الوكيل – توصلت دراسة أعدها مرصد البرلمان الأردني في مركز القدس للدراسات السياسية إلى أن الكتل النيابية الثماني التي تشكلت خلال الدورة العادية الأولى لمجلس النواب السابع عشر، لم تشكل بؤراً فكرية وسياسية يمكن أن تمثّل منصة انطلاق نحو مشروع الحكومات البرلمانية، أو باتجاه تشكيل مجموعات ضغط مستقبلية تتوزع بين أغلبية وأقلية.
ورأت الدراسة التي أطلقها المرصد بالتزامن مع انتهاء العام الأول من عمر الدورة العادية الأولى لمجلس النواب، والتي تضمنت دورة عادية، ودورتين استثنائيتين، أن كتل المجلس ما زالت تعاني من ‘هلامية’، وبالتالي لا بد من إعادة هيكلة نفسها على أسس أكثر رسوخاً مع بداية الدورة العادية الثانية مطلع تشرين الثاني القادم.
ولاحظت الدراسة وجود تقدم طرأ على عمل الكتل قياساً بالكتل في مجالس نيابية سابقة بسبب مأسستها ومنحها المشروعية عبر النص على وجودها في النظام الداخلي لمجلس النواب، وتخصيص فصل خاص بها فيه، ومن حيث استمرار الكتل حتى نهاية الدورة النيابية.
ورصدت الدراسة وجود تطور آخر في عمل مجلس النواب السابع عشر عبّر عنه وجود ائتلافات نيابية مثل ‘مبادرة’ تتبنى أفكاراً ورؤى، وتقدم مقترحات وحلولاً وتدعو لاشتباك إيجابي مع السلطة التنفيذية، يتضمن وضع تصورات متفق عليها وجداول زمنية للتنفيذ. هذا بالإضافة إلى تشكيل ملتقى للبرلمانيات الأردنيات، وهو توجه يتم التعبير عنه للمرة الأولى.
لقد تناولت هذه الدراسة الكتل النيابية من مختلف جوانبها، وتعرضت لكل ما يتعلق بها من حيث رؤيتها ومدى الالتزام بها، وتواجدها في اللجان النيابية، وتواصلها مع الرأي العام ومؤسسات المجتمع، ومواقفها الرقابية والتشريعية، ومدى توافق أعضائها مع بعضهم بعضاً تصويتاً واقتراعاً، وخلصت إلى صعوبة تشكيل كتل فكرية وسياسية واضحة الهدف بسبب قانون الانتخاب الذي ما زال يمثل عائقاً كبيراً يقف في وجه تقوية عمل الكتل النيابية، ويشتّت طاقتها الفكرية والسياسية.
وبالرغم من المناخ الإيجابي الذي تركه النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب للكتل النيابية، إلا أن تلك الكتل ما زالت تدور في فلك التجريب العشوائي، وابتعدت عن فكرة البرامج السياسية الواضحة التي يسعى الأعضاء لتحقيقها.
ولم تختلف دوافع قيام الكتل النيابية بعد اعتراف النظام الداخلي الجديد بها عمّا كانت عليه الحال في دورات ومجالس سابقة، فقد تشكلت الكتل في مجلس النواب الحالي عبر نواب سابقين ذوي نفوذ أو نواب يحملون أسماء لامعة ويملكون قدرات مالية، أو نواب يتطلعون إلى رئاسة المجلس أو الحصول على مواقع في مكتبه الدائم، وينشط هؤلاء في استقطاب نواب آخرين لكتلهم.
ورأت الدراسة أنه من بين 18 نائبة في المجلس السابع عشر، انضمت 16 نائبة منهن إلى كتل، وبقيت نائبتان خارج أي إطار كتلوي. ويذكر أنه لم تحصل أي نائبة على رئاسة كتلة نيابية، رغم أنه تواجد في إحدى الكتل أربع نائبات معاً، وفي أخرى خمس نائبات معاً، فيما سُجّل وجود نائبتين بموقع نائبة رئيس كتلة.
