محمد الغيطي
في هذه اللحظة لابد للمرء ان يتذكر المؤتمر الفضيحة الذي عقده المخلوع مرسي في قصر الرئاسة حول أزمة سد النهضة الاثيوبي واستضاف فيه عدد من أنصاره على كل لون واقترح الأخ أيمن نور إرسال طائرات لضرب السد واقترح مجدي احمد حسين إرسال عادل امام ولاعبي الكرة لاقناع الشعب الاثيوبي بالتراجع عن استكمال السد وبقية الخزعبلات معروفة.
وكنا نحن كمتابعين نخبط كفا بكف ونضحك ولكنه ضحك كالبكا على رأي المتنبي ووصلت المهزلة لذروتها عندما سأل احدهم اذا كان المؤتمر مذاعا فنطقت مستشارة مرسي وقالت نعم هو مذاع فضحك مرسي مثل عبيط القرية وقال احنا مابنخبيش حاجة عن الشعب .
والحقيقة ان ماحدث يمكن ان يدرس لطلاب العلوم السياسية تحت عنوان التهريج والهزل السياسي ،وطبعا بعد المهزلة المذاعة على الهواء التقطت اثيوبيا الغنيمة التي قدمها لهم حكم الاخوان على طبق من ذهب واستثمرتها لكسب تعاطف المجتمع الدولي وحصلوا على الدعم السياسي والمالي لمشروعهم خصوصا من تل ابيب وتركيا وقطر والصين.
،قبل ذلك وللتذكرة كان مرسي قي أديس أبابا وفي اليوم التالي مباشرة أعلنت اثيوبيا انها ماضية في بناء السد في رسالة واضحة انها لاتقيم اعتبارالزيارة مرسي او من يحكمون مصر.
اتذكر كل هذا الان بعد خطاب السيسي في الخرطوم وهو يوقع الاتفاق الثلاثي بين القاهرة وأديس أبابا والخرطوم حول مشروع السد الاثيوبي ،كلمات السيسي عبرت عن مصر الجديدة ،عن نظام يحترم الآخرين ويقدر مصالحهم متوقعا كما قال ان يحترم الاخر حقي في الحياة وعدم إلحاق الضرر بي ،السيسي قال علينا نسيان الماضي وبناء الثقة بيننا وتحقيق المنافع المشتركة وان نعمل سويا الا ترث الأجيال بذور القلق والشك من الأجيال السابقة وعلينا ترجمة ذلك في وثائق قانونية ملزمة لا تترك مجالا للتأويل او التنصل .
السيسي بعد ان قال كلمته المكتوبة وكالعادة خرج عن النص وهو خروج محمود وقال كلاما من القلب وارتجل عبارات كان تأثيرها ساحرا على الحضور فصفقوا له بحرارة ونقلت الكاميرات ضحكات البشير وهيلا ماريام ديسالين والأخير كرر عبارته التي ذكرها من قبل في مؤتمر شرم الشيخ وهي (سوف نسبح سويا بدلا من ان نغرق ).
أتصور ان مفتاح نجاح الاتفاق هو سر شخصية السيسي الذي يؤسس لسياسة مصرية جديدة مع القارة السمراء ،مسترشدا بأسلوب الزعيم جمال عبد الناصر ولكن وفق ظروف العصر وإيقاعه وملابساته المعقدة.
السؤال هل معنى ماحدث ان تتراجع اثيوبيا عن خطتها في بناء السد ؟ الإجابة لا ومن يتصور ذلك من المصريين ينكر على الاخر حقه في التقدم والتنمية وهو مااقر به السيسي ولكن ماتم الاتفاق علية ان تتوفر الشفافية الكاملة والمعلومات الفنية عبر لجنة عليا من الأطراف الثلاثة وان تنزل اللجنة لارض السد الاثيوبي في منطقة قماز وتحدد طاقة السد وسعته وتقدم الدراسات والامكانيات التي تساعد على استكماله بما لايضر دول المصب او يقلل من احتياجاتها .
وبالارقام السد وفق الدراسات الأولية يستوعب حوالي٦٥مليار متر مكعب وإذا حدث ذلك ستفقد مصر ١٩مليار متر مكعب من مخزون بحيرة السد العالي مما يجعلها تفقد ٤٠٪من طاقتها الكهربائية كما سيحجز السد الاثيوبي طمي النيل مما يؤثر على خصوبة التربة الزراعية المصرية .
هذه الحقائق ستعرض بوضوح امام اللجنة المشتركة وهي نفسها ستقرر كيفية استكمال السد مع تفادي الأضرار على مصر والسودان بل ان هناك دراسات تقول انه يمكن استكماله بما يحقق افادة اكبر لمصر مثل اطالة عمر السد العالي وتنظيم دخول الماء لبحيرته .
في كل الأحوال نحن اما م صفحة جديدة ونظرة مختلفة من كل الأطراف محورها الثقة والاقرار بمصلحة كل طرف بما لايجور على حق الاخر وهو مايغلق سنوات من التوتر بين القاهرة وأديس أبابا ربما تعود لاواسط التسعينات منذ محاولة اغتيال مبارك على يد احد أفراد القاعدة وهو الحادث الذي جعل مبارك يناصب اثيوبيا العداء ويلغي جسر التواصل معها على حساب مصلحة شعبه.
أنه إرث بغيض نجح السيسي في تجاوزه بالحوار وإدارة علاقات مصر الخارجية على أسس جديدة تبهر حتى من يحاربونه في السروالعلن.