائي خاص بالرئيس السابق "علي عبدالله صالح"، اما بقية الوحدات فقد تعرضت للتهميش الممنهج، وبقيت لتقتات فقط".

وحول الصراع الدائر اليوم، قال "الحاضري" إنه صراع على أساس فكري وليس مناطقي، والمشروع الحوثي هو الذي يصنع جوانب المعركة، ومحاورها وأشخاصها".

ويبلغ تعداد القوات المسلحة اليمنية، حسب إحصاءات غير رسمية، نحو 100 ألف عنصر، منهم ستون ألفاً في طور الخدمة، وأربعون ألفاً في الاحتياط، ويبرز الحرس الجمهوري كقوة نوعية، إذ يمتلك 23 لواء موزعة على المدفعية والدبابات والمدرعات ومشاة الميكانيك، والدفاع الجوي، ألوية الصواريخ، قوات خاصة، حرس رئاسي، قوات مكافحة الإرهاب.

وتقول هذه الإحصائيات إن اجمالي الانفاق العسكري بين الأعوام 1990-2008 بلغ حوالى عشرين مليار دولار، مثّلت فيها روسيا مصدراً مهماً لهذه الأسلحة.

وفيما يخص القدرات التسليحية، فإن اليمن يمتلك 665 قطعة مدفعية، 790 دبابة قتال، منها 110 دبابة حديثة، ألف آلية مدرعة من صنوف مختلفة، 4 زوارق صاروخية، 16 زورقاً عادياً، 6 زوارق برمائية؛ إضافة إلى 44 طائرة تدريب وهجوم خفيفة، 70 طائرة نقل حديثة، 27 مروحية هجومية، أكثر من عشرين مروحية متعددة المهام.

وتمكن اليمن خلال العقود الأخيرة من تأسيس العديد من الكليات والمعاهد العسكري، أبرزها كلية الطيران والدفاع الجوي، الكلية الجوية، كلية القيادة والأركان، معهد الاتصالات العسكري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.