لندن – أ ف ب – بعد عام استثنائي شهد انهيار أسعار النفط بنحو %50، من المتوقع أن تبقى أسعار النفط خلال عام2020 في مستويات متدنية من شأنها أن تؤجج التوترات الجيوسياسية.
وبعدما كانت أسعار النفط في تراجع قوي منذ الصيف، سجّلت المزيد من التدني مع قرار منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في نوفمبر إبقاء سقف إنتاجها بمستوى 30 مليون برميل في اليوم، فسجّلت هبوطاً إلى نحو 60 دولاراً للبرميل، أدنى مستوياتها منذ 2024.
وبتمسكها بمستوى إنتاجها، أرادت منظمة أوبك توجيه رسالة مفادها أنها لن تستمر في تحمل وحدها عبء تخفيض الإنتاج من أجل الأسعار التي تعاني من فائض في العرض يفوق الطلب.
وجاء تراجع الأسعار نتيجة عدد من العوامل المتزامنة، منها ثورة النفط الصخري أو الشيست في الولايات المتحدة، حيث تسجّل فورة في الإنتاج، وعودة عدد من الدول المنتجة إلى الأسواق مثل ليبيا، وضعف الاستهلاك على خلفية نمو اقتصادي متباطئ في الصين ومنعدم في أوروبا، وغيرها.
ومن المتوقع أن تبقى أسعار النفط ضعيفة عام2020، بسبب استمرار الفائض في العرض العالمي، مما يمكن أن يؤجج الخلافات بين الدول المنتجة بدءاً ببلدان أوبك.
وتدعو فنزويلا إلى تخفيض إنتاج أوبك، فيما تعارض السعودية ذلك رافضة الاستمرار في تحمل القسم الأكبر من الوعود بتخفيض إنتاج الكارتل.
كما يتوقع أن يؤدي تراجع أسعار النفط إلى زيادة حدة التوتر داخل الدول التي تعتمد على العائدات النفطية مثل العراق، حيث حذّر خبير الشؤون الجيوسياسية في شركة إنرجي أسبكتس ريتشارد مالينسون من أنه في حال تدهور الاقتصاد، فإن ذلك قد ينعكس سلباً عن الحكومة التي تحاول التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية.
وسيزداد الوضع تعقيداً في حال تصاعد النفوذ الإيراني، وقال الخبير أوليفييه جاكوب من شركة بيتروماتريكس إن «إيران تكتسب المزيد من النفوذ، وهذان البلدان معاً قد ينافسان إنتاج السعودية خلال السنوات المقبلة».
غير أن كل ذلك يبقى مجرد احتمالات، لأن الكونغرس الأميركي قد يعمد إلى تشديد العقوبات الدولية المفروضة على طهران التي خفضت صادراتها النفطية بمقدار النصف.
غير أن ميزان العرض والطلب قد يبدأ بالتكافؤ في حال بدأ انخفاض الأسعار يؤثر على العرض ويشجع الطلب. ومن المتوقع بصورة خاصة أن يدفع تدني الأسعار المنتجين إلى إعادة النظر في استثماراتهم، وقال خبراء كومستزبنك إن انخفاض الأسعار «سيؤثر بشكل حازم على ربحية الكثير من المنتجين الأميركيين».
وسجّل الإنتاج الأميركي زيادة كبرى في السنوات الماضية بفضل نفط الشيست الذي تعتبر كلفة استخراجه أعلى وتشير الأرقام إلى أن عدد التراخيص الجديدة بدأ يتراجع في الخريف، ولو أن البلاد تشهد تباطؤاً في نمو الطلب وليس تراجعاً للطلب.
في المقابل، يرى مالينسون أنه «ليس من المستبعد أن تخفض أوبك إنتاجها»، بشرط أن تتخذ الدول المنتجة خارج أوبك قراراً مماثلاً. ويبقى تراجع الإنتاج احتمالاً مطروحاً، سواء في دول أوبك أو دول خارج أوبك. ففي فنزويلا أثار تراجع العائدات النفطية توتراً شديداً في الأجواء الاجتماعية والسياسية. أما روسيا التي أضعفتها العقوبات الغربية وانهيار سعر الروبل، فقد تعمد إلى تخفيض إنتاجها لعدم توافر الاستثمارات.
وعلى صعيد الاستهلاك، فإن تراجع الأسعار يفترض أن يشجع الطلب ويزيد من كثافة حركة النقل البري والجوي، ولو أدى ذلك إلى زيادة انبعاثات الغازات المسببة للاحترار، قبل لقاء دولي حاسم حول الاحتباس الحراري في نهاية2020 في باريس. كذلك يتوقع مصرف باركليز تسارع زيادة الطلب الصيني على النفط العام المقبل، إذ سيغتنم المستهلك الأول للخام في العالم تدني الأسعار لزيادة مخزونه. ولكن بصورة إجمالية حذّر فؤاد رزق زاده من شركة فوركس.كوم من أنه «قد تنقضي أشهر بل ربما سنة قبل أن يظهر تأثير انخفاض الأسعار على الاقتصاد العالمي»، لا سيما مع الغموض المحيط بالنمو الاقتصادي العالمي.
وحتى لو أدى تراجع الأسعار إلى تحفيز الاستهلاك، فإن مستوى مخزونات النفط مرتفع إلى حد أن التأثير على أسعار النفط لن يظهر قبل النصف الثاني من2020 برأي مالينسون.