تونس – أصبح الخطاب الديني في تونس موضع تدقيق اليوم ضمن خطط الدولة لمكافحة الإرهاب، حيث بدأت السلطات التونسية والمؤسسات الدينية التقليدية في تغيير نظرتها وتعاملها مع رجال الدين وأصبحت تمتعض مما يصدر عنهم من حين لآخر.
والشاهد على ما سبق؛ أن تونس لا تنظر بارتياح إلى ما يقوله المفكر محمد الطالبي بشأن دعوته إلى تجديد الفكر الديني مع اتساع نزعة التشدد في البلاد.
وقبل أسابيع أحدث المفكر محمد الطالبي الذي ألف 26 كتابا ويرأس "الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين" زوبعة في تونس بعد أن أطلق تصريحات اعتبر فيها أنه "لا يوجد ما يحرم شرب الخمر والبغاء في القرآن".
ومع أن الطالبي 93 عاما لا يقدم نفسه فقيها أو مفتيا إلا أنه يعتبر أن تجديد الفكر الديني هو أحد أبرز الأهداف التي تعمل جمعيته على تحقيقها، وهو لا يعترف بحد فاصل بين حرية الرأي والعقيدة ولا بتأويل الشريعة للقرآن.
وفي بلد يشهد ارتفاعا ملحوظا في نسبة التدين، فإنه لم يكن من السهل تقبل أفكار الطالبي وقد وصل الأمر حد تكفيره بين الجماعات المتشددة واتهامه بتحريف مقاصد الدين وهو ما حدا بوزارة الداخلية الى توفير حماية شخصية له.
ولكن بعد أحدث هجوم إرهابي تشهده البلاد والذي خلف حصيلة قياسية من القتلى من جنسيات عالمية في متحف باردو، أصبح مطلوبا لدى فئات واسعة مراجعة ما يقدم من مضامين دينية للجمهور.
ويقول الطالبي إن معركته لتغيير الواقع الديني في تونس تواجه تضييقا من قبل ما يسميه بـ"الإطار الكهنوتي" بعد أن كان واجه تضييقا من نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ويقصد الطالبي بالإطار الكهنوتي المؤسسات الدينية في البلاد ومناهج التعليم الرسمية في الجامعات الدينية، وهو يدعو إلى القيام بمراجعات للدروس والفهم المتداول للنصوص الدينية ومن بينها التكفير.
ويقول الطالبي "أعمل من أجل إسقاط الإطار الكهنوتي. نحن لا نملك نفس طرق فهم الدين".
وأضاف المفكر "نحن من سلح هؤلاء المتشددين حتى يعرضوا أنفسهم للموت والتحصن في الجبال، نحن علمناهم واليوم هم يطبقون ما تعلموه".
ومع اتساع نفوذ الجماعات المتشددة في الشارع مستفيدة من مناخ الحرية بعد الثورة وضعت تونس في 2024 قانونا يجرم التكفير لتفادي قلاقل اجتماعية وعزلت أئمة متشددين لكن لا يبدو ذلك كافيا في نظر الطالبي.
ويعتبر الطالبي أن مناهج التدريس المعتمدة في الجامعات والمؤسسات الدينية تسببت في تخريج جيل من المتشددين والتكفيريين يعدون اليوم بالآلاف ويتصدرون قائمة الجهاديين في مناطق النزاع بسورية والعراق.
وبالفعل تشير أرقام وزارة الداخلية إلى أن هناك ما يقارب 2500 جهادي تونسي يقاتلون في بؤر التوتر في الخارج، خاصة سورية والعراق، 80 بالمئة منهم ينتسبون إلى تنظيم الدولة الإسلامية ، قتل منهم المئات فيما عاد أكثر من 500 عنصر إلى تونس.
وتقر الحكومة التونسية بأن هؤلاء وباقي العناصر المنتسبة لكتيبة عقبة ابن نافع وتنظيم أنصار الشريعة المحظور يمثلون قنابل موقوتة في تونس ويشكلون أكبر خطر على الدولة المدنية والانتقال السياسي في البلاد.
ولم تكن حرب اليوم التي يخوضها الجيش والأمن ضد الجماعات المسلحة في الجبال والمرتفعات تدور بخلد أحد قبل سنوات، اذ حتى وقت قريب ظل ينظر إلى تونس كأحد أكثر الدول تحررا في المنطقة العربية وذات نظام أمني صارم غير أن سقوط نظام بن علي الذي ظل محكما قبضته لسنوات على الإعلام كان بمثابة الشجرة التي حجبت الغابة.
وترجع الكثير من الجمعيات الدينية وبعض الأحزاب نزعات التشدد الى حالة التصحر الديني التي كانت سائدة قبل الثورة 2024 وإلى الفقر المتفشي في عدة مناطق داخل البلاد.
وقال الخبير في الفكر الإسلامي وعضو مركز دراسات الأمن الشامل في تونس شريف المازني "نشكو اليوم في تونس من أزمة غياب المعنى بينما المجتمع يتشظى ويكشف عن جرائم وظواهر غريبة مثل جهاد النكاح".
ويضيف المازني "يجب أن نفهم لماذا نتصدر العالم في تصدير الإرهاب".
وعقب أحداث باردو الإرهابية والتي أوقعت 24 قتيلا بينهم 21 سائحا من جنسيات عالمية دعا الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إلى التعبئة العامة لمكافحة الإرهاب وبدأت تونس بحشد دعم دولي بهدف الحد بأكبر صورة ممكنة من التداعيات المتوقعة للهجوم الإرهابي على اقتصادها المتعثر ولا سيما القطاع السياحي الحيوي.
وتدرك الحكومة التونسية أن نجاحها في تحقيق انتقال اقتصادي وجلب المستثمرين والسياح يتوقف في جزء كبير منه على مدى قدرتها في تحييد خطر الإرهاب ونزعة التشدد الديني.
ولم تعرض الحكومة التي يقودها حزب حركة نداء تونس العلماني وتضم أيضا حركة النهضة الإسلامية أي خطط إصلاحية في الشؤون الدينية حتى الآن لكن المراقبين يتوقعون أن يدفع المسؤولون بإجراءات وقائية بشكل تدريجي.
وقبل أيام عزل وزير الشؤون الدينية عثمان بطيخ وهو مفتي تونس في حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل الثورة، إمام جامع الزيتونة المثير للجدل حسين العبيدي وأعلن عن إغلاق عدد من المساجد الخارجة عن سيطرة الدولة وأفاد في وسائل إعلام محلية بجواز تحجير النقاب إذا كان سيشكل خطرا على المجتمع.
وحث مفتي تونس حمدة سعيد إلى تكليف مستشارين في علم النفس ومقاصد الشريعة ومجال الفرائض لمحاورة الشباب وبعث مراكز جهوية للفتوى في أنحاء البلاد لمكافحة الفكر المتشدد.
كما نظمت وزارة الشؤون الدينية مؤتمرا وطنيا حول "الجهاد والتكفير" قالت إنه يهدف إلى توحيد المفاهيم والمصطلحات في ظل انتشار نزعة التطرف والإرهاب.
وقالت الحكومة إن حربها مع الإرهاب ستكون معقدة وطويلة، وقال الوزير عثمان بطيخ "إن الأئمة والوعاظ يتحملون مسؤولية تاريخية لتوضيح المفاهيم ورفع الالتباس عن الناس".