حين يدفع أولادنا ثمن شعورنا بالنقص
بقلم: علاء بيومي
كاتب عربي وخبير في الشؤون الأميركية
أشعر بالحزن والأسى على بعض المعارف والأصدقاء الذين يبالغون
في محو هويات أبنائهم الصغار الثقافية والدينية من خلال المبالغة
في تعليمهم قيم ولغة الغرب.
البعض
يرفض الحديث مع أولاده باللغة العربية مع أنها لغتهم الأم،
وإتقانها سوف يساعد أطفالهم على إتقان اللغات الأجنبية، كما أن اللغة
العربية ثرية وصعبة مقارنة باللغة الإنجليزية السهلة للغاية والتي يمكن
إتقانها في سن متأخرة لو أراد الفرد وأتيحت أمامه الفرصة.
البعض
أيضاً يبالغ في الاحتفال بالمناسبات الغربية – كالهلاوين مثلاً – دون أن
يفهم الخلفية الثقافية لتلك المناسبات وما تعنيه وكيف تؤثر على تفكير
طفله وثقافته، في المقابل نجد تراجعاً في الاحتفال برمضان والأعياد
وعدم فهم مغزاها الرائع.
الإسلام وعدم التكالية
الإسلام مثلاً يعلم الأطفال عدم الاتكالية وضرورة العمل الشاق والمستمر
لكسب الحسنات والثواب والجزاء وعدم انتظار الجزاء في الحياة الدنيا،
فقد يأتي في الآخرة.ديننا يعلم الطفل البعد عن الخرافات والتمسك
بالتفكير العلمي وقراءة التاريخ للتعلم منه"
ورمضان خير مثال،
فهو شهر الحسنات بلا حساب ولكنها حسنات ترتبط بمشقة الصوم
والصلاة لساعات طويلة على مدى شهر كامل، وهي قيم لو تعلمها الطفل
لصنعت منه رجل يتحمل المسؤولية منذ نعومة أظافره يراقب ضميره قبل
كل شيء ويصبر على الدنيا ومشقتها. كما أن ديننا يعلم الطفل البعد عن
الخرافات والتمسك بالتفكير العلمي وقراءة التاريخ للتعلم منه، وكذلك فهم
الواقع والناس المحيطين ومشاركتهم وخاصة الفقراء والمستضعفين.
وللأسف نترك هذه القيم كأفراد ومؤسسات ونتوجه إلى أفكار أخرى
سطحية ومناسبات لا تتعلق بنا كمجموعة بشرية ونتبعها على أساس
أنها الموضة.مع أن الغربي نفسه يدرك هويته ويعتز بها، ويدرك أيضاً
أنه مهما حاول الغريب الانصهار فسوف يبقى غريباً.
حسرة على الأولاد والأوطان
وقد رأيت في الغرب كيف يحاول البعض الانصهار لعقود، حتى يمر العمر،
ويكتشف في النهاية أنه لم يفقد إلا أطفاله الذين انصهروا في الحياة
الغربية وباتوا ينظرون إليه ولأمهم على أنهم كائنات غريبة قديمة
عاجزة وفاشلة لا تذكرهم إلا بالضعف والوهن وثقافة متخلفة.
ويبقى هؤلاء في حسرة على أولادهم وعلى أوطانهم التي فقدوها وعلى
ذكرياتهم التي تبقى تعذبهم فهي جزء منهم حاربوه لعقود فانتصر عليهم
وبقي في أرواحهم يشطرها أجزاء صغيرة.
والأغرب من ذلك هو
بعض الأفراد في بلادنا والذين أتيحت لهم فرصة تعليم أولادهم في مدارس
اللغات الأجنبية، إذ تجدهم يبالغون في تغريب أولادهم من حيث اللغة
والملبس والعادات الثقافية دون فهم لخلفيات ما يقومون بهم، ودون حتى
أن يفهموا أن ما يرونه من عادات وتقاليد لأجانب يقيمون في بلادنا قد
لا تعبر بالضرورة عن قيم وعادات الغرب الأكثر حداثة وتقدماً ونفعاً
والتي تسود في الغرب ذاته وتفسر أسباب تقدمه ورفعته.
فاقد الشئ لا يعطيه
أنا لا أعارض التعلم من الثقافات الأخرى وفهمها والاستفادة منها،
فالغربي في بلادنا أو في أي بلد آخر سرعان ما ينفتح على الآخرين
وينهل من لغاتهم وثقافاتهم وعاداتهم الصحية المفيدة، وهو في كل ذلك
يحتفظ بهويته ولغته وثقافته ويختار لنفسه ما يساعد أولاده وينفعهم."
الغرب ينهل من أفضل عناصر ثقافتنا كالمتاحف والمواقع التاريخية واللغة
والجغرافيا الواسعة المختلفة، والتفاعل مع عدد كبير جداً من الناس"
الغرب ينهل من أفضل عناصر ثقافتنا كالمتاحف والمواقع التاريخية واللغة
والجغرافيا الواسعة المختلفة، والتفاعل مع عدد كبير جداً من الناس.
في المقابل بعضنا لا يقرأ عن ثقافته أو عن الغرب، وفاقد الشيء لا
يعطيه، فمن لا يجيد التعلم من ثقافته لن يجيد التعلم من الثقافات الأخرى.
بعض هؤلاء لا يتقن حتى لغة الغرب إذا تعلمها، ولا يزور متاحفه
ومؤسساته العلمية والثقافية، ويعتقد أن الغرب هو في لي اللسان
ورفض الحديث بالعربية، والاحتفال بالهلاوين.
الغربي يأخذ منا أفضل ما في ثقافتنا إذا أخذ، ونحن نكتفي بأدنى
ثقافته ونحرص عليها ونتمسك بها.
إنها عقدة النقص، وقلة المعرفة والخبرة وضعف مستوى التعليم، ويتحمل
تكلفتها بل ويدفع ثمنها بالأساس أولادنا، فهم يدفعون ثمن ضعف
عزيمتنا وقلة معرفتنا.وللأسف نسهم كمجتمعات ومؤسسات في ذلك،
فثقافتنا مهملة ورموزنا التاريخية لا نعرف عنها الكثير، وآخر ما نهتم به
هو الأطفال وكتبهم ومتاحفهم وبرامجهم.