تخطى إلى المحتوى

ترشيد الإنفاق يحتاج قراراً سياسياً جريئاً

ترشيد الإنفاق يحتاج قراراً سياسياً جريئاً
خليجيةلم يعد حديث المدينة في الكويت خلال الأيام الماضية سوى عن انخفاض أسعار النفط وكيفية مواجهة الاستحقاقات المترتبة على ذلك. لكن هؤلاء المتداولين لهذا الحديث لا بد أن يعلموا بأنهم لا يملكون التحكم بأسعار النفط أو تقلبات الأسواق أو متغيرات الصناعة النفطية والإمدادات إلى السوق أو تلك المتغيرات المحتملة في قطاع الطاقة. أسعار النفط ظلت متقلبة منذ اكتشافه بناء على المتغيرات في العرض والطلب أو تلك الناتجة عن أداء الاقتصاد العالمي. الدول المنتجـة للنفط، وخصوصاً البلدان العربية أو غيرها من بلدان العالم الثالث، لم تحاول أن توظف أموال النفط من أجل بناء اقتصادات أكثر رسوخاً لا تتأثر بما يحدث في أسواق النفط، أو ما يتعرض له قطاع الطاقة، وبما يحد من درجة الانكشاف لاقتصاداتها. الكويت هي إحدى الدول النفطية التي ظلت تعتمد على حصيلتها من إيرادات مبيعات النفط لتمويل الإنفاق. تبنت فلسفة الاقتصاد الريعي، ووسعت من دور الدولة في مختلف القطاعات الاقتصادية، بحيث باتت ملكية الدولة في الأصول أكبر بكثير من ملكية القطاع الخاص، وبعكس ما هو متعارف عليه في الدول الرأسمالية المتقدمة. كما أن الدولة أصبحت أكبر رب عمل للعمالة الوطنية في حين ظل القطاع الخاص يعتمد على عمالة وافدة، أغلبيتها غير مؤهلة مهنياً وذات مستويات تعليمية متدنية وتحصل على أجور منخفضة. ولم تتمكن الحكومة من تعزيز دور القطاع الخاص في توظيف المواطنين بالرغم من سياسات دعم العمالة وغيرها من تحفيزات، حيث إن القطاع الخاص لم يعد قادراً على منافسة الحكومة في توظيف المواطنين، كما أن مخرجات النظام التعليمي لا تتوافق مع متطلبات العمالة لديه. بطبيعة الحال هذه الفلسفة لإدارة الثروة وإيراداتها أحدثت خللاً مهماً في التركيبة السكانية، وكرست تشوهات اقتصادية واسعة النطاق. يضاف إلى كل ذلك اتسمت الإدارة الحكومية بعدم الكفاءة وهدر المال العام وضعف القدرة على مكافحة الفساد الإداري.

موضوع ترشيد الإنفاق وإصلاح الواقع الاقتصادي من المسائل التي قتلت بحثاً لسنوات عديدة داخل الأروقة الحكومية، ومع مستشاري الحكومة، بما فيهم البنك الدولي. قدمت دراسات عديدة لم يتم الأخذ بها ومنذ ثمانينات القرن الماضي. نوقشت مسائل الدعم وكيف يمكن ترشيده، بعد أن أصبح يستأثر بأكثر من 25 في المئة من إجمالي الإنفاق العام المحدد في الميزانية السنوية للدولة، وبما يقدر، الآن، بخمسة مليارات دينار. هل يمكن ترشيد دعم البنزين والمحروقات الأخرى وترشيد دعم استهلاك الكهرباء والمياه؟ كيف يمكن أن يتم الترشيد؟ هل تطبق أنظمة الشرائح بما يعني أن من يستهلك أكثر يدفع سعراً أعلى؟ ماذا عن تخصيص المرافق ودفع القطاع الخاص ليتولى المسؤولية في بيئة تتمتع بالتنافسية، بما يعزز من السيطرة على التكاليف والارتقاء بالجودة، وكذلك تحديد أسعار مناسبة للمستهلكين؟ ماذا عن نمو الإنفاق العام الجاري من دون ضوابط واقعية، وكيف تتم السيطرة على مخصصات الرواتب والأجور من دون تقييد عمليات التوظيف في الحكومة والقطاع العام، ودفع المواطنين للانخراط في وظائف مؤسسات وشركات القطاع الخاص؟

مسألة الترشيد لا يجب أن ترتبط بانخفاض أسعار النفط، فهي مستحقة منذ زمن بعيد، وكان يجب أن تفعل في ظل إمكانات مالية جيدة. لكن ما يعطل الترشيد وإصلاح الهيكل الاقتصادي هو غياب الإرادة السياسية ومحاولة شراء الود السياسي والاعتماد على افتراضات بأن إيرادات النفط ستظل مجزية من دون انقطاع. ما هو مطلوب هو إرادة للتغيير والعمل على تحقيق التوافق السياسي على أهمية التغيير الاقتصادي، وتعزيز القدرة على تنفيذ متطلبات التغيير.

عامر ذياب التميمي

(باحث اقتصادي كويتي)

Email: ameraltameemi@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.