بسم الله الرحمن الرحيم
ولتستبين سبيل المجرمين
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير حفظه الله خطبة الجمعة بعنوان ولتستبين سبيلُ المُجرمين والتي تحدَّث فيها عن منهج الحقِّ منهج السلَف الصالِح والذي قامَت عليه المملكة وطنُ الإسلام مُبيِّنًا خُطورةَ مُخالفة هذا المنهَج واتباع الأهواء والبِدع كما حذَّر فضيلتُه شبابَ الأمة من الاغتِرار بهذه الجماعة المارِقة مُوجِّهًا تنبيهاته إلى أوليائِهم وذوِيهم بحُسن رعايتهم وتعليمِهم النَّهج السويَّ والابتِعاد بهم عن الانحراف والتطرُّف
https://www.youtube.com/watch?v=mV5VaWPPc2o
الحمد لله، الحمد لله الذي جعلَ للإسلام صُوًى ومنارًا، وأحكامًا تفيضُ رحمةً وحكمةً وأنوارًا، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، شهادةً أوضحَت لنا السبيلَ فأبصرنا بها إبصارًا، وانتصَرنا بها انتِصارًا، والكافِرون في ظلمات كُفرهم أُسارَى.
وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، شهادةَ حقٍّ أقرَرنا بها إقرارًا، وفرَّ الجاحِدون منها فِرارًا، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، صلاةً تُسفِرُ لنا إسفارًا، وتُبعِدُ عنَّا الأحزانَ والأكدارا، وننالُ بها الشفاعةَ والجِوارا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
فازَ من يتَّبِعُ ويتَّقي، ومن الكتاب والسنَّة يستَقِي، (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام: 155].
وعن العِرباضِ بن سارِيةَ – رضي الله عنه -، قال: قامَ فينا رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – ذاتَ يومٍ فوعظَنا موعِظةً بليغةً وجِلَت منها القلوبُ، وذرَفَت منها العيونُ. فقيل: يا رسول الله! وعَظتَنا موعظةَ مُودِّعٍ، فاعهَد إلينا بعهدٍ، فقال: "عليكم بتقوَى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدًا حبشيًّا، وسترَون اختلافًا شديدًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم والأمورَ المُحدثات؛ فإن كل بدعةٍ ضلالة" (أخرجه أحمد، وأبو داود).
أيها المسلمون:
اذكُروا نعمةَ الله عليكم إذ كنتُم في تفرُّقٍ وشَتات، وضغائِن وعداوات، وحروبٍ وغارات. فهداكم بعد ميلَة، وأغنَاكم بعد عَيلة، وجمعَكم في دولة، هي المملكة العربية السعودية، وطنُ الإسلام ودوحةُ السلام، ووطنٌ وحَّد الآباءُ والأسلافُ، بعد التفرُّق والتمزُّق والاختلاف، وحياة الخوف والجُوع والجَفاف، والسِّنين المُضنِيَة العِجاف.
لن يسمَح وُلاتُه وبُناتُه، وأبناؤُه وبناتُه، وجُنودُه وحُماتُه لخائنٍ عِبِّيث، ومارِقٍ خبيث أن يجعلَه ساحةً للثَّارات العمياء، والصِّراعات الهَوجاء، ومسرحًا لعبَثِ الغَوغَاء والسُّفهَاء، ولن يُسمَح لمارِقٍ مُفارِقٍ اعتقَدَ باطِلاً ونُكرًا، وتبنَّى منهجًا فاسِدًا وفِكرًا، وخطَّط شرًّا ومكرًا، أن يهدِم البناءَ المعمُور، أو يُنجِّس الماءَ الطَّهور، أو ينشُر الفوضَى والشُّرور.
والمملكة العربية السعودية وطنُ الإسلام، بدمائِنا نحمِيه، وبأرواحِنا نفدِيه، وبنُحورِنا نُواجِهُ من يُعادِيه، ومهما قِيلَ وقِيلَ من الأكاذِيب والأباطِيل، فهذه عقيدتُنا عن سلَفنا تلقَّيناها، ولأولادِنا أدَّيناها، كلمةً باقيةً في الأجيال والأعقاب، على مرِّ السِّنين والأحقاب، ولا نقبلُ في ذلك عذلاً ولا ملامًا، ولا جِدالاً ولا كلامًا.
ونبرأُ من الفِكر الشاذِّ النادِّ، الذي يقومُ على تجنِيدِ الصِّغار، وتحريضِ الأغرار، والزَّجِّ بهم في حروب الفتنة وساحات القتال، ودُروب التفجير والانتِحار.
وقد ظهرَ خُبثُ هذه الشِّرذَمة النابِتة، التي خالفَت السُّنَن الثابِتة. فكم فجَعُوا من قبيلةٍ وأُسرة، وجعَلُوها تعيشُ أسًى وحسرة؟!
