الوكيل – (cnn)- أعرب الشاعر الفلسطيني، تميم البرغوثي، عن استيائه من قرار إلغاء أمسيته الشعرية التي كان من المقرر إقامتها في العاصمة الأردنية عمان مساء السبت الماضي، بسبب تجمع الآلاف أمام مقر انعقاد الأمسية، وبأعداد هائلة تفوق الأماكن المتاحة.
وبينما أكد البرغوثي، في مقابلة مع cnn بالعربية، أن قرار إلغاء الأمسية ليست له ‘أبعاد سياسية’، فقد شدد على ضرورة الوفاء بأي وعد قُطع باسمه مهما كانت الظروف، حتى لو أُقيمت الأمسية على الأسفلت أو بين الشجر، قائلاً إنه لم يسمع عن إلغاء أمسية من قبل بسبب كثرة الحضور.
وفيما يلي نص المقابلة:
هل لك أن تطلعنا على حيثيات تأجيل الأمسية الخاصة بك في عمان، وما تفسيرك الشخصي بعيداً عن التصريحات الرسمية للجهات المنظمة؟
أود التأكيد على أمرين، الأول أنني أشعر بالامتنان الشديد والشكر الجزيل لكل من أكرموني بقصدهم إلى حضور هذه الأمسية، وبعضهم جاء من خارج عمان وتكبدوا مشقة السفر ثم مشقة الانتظار خارج القاعة لعدة ساعات.. وما سمعته من القائمين على تنظيم الأمسية، في معرض شرح قرار إلغائها، هو أن ألفاً من الناس امتلأت بهم القاعات الداخلية، وبقي ألفان أو أكثر في الخارج قبل ساعتين تقريباً من موعد بدء الأمسية، فقرر القائمون عليها إغلاق البوابات الخارجية أمام الناس الواقفين بالخارج، ثم قرروا إلغاء الأمسية.
والأمر الثاني أن قرار إغلاق الأبواب، ثم قرار الإلغاء لم يكن أي منهما قراري ولا كنت موافقاً عليه، ولم أكن أعلم بأن هناك أزمة في استيعاب عدد الحاضرين إلا حين اتصل بي القائمون على الأمسية، وأنا في طريقي إلى المسرح ليبلغوني بقرار إلغائها بسبب كثرة الناس وضيق المكان وخوفهم على سلامة المبنى، لم أقتنع، وطلبت منهم الانتظار حتى أصل وأرى ما يصفون، حيث أن موعد بداية الأمسية كان لم يحن بعد وكنت على بُعد خمس دقائق عن باب المركز الثقافي، إلا أنهم رفضوا الانتظار.. ولم يكن من الممكن عقد الأمسية بعد إعلان إلغائها حتى حين وصلت إلى المكان.. وأنا لا أشارك من اتخذوا هذا القرار قلقهم من العدد، وأرى أن الوفاء بوعد قُطِعَ باسمي للناس ولو على الأسفلت أو بين الشجر، أمر واجب مهما كانت الظروف.. ولم نسمع من قبل بأمسية ألغيت لكثرة الراغبين في حضورها.. وأنا أتقدم بالشكر والامتنان لكل من حضر، وكل من صبر وانتظر لعدة ساعات، وأتقدم أيضا بالاعتذار منهم جميعا إن كان لحقهم تعب أو ضيق، وأتمنى أن تتاح لي فرصة اللقاء بالناس في جو أرحب وبدقة تنظيمية أكبر.
البعض اعتبر أن الحضور اللافت لأمسيتك يعني أن الحركة الإبداعية بخير؟ ما هو تعليقك؟
أنا ممتن لهذا الحضور، والشعر عندي ما هو إلا كلام أكفأ، والكلام كله من صناعة الناس، فإقبالهم على الحَسَنِ منه لا غرابة فيه، إنما الغرابة فيمن يظنون أن الفنون يجب أن تنحصر في فئة من الناس دون غيرهم، الناس لم يتركوا الشعر ولا غيره من الآداب، إنما كانت هناك مدارس في الشعر العربي منذ أواسط القرن الماضي تتعمد البعد عن الناس والعزلة عنهم.. وأنا أثق في قدرة الناس على الحكم، سواء عنيت بذلك القدرة على نقد الكلام، أو عنيت بذلك القدرة الحكم بشكل عام.
ما هي الأسباب التي أخرت إقامة أمسيات لك في عمّان، رغم الاهتمام اللافت بك وبأعمالك؟
تصادف ذلك، حيث أنني لا أقيم الأمسيات بنفسي، وإنما تقوم جهة أو مؤسسة ثقافية عادة بإقامة الندوات.