وكشفت الدراسة عن أن الكتل الثماني عانت من تباعد في وجهات نظر أعضائها في التصويت في مفاصل أساسية هامة مثل جلسات الثقة، والموازنة العامة، وحجب الثقة، ولم تعلن أية كتلة موقفاً موحداً ملزماً لأعضائها. كما لم تحاسب أية كتلة أي عضو فيها خرج عن موقف الكتلة وتوجهاتها.
ووجدت الدراسة أن معظم الكتل لا تلتزم بوثائقها التأسيسية التي أودعتها لدى الأمانة العامة لمجلس النواب، ولم تُخطر الأمانة العامة للمجلس بالتغيرات التي طرأت على عضويتها سواء بالانسحاب من عضوية الكتلة أو بفصل أحد الأعضاء.
واكتشفت الدراسة أن أغلبية الكتل تعتمد على الشفاهية في التدوين، ولا تعتمد على سجلات خاصة واضحة تدون فيها أنشطتها وبياناتها واجتماعاتها باستثناء كتلة الاتحاد الوطني.
ورأت الدراسة أن بعض الكتل النيابية ابتعدت عن الاهتمام بالقضايا المحلية، ولم تظهر اهتماماً كتلوياً بأي شأن عام، فيما أبدت كتل أخرى اهتماماً محدوداً بقضايا عامة محددة، إلا أن ذلك الاهتمام لم يرقَ إلى حد تبني تلك القضايا بشكل كتلوي والدفاع عنها تحت قبة المجلس، ومطالبة الحكومة بتنفيذها.
كما رأت الدراسة أن الكتل النيابية لا تجتمع بكامل عضويتها تقريباً إلا عند لقاءات تجمعها مع جلالة الملك أو رئيس الحكومة، وما عدا ذلك، تغيب أكثرية الأعضاء عن اجتماعات كتلها.
وأوصت الدراسة إجراء تغييرات جذرية على قانون الانتخاب بما يكفل وصول كتل سياسية متوافقة سياسياً وفكرياً إلى قبة المجلس، وتقوية بنيان الكتل النيابية وجعلها أكثر حضوراً وأعمق أثراً، بما يخرجها من الشكل الحالي إلى شكل آخر تكون بموجبه قادرة على عقد مشاورات مع الرئيس المكلف وتشكيل حكومات برلمانية.
وحثت دراسة مركز القدس على إجراء تعديلات جديدة على النظام الداخلي لمجلس النواب وخاصة في الفصل المتعلق بالكتل النيابية والائتلافات، بحيث يتم وضع ضوابط أكثر تشدداً على تشكيل الكتل بما يدفعها للالتزام بمبادئها العامة ونظامها الداخلي، ومتابعتها بالطريقة نفسها التي يتم بها متابعة اللجان النيابية.
ودعت لتخصيص مكتب خاص لكل كتلة وتأثيثه من موازنة المجلس ووضع اسم الكتلة عليه، وتخصيص سكرتير (موظف) من الأمانة العامة لكل كتلة مهمته متابعة عملها، وتدوين كل ما يتعلق بها، وبيانتها، وزياراتها وأنشطة أعضائها تحت القبة وخارجها، وإيجاد سجلات خاصة لكل كتلة تُودع لدى الكتلة نفسها ولدى الأمانة العامة لمجلس النواب.
ورأت الدراسة أن الكتل ما زالت بعيدة عن استثمار المكتب الإعلامي لمجلس النواب بالشكل الأمثل للوصول إلى الصحافة والإعلام والرأي العام ونشر ما تصدره من بيانات، والتعريف بما تقوم به من أعمال وأنشطة. ودعت الكتل إلى إنشاء كل منها موقع إلكتروني أو صفحة على الفيس بوك، لإدراج برنامجها وأنشطتها، وفتح باب التواصل مع الرأي العام، وعقد مؤتمرات صحفية يتحدث فيها رئيسها أو ناطقها الإعلامي في نهاية كل دورة تشريعية.
وأخذت الدراسة على الكتل عدم فتحها حوارات موسعة مع مؤسسات المجتمع المدني، وعدم تبنيها لوجهات نظر إصلاحية تحت القبة يتم التعبير عنها بشكل كتلوي، وذهاب أعضائها باتجاه التعبير الفردي عن مواقفهم ونشاطهم وابتعادهم عن العمل الكتلوي الجماعي الموحد.