يا من يسيرُ في فلاةٍ غَطشاء، بعينٍ عمشاء .. يا من يقطعُ أرضًا يَهماء، بلا زادٍ ولا ماء .. أقصِر وأبصِر، وانظُر واعتبِر. فكم من نفسٍ نديَّة، ورُوحٍ زكيَّة، وقعَت بحُسن نيَّة أسيرةً لتنظيماتٍ سريَّة، وجماعاتٍ إرهابيَّة، وعاشَت معهَا في بليَّة، ثم صارَت لها ضحيَّة!!
يا من سلَكتَ منهجَ الزَّلَق، وتبِعتَ الأحزابَ والفِرَق، وهي أخربُ من جوفِ حِمارٍ خَلَق، اعتِزِل تلك الفِرَق، اعتِزِل تلك الفِرَق، اعتِزِل تلك الفِرَق التي صمَّت عن الحق أسماعَها، وأضاعَت أتباعَها، وأهلكَت أشياعَها، وقرَّرَت الانفِصال، وباشَرَت الاعتِزال، وسكَنَت رُؤوسَ الجبال، وواصَلَت الخروجَ والقِتال سِنين طِوال. فماذا أثمرَت، وماذا حقَّقت؟!
لم تُحقِّق إلا دولةَ السَّراب، ولم تُقدِّم إلا خلافةَ المُفترِي الكذَّاب، ولم تُثمِر إلا الفوضَى والعبَثَ والخراب، ولم تصنَع إلا ثقافةَ القتل والتكفير والإرهاب.
وأرضُ الإسلام ساحتُهم التي فيها يعبَثُون ويُخرِّبون، ويُفجِّرون ويقتُلون، ويذبَحُون ويُحرِّقون، وهم على الإسلام يفتَرون، ومن الحقِّ ينفِرون، ومن العلماء يفِرُّون، ولمن خالفَهم يُكفِّرون.
فشاهَت الوجوه، ورغِمَت تلك المعاطِس، التي تتلاعَبُ بنُصوص الكتاب والسنَّة، وتُوظِّفُها لخدمةِ ما ترُومُ من الفتنة، حتى جلَبُوا على الأمة من المخازِي والمفاسِد ما يُفرِحُ العدوَّ الحاسِد، ودفعُوا من المرابِح والمصالِح ما يرُومُه كلُّ عاقلٍ وصالِح، ووجدَ العدُوُّ فيهم بُغيتَه، وجعلَهم حربتَه التي يُصوِّبونها في نحر من شاء.
يا من يرجُو لنفسِه النجاة .. احذَر فريقَهم، وجانِب طريقَهم، ولا تكُن يومًا رفيقَهم، ولا تستفتِ فقيهَهم، فلا للفقهِ عرفوا، ولا من العلم اغترَفُوا، ولكن ضلُّوا وزاغُوا وانحرَفُوا.
وما هذه التفجيراتُ الأخيرةُ إلا مُحاولةً يائِسةً لجرِّ بلادِنا إلى فتنةٍ طائفيَّة، وحربٍ أهليَّةٍ وفوضًى أمنيَّة. ولكن هيهات هيهات! فشعبُ المملكة العربية السعودية على وعيٍ بأهدافِ هذه المُؤامرة الدَّنيئة، التي ستتحطَّمُ خُططُها وأهدافُها بحولِ الله وقوَّته أمام تلاحُم شعبِنا، وعزمِ وُلاتِنا، ونُصحِ علمائِنا، وقوَّةِ أمنِنا، وصحوَة جُندِنا.
أيها الشابُّ الطرير! إياك أن تُستجرَّ وتُخدَع، إياك أن تُصغِيَ للفتَّان وتسمَع، إياك أن تُسلَبَ من أهلِك ووطنِك وتُنزَع.
يا شبابَ الإسلام! انظُروا أنفسَكم فلا تُهلِكُوها، ودماءَ المُسلمين فلا تسفِكُوها، والفتنةَ فلا تبعَثُوها، والبيعَةَ فلا تنكُثُوها، والجماعةَ فلا تُفرِّقُوها، وبلادَكم فلا تُحارِبُوها.
ولا يأخُذُ بالخِطام، ويحرُثُ النارَ بالسِّطام، ويُبرِمُ الأمورَ العِظام من لم يبلُغ الفِطام. ومن رامَ الخروجَ عن سُلطان الدولَة وظلِّها، ونظامِها ودائِرَتها إلى الافتِيات عليها، والعمل لحسابِ قُوًى خارجيَّة، فقد رامَ سُخفًا ووهمًا، وأصابَ حدًّا وجُرمًا، وسيُلاقِي قضاءً شرعيًّا يردَعُه، وحُكمًا قويًّا يمنَعُه، وتعزيرًا بليغًا يقمَعُه.