وهل من إجراءات ما ترى فيها ضرورة على الجهات المنظمة مراعاتها، قبل الإعلان عن موعد جديد للأمسية؟
أظن أنه بعد هذا الإقبال الكبير، فلا بد أن تكون الأمسية القادمة بمثابة تعبير عن الشكر والامتنان من جهتي، وبمثابة الاعتذار للناس من جهة المنظمين، وأن تكون الدعوة فيها عامة، وأن يستوعب المنظمون الناس مهما كان عددهم، وأن يكون المكان واسعا ورحباً، وأن يلقى الحاضرون الإكرام اللازم، فلا بد من ملاقاة الإقبال بالامتنان، لا بالتوجس والارتباك والأبواب المغلقة.
هل أصبح شعر المقاومة خارج السياق التاريخي، بسبب ارتهان ملف القضية الفلسطينية بالمفاوضات؟
الشعر كلام أحسن أو أجود كما قلت، فهو لا يخرج من السياق التاريخي إلا إذا خرجت اللغة من التاريخ، وتوقف الناس عن فهم العربية ولهجاتها، أما المقاومة، فهي الآن في مركز الحدث التاريخي في بلادنا لا على هامشه.. أما عن شعر المقاومة، فأنا ممن لا يرون جواز تصنيف الشعر.. ولكن دعيني أقل لك إن المقاومة نفسها نوع من الشعر يكتبه الناس بأرواحهم وأجسادهم، والشعر، إن كان جميلاً، حتى وإن كان في وصف خصلة عشب، أو لفتة ظبي، أو جفلة فرس، هو نوع من المقاومة.
البعض يرى أنك متأثر جداً بالشاعر محمود درويش، ما يجعل روحك الشعرية ‘خفية’ في قصيدتك.. ما تعليقك؟
لا علم لي بهذه المقولة.
وجود أسماء من أمثال درويش والقاسم ومعين بسيسو، هل أغلق الطريق أمام الشعراء من الجيل الجديد ومنعهم من الانتشار؟
كلا، ولن يحسن الكتابة من لا يحسن القراءة.
ماذا خسر الأدب الفلسطيني برحيل الشاعر سميح القاسم؟.. وأين ترى مكانة شعر المقاومة اليوم في ظل الأوضاع السياسية في المنطقة؟
خسر الفلسطينيون شاعراً كبيراً وواحداً ممن شكلوا وجدان جيل من الفلسطينيين والعرب.. أما عن شعر المقاومة فقد أجبت عنه في سؤال سابق.
ما هو تأثير ‘الربيع العربي’ في شعر تميم؟
هذا أمر يطول شرحه.. ولكن الثورة المصرية في الخامس والعشرين من يناير عام 2024، زادت من ثقتي أن الناس قادرون على الاستقلال بقرارهم السياسي عن حكوماتهم وأحزابهم وكل شكل من أشكال التنظيمات الهرمية، حيث حلت القناعة محل الطاعة، وصار الشارع يحكم، والحكومة تأخذ أوامرها من الناس، واستمر هذا لعدة أشهر حتى صيف 2024.. وأنا أميز بين ما جرى في مصر وتونس، وبين الحروب الأهلية، والصراعات الطائفية، واستدعاء التدخل العسكري والسياسي الأجنبي في مناطق أخرى من العالم العربي.. الثورة خير، حتى وإن تعرضت لبعض الهزائم أو تأخرت في تحقيق أهدافها، أما الحرب الأهلية فشر مطلق.. والثورة بالتعريف يجب أن تكون مضادة للاستعمار، بل هي في ذاتها شكل من أشكال مقاومته، والمقاومة بالتعريف يجب أن تكون مضادة للاستبداد، بل هي في ذاتها شكل من أشكال الثورة على استبداد المستعمِر بابن البلد.. أما الشقاق الطائفي والاستعانة بالاستعمار من أي جهة، فليس من الثورة ولا المقاومة في شيء.
هل وصل تميم اليوم في شعره وقصائده إلى صيغة ‘مرضية’.. أم أن هناك بحث في صيغ جديدة بمضمون أو شكل آخر؟
البحث مستمر.
وهل ترى بأنك وصلت إلى صيغة توازن بين الإبهار لغة والمضمون بما يخدم القضية الفلسطينية؟
يُسألُ الناس في هذا والنقادُ.
ما هو جديد تميم في المدى المتوسط أو الأبعد؟
تسمعونه في الأمسية القادمة إن شاء الله.