فمن فضل الله تعالى على أمة محمد أن جعل لها مواسم للخيرات، تتهيأ فيها النفوس إلى عمل الصالحات، وتُقبل فيها القلوب على الله راجية أن تنال عفوه ورضاه، ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان المبارك، وقد شرع الله تعالى لنا صيام رمضان حتى نُغير فيه من أنفسنا فنحبسها عن الشهوات، ونفطمها عن المألوفات.
فرمضان خطوة نحو التغيير لمن كان مفرطًا في صلاته، فلا يُصليها مطلقًا، أو يؤخرها عن وقتها، أو يَتخلف عن أدائها جماعة في المسجد بأن يواظب على أداء الصلوات في أوقاتها مع جماعة المسجد؛ فأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإذا صَلُحَت صَلُح سائر عَمَلِه، وإذا فَسَدت فَسَدَ سائر عمله.
رمضان خطوة نحو التغيير لمن اعتاد الإسفاف في الكلام أن يُغَيِّر من نَفسه فلا يتكلم إلا بخير، ولا يقول إلا خيرًا؛ فالكلمة الطيبة صدقة، وحِفظ اللسان طريق لدخول الجنة والنجاة من النار؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتَكَلم بالكلمة من سَخَطِ الله لا يلقي لها بالاً يَهوي بها في جهنم"[1].
رمضان خطوة نحو التغيير لمن خاصم أحدًا من الناس أن يعفو ويصفح، قال تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109].
رمضان خطوة نحو التغيير للغارقين في بحور الذنوب والمعاصي أن يسارعوا بالتوبة والرجوع والإنابة لله، فهو سبحانه: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر: 3].
رمضان خطوة نحو التغيير لمن هجر قراءة وحفظ القرآن الكريم وتدبره والعمل بما فيه، بأن ينتهز شهر القرآن فيحدد لنفسه وردًا مُعَيَّنًا يُحافِظ عليه في كل يوم.
رمضان خطوة نحو التغيير لمن اعتاد الشح والبخل أن يكثر من الصدقات؛ فالله سبحانه وتعالى يُربي الصدقة لصاحبها حتى تصير مثل الجبل، قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: 276].
رمضان خطوة نحو التغيير للغافلين عن ذكر الله تعالى أن يكثروا من الذكر آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب: 41، 42]. وقد وصى النبي بالإكثار من الذكر، فقال: "لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ"[2].
رمضان خطوة نحو التغيير لمن اعتاد الكذب أن يترك هذه العادة السيئة ويتحلى بالصدق، وقد سُئل النبي : أيكون المؤمن كذابًا؟ قال: "لا". وقال: "ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا"[3].
رمضان خطوة نحو التغيير لمن قطع رحمه أن يصلها؛ فصلة الرحم تزيد في الرزق وتطيل العمر، ومن وصلها وصله الله تعالى.
أخي الكريم، حتى تقوم بالتغيير يجب عليك أن تواجه نفسك بأخطائها ومعاصيها، ولا تتنصل من تلك الأخطاء بأن تجد لها المبررات، واعلم أنك لن تُصلح من شأنك إلا إذا كنت عازمًا ومصرًّا على التغيير، فلتكن جادًّا في تغيير نفسك من الآن، ولا تؤجل ولا تسوف.
لا تقل: من أين أبـدأ… طاعة الله البداية
لا تقل: أين طريقــي … شرعة الله الهداية
لا تقــل: أين نعيمــي … جنــــة الله كفايـــة
لا تقل: في الغد أبـدأ … ربما تأتي النهايـة
واعلم أن البداية عليك وعلى الله التمام، يقول الله تعالى: "ابن آدم، قم إليَّ أمشي إليك، امش إليَّ أهرول إليك"[4].
فاستعن بالله أولاً وأخيرًا، ولتكن لك إرادة وعزيمة قوية في أن تغيِّر نفسك إلى الأفضل، واعلم أن التغيير لا بد أن يبدأ من أعماق نفسك، واعلم أن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فدرب نفسك وعودها على الطاعة، واستعن بالله عز وجل واطلب منه أن يوفقك لما يحب ويرضى، وليكن شعارك:
لأستسهلَنَّ الصعب أو أدرك المنى … فما انقادت الآمال إلا لصابرٍ
وإذا تهت عن الطريق فعُد من جديد، وتُب إلى الله، افتح صفحة جديدة في حياتك، وجدد نيتك، واعلم أنك إذا لم تنجح في تغيير نفسك في رمضان فأظنك لا تريد التغيير، فأنت من المحرومين والخاسرين، قال رسول الله : "أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَقَالَ: رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، قُلْ: آمِينَ. فَقُلْتُ: آمِينَ"[5].
وأخيرًا، لا بد من أن يكون لك هدف واضح تريد الوصول إليه، تعيش من أجله، وتجعله دائمًا نُصب عينيك، ولا شك أن أعظم وأسمى هدف يسعى إليه المؤمن في هذا الشهر الكريم أن يعتق الله رقبته من النار.
فاللهم اجعلنا من عتقائك من النار، ومن المقبولين في هذا الشهر الكريم.