أيها الآباء والأولياء! خُذوا العبرةَ والعِظَة، وكُونوا الرُّعاةَ الحفَظَة، وأديمُوا الحذَرَ واليقَظَة، وحاذِرُوا المُتسلِّل الخطَّاف، الذي حامَ حولَ بيوتِكم وطافَ. حاذِروا الخدَّاع المكَّار الذي يصنعُ الأوكار، ويُسمِّمُ الأفكار، ويُغرِّرُ بالصِّغار، ويخطَفُ الأغرار. ومتى أيفعَ الغُلام، وشارَفَ الاحتِلام، وجبَ إعطاؤُه مزيدًا من الرعاية والاهتِمام.
وولدُك لك، ما تألَّفتَه وصاحبتَه ولايَنتَه، وبالحبِّ غمَرتَه، وبالعطاءِ وصَلتَه، وبالشَّفَقَة نصَحتَه، وهو لعدُوِّك ما صغَّرتَه وحقَّرتَه وأهَنتَه وأبعَدتَه. فكُن لحديثِه مُستمِعًا، ولكلامِه مُنصِتًا، وعلِّمه إذا أتاك مُستفهِمًا، وقابِله حين يقصِدُك مُستعلِمًا، وأفِض عليه من تجاربِك حين يأتيكَ مُستلهِمًا.
ولا تكُن ممن إذا سُئِل طاشا، وصدَّرَ الإبلِ عِطاشا .. ولا تكُن كالرِّيح العاصِفة، والزَّلزلَة الراجِفة، تتحطَّم غضبًا، وتتوقَّدُ لهبًا، وكلمةُ الحبِّ أصفَى، وحديثُ الحكمة أشفَى، وحوارُ العقل أوفَى.
اللهم ألهِمنا فصلَ الخِطاب، وفهمَ الصواب، وحُسن الجواب، وارزُقنا الصبرَ والاحتِساب، وعظيمَ الأجر والثواب، يا كريمُ يا عظيمُ يا وهَّاب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا يُوافِي عطاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تُبلِّغُنا رِضاه، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنَا محمدًا عبدُه ورسولُه فازَ من تبِعَ خُطاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه صلاةً تبقَى، وسلامًا يدومُ شذَاه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فالسعادةُ في تقواه، وأطيعُوه والطاعةُ من شُكر نَعماه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أيها المسلمون:
ما أدبرَت نعمةٌ بعدما أقبلَت، ولا رُفِعَت منَّةٌ بعدما نزلَت، ولا سُلِبَت كرامةٌ بعدما مُنِحَت، إلا لكونها عطايا ما شُكِرت، أو بسبب خطايا فُعِلَت. والنِّعمُ إذا شُكِرَت قرَّت، وإذا كُفِرَت فرَّت.
فادفَعوا طلائِع الفتن والأخطار بالتوبة والاستِغفار، والتضرُّع والافتِقار، والخروج من المظالِم والمآثِم، والذنوبِ والأوزار، تحفَظُوا النِّعَمَ الموجودة، وتجلِبُوا النِّعَم المفقُودة، وتستدِيمُوا عطاءَ الله وكرمَه وجُودَه.
وصلُّوا وسلِّموا على أحمدَ الهادي شفيعِ الورَى طُرًّا؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا وسيِّدنا محمدٍ بشير الرحمةِ والثواب، ونذيرِ السَّطوة والعقاب، والشَّافِع المُشفَّع يوم الحساب، وارضَ اللهم عن جميع الآلِ والأصحاب، وتابِعٍ لهم بإحسانٍ يا وهَّاب، وعنَّا معهم يا رحيمُ يا توَّاب.
اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعَل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا، وسائرَ بلاد المُسلمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تُحبُّ وترضَى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه ونائِبَيه لما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.
اللهم انصُر أهلَنا في فلسطين على اليهود الغاصِبين، اللهم انصُر أهلَنا في الشام على القوم الظالِمين، اللهم انصُر المُستضعَفين من المُسلمين في كل مكان يا رب العالمين.
اللهم انصُر جُندَنا على الثُّغور، اللهم انصُر جُندَنا في الثُّغور، اللهم انصُر جُندَنا في الثُّغور، اللهم احفَظ جُندَنا وشبابَنا وفتياتِنا من كل سُوءٍ يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحَم موتانا، وانصُرنا على من عادانا.
اللهم بلِّغنا شهر رمضان، اللهم بلِّغنا شهر رمضان، واجعَلنا ممن فازَ فيه بالرِّضوان.
اللهم اجعل دعاءَنا مسموعًا، ونداءَنا مرفوعًا يا سميعُ يا قريبُ يا مُجيبُ.
المصدر: مدونة التعليم توزيع وتحضير المواد الدراسية – من قسم: مدونة الشريعة الإسلامية
منقوووول
.