تسارعت الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية في الساحة الداخلية التركية لتشهد عودة للعمل المسلح من قبل قوى يسارية بعد أعوام من الهدوء النسبي.
آخر تلك الحوادث المسلحة وقعت مساء أمس الأربعاء؛ إذ ألقت عضو منظمة "حزب التحرير الشعبي الثوري" (DHKP-C) المواطنة التركية، أليف سلطان كلسن، قنبلتين، انفجرت إحداها بينما لم تنفجر الأخرى، عند البوابة الرئيسية لمديرية الأمن، في إسطنبول، كبرى المدن التركية، ثم فتحت النيران على رجال الأمن الموجودين بالمكان، ما اضطرهم إلى الرد عليها فأردوها قتيلة، وأُصيب في الهجوم عنصران من الشرطة.
وجاء الحادث بعد يوم واحد من مصرع المدعي العام، محمد سليم كيراز، المسؤول عن قسم جرائم الموظفين في النيابة العامة في إسطنبول، غرب البلاد، والذي لقي مصرعه متأثراً بجراحه إثر إصابته بعد اختطافه، يوم 31 آذار/مارس الماضي، في القصر العدلي.
حملة أمنية موسعة ضد المنظمة
وشنت السلطات التركية، مساء أمس الأربعاء، حملة اعتقالات موسعة ضد عناصر ومقرات المنظمة، في إسطنبول، بمشاركة عناصر من قوات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، وأسفرت الحملة عن اعتقال عدد كبير من المشبوهين.
واتخذت قوات الأمن تدابير مشددة عند وصولها إلى الشوارع الكائنة فيها العناوين المحددة سابقاً، وتم نقل المعتقلين إلى مديرية الأمن في إسطنبول.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن "من يستهدفون الاستقرار والرفاهية في هذه الدولة، لن يصلوا إلى مرادهم بإذن الله تعالى… وهذه الأحداث توضح لنا أنه ما زال هناك بعض التدابير التي يتعين علينا اتخاذها، وتقتضي منا أن نكون أكثر دقة وحساسية".
من هو حزب التحرير الشعبي الثوري (DHKP-C)؟
يُعد الحزب الذي يتبنى نهج "الكفاح المسلح" فرعاً من حركة ماركسية لينينية، أُنشئت عام 1978 تحت اسم ديف سول (اليسار الثوري)، وتصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون، على أنه "منظمة إرهابية"، كانت مسؤولة عن عدد من الهجمات؛ مثل اغتيال سياسيَين اثنين عام 1980، وعدد من ضباط الاستخبارات، وأعلن حزب التحرير الشعبي الثوري انشقاقه عن الحركة الماركسية في تسعينيات القرن العشرين.
وخلال الأعوام الماضية ابتعدت الحركة عن الأضواء نسبياً، ولم ترقَ أعمالها المسلحة، إلى مستوى العمل المسلح الذي كان يتبناه حزب العمال الكردستاني (بي كي كي).
وخلال العامَين الماضيَين عادت المنظمة لتصعّد من هجماتها؛ ففي العام 2024 نفّذ أحد أعضائها عملية انتحارية على مجمّع السفارة الأمريكية في العاصمة التركية أنقرة، أسفر عن مصرع حارس أمن تركي.
وأعلنت المنظمة في العام ذاته؛ مسؤوليتها عن هجمات صاروخية غير قاتلة، استهدفت مقرات لحزب "العدالة والتنمية" ذي الجذور الإسلامية الحاكم في تركيا منذ العام 2024، ومقرات للشرطة، ومبنى وزارة العدل في أنقرة.
ومنذ وفاة أحد مؤسسي المنظمة، دورسون كراطاش، عام 2024، لم تعد إلى قوتها السابقة وتأثيرها في الساحة الداخلية التركية، إلا أن تقارير محلية تفيد بأن عناصرها يسعون إلى تنظيم صفوفهم والعودة بقوة للعمل المسلح، لتحقيق أهدافهم.
ويتهم الحزب الحاكم والمقربون منه منظمة "حزب التحرير" بتنفيذ أجندة أجنبية، وأنها لا تعدو كونها "أداة بيد أجهزة الاستخبارات، لتنفيذ هجمات تخدم مصالحهم".
وسبق أن أعلنت المنظمة مسؤوليتها عن هجومَين وقعا العام الحالي؛ كان أولهما محاولة فاشلة لمهاجمة موظفي أمن خارج قصر عثماني في مدينة إسطنبول، تبعه إطلاق نار من قبل شخص مسلح على رجال شرطة في ميدان تقسيم في كانون الثاني/يناير الماضي، ولم يتعرض أحد لإصابة في الهجومَين.
وحمّلت الحكومة التركية، المنظمة، مسؤولية الهجوم على مكتب إحدى المجلات، الذي أسفر عن مقتل كاتب وإصابة ثلاثة آخرين، على الرغم من عدم تبنّي المنظمة للعملية.
وتسعى المنظمة إلى كسب التأييد الشعبي، من خلال تبنيها لقضايا حساسة، تمس الطبقات الفقيرة، بالإضافة إلى دعمها للمظاهر الاحتجاجية التي اجتاحت تركيا عام 2024، وعرفت باسم "مظاهرات ميدان غزي".
حزب التحرير الشعبي الثوري والقضية الكردية
على الرغم من الخلفية اليسارية التي تجمع الحزبَين المعارِضَين لأنقرة، فإن منظمة "حزب التحرير" لا ينحدر عناصرها من قومية واحدة، كما هو الحال في حزب العمال الكردستاني الذي يعود معظم عناصره إلى أصول كردية.
وتتهم وسائل إعلام محلية، حزب التحرير الشعبي "بارتكاب جرائم ضد ضباط في الجيش التركي" وإلصاقها بحزب العمال الكردستاني.
وفي حين نجح حزب التحرير في كسب عداوة الولايات المتحدة الأمريكية، لمناهضته لسياساتها عالمياً، واتخاذها تركيا "بؤرة لتنفيذ مخططاتها في المنطقة"، يركز حزب العمال الكردستاني جهوده على القضية الكردية.
وعلى عكس "الكردستاني"، الذي أفلحت حربه مع أنقرة إلى الحصول على مكاسب سياسية، كتدويل القضية الكردية، وانتزاع بعض المطالب الكردية الثقافية، وأخيراً عملية السلام التي بلغت مراحل متقدمة نسبياً على الرغم من تعثرها بين الحين والآخر، إلا أن "حزب التحرير" لم يجنِ من حمله للسلاح أي مكاسب سياسية تُذكر، مع انعدام أي رؤية لتسوية سلمية قريبة.