تخطى إلى المحتوى

ترجمة الاحساس

ترجمة الاحساس

تجد صعوبة في ترجمة الإحساس إلى لغة ، بينما يقال أن اللغة هي وعاء التفكير ، و معنى هذا أن العقل يختلف عن الإحساس ؛ فالإحساس تفهمه من دون كلمات الشخص ، فيكمـّل الشخص كلامه و لكنك تفهم مقصده دون أن يكمل أصلاً ، هذه هي البداهة و هذا من وسائل التثبّت في علم البداهة .

و من عجائب الإحساس أنه يفهم الأشياء البعيدة أكثر من الأشياء القريبة ، بحيث أنه يفهم الأشياء العميقة المرتبطة بالنوايا والأساسات أسرع من فهم شيء جزئي خارجي ، فأنظر إلى الفارق في المستوى . فهو (الإحساس) ليس العقل ، فالعقل اصغر منه بكثير ، تجد شخص مثلاً تعرّفت عليه منذ سنوات ، و قد نسيت اسمه ، و هذا من اختصاص العقل ، لكن صفاته الداخلية تعرفها ، بينما أخباره و اسمه قد ضاعت تماماً , وفي نفس الوقت أنت تعرف أن هذا الشخص مرح مثلاً ، أو أن فيه طيبة أو غبي أو ذكي أو خدوم أو أناني ، فكل هذه الصفات لا تنسى ، لماذا ؟؟ فكأن هذا هو المهم ، فالمهم هو الباقي ، و كما قالت فيروز : (أسامينا .. شو تعبوا أهالينا .. عينينا هنّي أسامينا) ..

هذه هي الأسماء الحقيقية ، إذاً هو ليس بسخف ولا خرافة أنك تهتم بالإنسان من داخله ، بل هذا هو الأساس والصحيح ، بينما الناس يعتبرونه شيئاً غريباً أن تتكلم عن الناس من خلال دواخلهم . يريدونك أن تتكلم عن اسمه و عن أقربائه ، أما عن داخله فهذا غير مسموح . هم يريدونك أن تتكلم عن الخارج، أي عن الجاف المادّي ، كإسمه و وظيفته و ما عنده وما ليس بعنده ، مع أن هذه الأشياء ليس لها قيمة لدى الشعور .. القيمة هي في داخله ، فتتعامل معه من داخله و تخاطب داخله ، فتصرفك معه يجب أن يكون مبني على هذه الخريطة .

ومواهبك لا تظهر ولا يكمل عقلك ولا تبرز عبقريتك حتى يكون هناك تقارب بين عقلك وإحساسك ، ويكون عقلك يفهم إحساسك ويستطيع أن يترجمه و يحترمه و يقدِّره ، في تلك اللحظة تكون أنت ، و تكون كاملاً . أما بدون ذلك فإن نصفك فقط هو من يعمل ، و حتى ذلك النصف ليس منك بل من الناس .

فالمخ صفحة بيضاء , و عندما تولد يُعبأ ممن و مما حولك , والإنسان يفكر في اللغة التي يكسبها من الناس , و مع اللغة يكتسب ثقافة من الناس , فهذا يعني أنك لا تستطيع أن تربّي أحداً تربية صحيحة أساساً , فلا تستطيع أن تربّيه عن طريق اللغة بحد ذاتها, و هنا المشكلة .

إذاً : وجود المجتمع المترابط و القائم على هدف واحد وعلى فكرة طبيعية واحدة مطلب ضروري , لذلك القرآن يخاطب المسلمين كجماعة , فهو يريدهم جماعة , وأن يكونوا جميعا ، ومن هنا فائدتها .

الإحساس عبقري , فكلما كنتَ دقيقا معه و كلما تـُنصت له و تحترمه و تمشي بموجبه فسوف يدلّك على الصواب ويُعْلِمك به , فإذا أحسست أن فلان زعلان منك فهو زعلان فعلاً , و إذا أحسست أنه مسرور منك فهو مسرور . فالإحساس نفسه يكفي إذا كان صافيا , و يجب أن تتثبت مع الإحساس بالعقل , فإذا لم يعارض فإن الأمر مقبول , فالإحساس إذا اهتممت بأمره و تمعـّنت به ، يأتيك علم البداهة مباشرة .

الناس يقولون دائما : لا تثق بالإحساس فهو يخيب أحيانا معك , و في الحقيقة أن الشيء عندما تحس أنت به ، يكون بخلاف ما أحسست به سابقاً , فالسبب في هذا أنك بنيت أفكارك على أفكار غيرك , فشخص مثلا أخذت عنه فكرة أنه سيء و أنه شديد وقاسي ، وإحساسك يقول ذلك تبعاً لذلك التصوّر , ثم تتعامل معه فتجده شخصا طيبا ولطيفا , فتقول : خاب إحساسي ! هذا ليس بإحساسك ! هذه إيحاءات سمعتها من الناس, والذي من الناس دائما يخيب :{وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} , فإذا أنت لم تبنِ هذه الصورة, عليك أن تتثبت من الإحساس من هذه الناحية, هذا هو المهم , تأكد أنه إحساسك أنت و أنه لا توجد عوامل خارجية أثّرت على ذلك الإحساس .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.