قال رجل للعالم الزاهد التقي "إبن السماك" رحمه الله: "غداً نتعاتب"، فردّ عليه قائلاً: "بل غداً نتغافر".
إن التغافر والتسامح من أهم الحصون الواقية للبيت المسلم من التصدع، وبالتسامح نحافظ على ألفة القلوب التي هي من أجلّ نعم الله تبارك وتعالى على عباده. قال تعالى ممتناً على عباده مخاطباً رسول الله(ص): (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال/ 63).
وما أروع مواقفه (ص) في التسامح مع زوجاته، تلك المواقف التي إن فقهناها وعملنا بها لكفينا أنفسنا شر النكد والبؤس والشقاء!! وما أجمل قول الشاعر في خلق التسامح:
سامح صديقك إن زلَّت به قدم ***** فليس يسلم إنسان من الزلل
وما أروع قول الإمام الشافعي يرحمه الله:
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ***** وفارق ولكن بالتي هي أحسن
إنك عندا تقرأ مفهوم "التسامح" قراءة نفسية؛ تدرك أن التسامح شعور إيجابي، يشع تعاطفاً ورحمة وحناناً دون كره ولا غضب.. إنه – أي التسامح – إحساس بالسلام الداخلي مع النفس ومع الآخرين، وهو دليل على الصحة النفسية، فلقد أكدت الدراسات النفسية والتربوية أن الشخص غير المتسامح إنما هو شخص قلق مضطرب، لم يجرب لذة العفو، ولقد أعلى الله عزّ وجلّ من شأن التسامح وحث عليه، لما فيه من خير يعود على المتسامح ومن سامحهم.. فقد نصح الله تعالى نبيه(ص) قائلاً: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف/ 199). وقال أيضاً: (… وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) (النور/ 22). وقال سبحانه: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة/ 13).
وقد بين الله تعالى أنه يتولى إثابة المتسامحين ومنحهم الأجر – وهو الكريم – وذلك من قبيل التحفيز والترغيب، يقول عزّ وجلّ: (… فمَنْ عَفَا وأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (الشورى/ 40).
ومن هدي رسولنا الكريم الرحيم(ص) قوله: "مازاد الله عبداً بعفو إلا عزاً".
ومن أقوال علي بن أبي طالب(ع): (أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة).
– "غاندي"؛ حيث يقول: "إذا قابلت الإساءة بالإساءة، فمتى تنتهي الإساءة"، وهو هنا يريد أن يقول: إنك بذلك أدخلت نفسك في دائرة مغلقة من الإساءة والكدر، لا تنتهي أبداً إلا بالتسامح.
– نهرو"؛ إذ يقول: "النفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح".
– ساكي"؛ حيث يقول: "العفو عن الإساءة انتقام رقيق".
* هل التسامح يُكتسب؟
إن التسامح _ مثله مثل سائر الأخلاق الإيجابية – يمكن اكتسابه، فقد بينت السنة المطهرة ذلك وأكدته، وذلك ما نجده في قول النبي(ص): "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلُّم"، كما أن الله عزّ وجلّ يثيب المتسامحين، ومُحال عليه عزّ وجلّ أن يثيب على سلوكٍ لا يستطيع العبد تنفيذه.
– أثر التسامح في السعادة الزوجية:
اختلف زوجان، الزوجة تطالب بحقوق مادية، وتتهم زوجها بالبخل، والزوج يشكو تقصير زوجته في أداء واجباتها نحوه، ولما سمعت منهما تبين لي أن نقاط الاختلاف عادية، برغم تصعيدهما المشكلة، إذ رفعت الزوجة قضايا على زوجها، ولا أحد منهما عنده استعداد لمسامحة الآخر!!
أخذت أذكّرهما بقدسية الحياة الزوجية، وخطورة المشكلات على حياة الأسرة والأولاد.
وذكّرت الزوجة بعاقبة الاستمرار في خصومتها، وظللت أذكرها بفضل الزوج وإيجابياته، وأنه لا يمكن أن يسعد زوج مع زوجته ويعيشان تحت سقف بيت واحد وهي تقاضيه في المحاكم والمخافر؛ لكنها أصرت وكانت عنيدة في إصرارها، فهل يفيق الزوجان ويتغلبان على الشيطان؟
إن التسامح داخل الأسرة يُظلل الأسرة بظلال الإيمان، ويحل بالبيت السلام، ويملأ قلوب أفراده بالوئام، ويحقق بين القلوب التآلف والانسجام، ويمنح الأولاد صحة نفسية، ويجنب أفراد الأسرة الاضطرابات الشخصية والنفسية، ويكفي الأسرة شر الصراعات والأحقاد والأضغان.
– كيف نشيع التسامح في بيوتنا؟
1- أن يكون كلاً من الزوجين قدوة للآخر وللأولاد في العفو والتسامح.
2- مدارسة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو إلى التسامح.
3- مدارسة شخصيات تاريخية عُرفت بالعفو والتسامح.
4- الاستماع إلى العلماء والخبراء في هذا المجال.
5- تشجيع أفراد البيت المسلم على هذا الخلق.
6- توضيح الأمر الإيجابي للتسامح، على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع.
7- تدريب النفس على العفو والتسامح والتحلي بالصبر
حصانة البيت المسلم..التغافر والتسامح