السؤال
توجد عندنا أرض زراعية يقال عنها إنها وقف قاري، ومن أراد أن يستثمر هذه الأرض فعليه أن يقرأ يوميا ثلاثة أجزاء من القرآن بعد صلاة العصر في المسجد، فما حكم هذا الوقف؟ وهل إذا استثمره أكثر من شخص تقسم عليهم القراءة بحيث يقرأ كل يوم واحد منهم؟ وإذا كان هناك شخص لا يجيد إلا قراءة أجزاء محددة يكررها فقط، وهل تجوز القراءة في غير المسجد؟ أم يعتبر ذلك مخالفا للوقف؟ وهل إذا أرادت امرأة أن تأخذ من هذا الوقف وتقرأ في بيتها يصلح لها ذلك؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالوقف كما عرفه ابن حجر الهيتمي رحمه الله: هو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه لقطع التصرُّف في رقبته على مصرف مباح.
وقال ابن قدامة: هو تحبيس الأصل، وتسبيل الثمرة.
وإذا شرط الواقف شرطا فجمهور أهل العلم يرون لزوم اعتبار شرطه ومراعاته ما لم يخالف الشرع، للقاعدة الفقهية: شرط الواقف كنص الشارع ما لم يخالفه ـ يقول خليل المالكي في مختصره: واتبع شرط الواقف إن جاز.
وجاء في الموسوعة الفقهية: لو قيد الواقف الانتفاع بالوقف بشروط محددة, فالجمهور على أنه يرجع إلى شرط الواقف، لأن الشروط التي يذكرها الواقفون هي التي تنظم طريق الانتفاع به, وهذه الشروط معتبرة ما لم تخالف الشرع. اهـ.
وفي حاشية الجمل: يجب العمل بشرط الواقف ما لم يناف الوقف أو الشرع. اهـ.
والشرط المذكور من أن يقرأ المنتفع بالوقف يوميا ثلاثة أجزاء من القرآن بعد صلاة العصر في المسجد، شرط مختلف في مشروعيته، ومما بني عليه المنع مسألة الأجرة مقابل القراءة، لأن القارئ هنا أجير مقابل منفعة الأرض، وفي فتاوى دار الإفتاء المصرية أيضا: ما جعلته الواقفة للقراء لا يصح صرفه إليهم، لأن يكون استئجارا على قراءة القرآن وهو غير جائز.
لكن قد ذهب كثير من الفقهاء إلى مشروعية هذا النوع ولزوم مراعاة شرط الواقف، ففي الحاوي للسيوطي: سئل عن رجل وقف مصحفا على من يقرأ فيه كل يوم حزبا ويدعو له وجعل له على ذلك معلوما من عقار وقفه لذلك، فأقام القارئ مدة يتناول المعلوم ولم يقرأ شيئا ثم أراد التوبة، فما طريقه؟ الجواب: طريقه أن يحسب الأيام التي لم يقرأ فيها ويقرأ عن كل يوم حزبا، ويدعو عقب كل حزب للواقف حتى يوفي ذلك.
وفي فتاوى النووي: وقف وقفًا على من يقرأ كل يوم جُزْءًا من القرآن قراءة مرتلة، ما حدُّ المرتلة؟ الجواب: أنها تُعْرف بالعرف، وتقريبها أنها قراءة مبيَّنة فيها تمهل.
هكذا أجاب ولم ينكر ذلك الوقف، وفي فتاوى الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ما يقتضي إقرار مثل هذا الوقف، إذ قال: ما ذكره جدك من كونه يوقف على من يقرأ ختمة على رأس كل سنة، فإن الأولى أن يصرف إلى ما هو أفضل من ذلك، يصرف في عمارة المساجد، ويصرف في طبع الكتب النافعة، ويصرف في الإنفاق على طلبة العلم الفقراء وما أشبه ذلك من طرق الخير التي هي أفضل مما ذكره هذا الواقف.
ولم يقل ببطلانه، وعلى هذا يكون الوقف صحيحا وعلى مستثمر الوقف مراعاة شرط الواقف، ومن يجيد قراءة أجزاء محددة له أن يكرر الأجزاء التي يحفظها كل يوم، لعدم تضمن نص الشرط ما يمنع من ذلك، بل جاء في تحفة المحتاج: ومن شرط له قراءة جزء من القرآن كل يوم كفاه قدر جزء ولو مفرقا.
وأما المرأة تقرأ في بيتها، فذلك على خلاف شرط الواقف، فلا يصح, ولو اشترك جماعة في استثمار الوقف فليقرأ كل منهم الأجزاء الثلاثة ولا توزع بينهم، لأن الشرط يقتضي قراءة المستثمر للأرض لثلاثة أجزاء؛ كما هو الظاهر.