سارة.. الفتاة المدللة
عبير النحاس
كانت أُمسية رائِعة تلك التي قضيتُها مع والدتي و أُختي في منزل صديقة والدتي , كنتُ في الخامسةَ عشرةَ من عمري وقتَها , وأختي قد بلغت السادسةَ عشرةَ , وسارة (ابنة مضيفتنا) في الرابعةَ عشرةَ.
جلسَت أمَّهاتِنا في غرفة الضُّيوف, وخرجتُ وأختي مع سارة إلى الشُّرفة الواسِعة والتي بدَت لنا ساحِرة بنباتاتِها المنزليِّة التي تملأُ أركانَها جميعاً , و تتدلى على حوائِطها بتناسق أخَّاذ, وراحت زهورها وأعشابها العطريِّة تداعبنا بنسمات بارعة , وقد أَسَرنَا جَمال غِطاء الدانتيل الرَّقيق الذي غُطيت بهِ طاولة الشُّرفة البيضاء المستديرَة .
و بعد مدة ملأتْ سارة تلك الطَّاولة بأطباق ٍمن الحلوياتَ المصنوعةَ في المنزل بعناية فائقة, ولمحت ذات الدَّهشة التي اعترتني في عيني أختي عندما علمنا أنَّ سارة هي من صنَع تلك الأطباق اللذيذة والجميلة بآنٍ معا.
وبلغ منَّا الحياء مبلَغه حينما فهمنا من بعض حديثِ سارة أنها من يهتمُّ بتنظيف وترتيب المنزل, وأنَّ عمل والدتها ينحصر في طهي الطعام وبعض الأمور الأخرى إلى جانب إدارتها لمشغلها الخاص بخياطة الألبسة و عملها فيه .
كان عملنا في مساعدة والدتنا وقتها لا يتعدَّى تنظيف الأرضيَّات وغسيل الأطباق, وربما يقع على عاتقنا في بعض الأوقات عملا إضافيا كترتيب الملابِس في الخزائن و الأدراج , أو تعليقها بعد غسلِها على الحبال, أما أن نحمل مسؤولية المنزل بشكل كامل فتلك هي المستحيلة الثَّامنة أو أنها الشَّقاء بحدِّ ذاته .
كان هذا ما نعتقده معا حتى عرَفنا سارة الفتاة الوحيدة المدلَّلة, و رأينا بأعيننا كيفَ كان تعامُلها السَّريع و المتقنُ مع مُقتنيات منزلها يوحي بأنَّها من يعتني به و يهتم لأمره .
وقد زادت سارة همومنا عندما عرضَت علينا بعض قطع ( الكروشيه) وشالا من الصُّوف قامت بحياكته بنفسِها , ثمَّ قامت بعرض مخططٍ (لتنورة) قامت بقصِّها مُستعينة بإحدى الفتيات العاملات في مشغل والدتها, و كانت ترغب في تعَلُّم الخياطة أيضا , فكانت الطامة .
عُدنا يومها للمنزل و قلوبنا تتفجر حياء من والدتنا, ويملؤنا شعور بالتَّقصير في حق أنفسِنا ووالدتِنا و قد رأينا نموذجاً واقعيا رائعا لا قِصصا و حكاياتٍ وهمية.
بقيتُ صامتة طوال الوقت و كذلك فعلتْ أختي, وقد كانت علاقة الصَّداقة الحميمة التي تربط سارة بوالدتها تغرينا بالمضيِّ في طريقها الجميل, والذي قد بدا لنا مُتعبا في بدايته, ولكنَّ نتيجتُه كانت تبدو لنا أيضا ساحرة , فقد كنت أتوق للحديث مع أمي بتلك الأريحية التي تحدَّثت بها سارة مع والدتِها , وكنت أُريد لها أن ترتاح من بعض العمل لتتفرَّغ لرفقتِنا, وكنت أُريد أن تكون لي مكانتي في قلبها وقلوب الجميع في منزلنا.
و قد أدركت أنَّ تحمُّل المسؤولية بجانب الأهل, والعمل الجاد المتقن معهم وعدم التَّهرب والرُّكون للكسل والَّلهو هي الطَّريق الوحيدة ليدركوا أننا بِتْنا كباراً, وأننا نستحقُّ صداقتهم و احترامهم.