“أين الشوارع؟”، يقفز هذا السؤال إلى الذهن بمجرد النزول من القارب إلى جزيرة ماليه بالمالديف حيث بالكاد يمكن التنقل بالسيارة عبر الأزقة الضيقة المتعرجة لهذه المدينة التي تبدو مصممة على إبراز هويتها الإسلامية رغم مساحتها الضيقة التي جعلتها أصغر عاصمة في العالم.
وماليه هي القلب النابض لجزر المالديف الساحرة التي يعشقها الأثرياء ونجوم هوليوود، لكن هذه المدينة ذات الطقس الاستوائي الرطب المشمس، من أكثر أماكن العالم اكتظاظا بالسكان، حيث يقطن 120 ألف شخص في 2 كيلو متر مربع. يقول عبد الغفور مبتسما والعرق يتصبب على جسمه النحيل ذو البشرة الداكنة: “كل شيء هنا في ماليه صغير .. هذا قد يفاجئ الزوار لكن المالديفيين متعودون.” ويعمل عبد الغفار مرشدا سياحيا بماليه منذ سنوات بعد أن باع المتجر الذي أسسه لدى وصوله قبل 15 سنة مهاجرا من وطنه ببنغلاديش بحسب موقع إرم.
ويضيف في حديث لشبكة إرم الإخبارية بلغة انكليزية مفهومة بالكاد: “لا يمكنك بناء شوارع واسعة هنا .. هذا سيكون على حساب أشياء أخرى أنت تحاول التأقلم مع المساحة لكن الوضع مهدد بالانفجار فالسكان في ازدياد .. قبل 10 سنوات كانت هناك مساحات أما الآن فلا أماكن على الإطلاق.” وتبدو محاولات التأقلم ماثلة للعيان في كل مكان من هذه الجزيرة الرئيسية بالمالديف التي تضم 1192 جزيرة صغيرة مبعثرة في المحيط الهندي من بينها 194 فقط مأهولة بالسكان.
بنايات ماليه، ذات الغرف الصغيرة، متراصة في مساحات ضيقة على جنبات الطرق المتعرجة التي لا مكان فيها للسيارات رباعية الدفع، وبالكاد يمكن لمركبات نقل البضائع القليلة في هذه المدينة المرور من بعضها بينما لا يسمح معظمها سوى بمرور سيارة صغيرة في اتجاه واحد. وفرضت هذه الظروف على المالديفيين اللجوء إلى الدراجات النارية والسيارات الصغيرة للتنقل بفوضوية واضحة داخل مدينتهم الاستثنائية.
ويثير هذا الوضع تساؤلات بشأن حوادث السير، لكن ضابطا بمقر الشرطة الرئيسي في المدينة يؤكد أن “الأمر غير مثير للقلق”. ويقول في حديث لشبكة إرم الإخبارية: “هناك حوادث غير قليلة لكنها في الأغلب غير مميتة فطبيعة الشوارع لا تسمح بالسرعات القاتلة.” وما يميز ماليه أكثر عن غيرها من مدن العالم أنه لا قطط ولا كلاب فالمدينة خالية من المواشي والحيوانات الأليفة تماما كبقية جزر المالديف الصغيرة التي لا تصلح لأي نوع من الحياة البرية.
تحول إلى الإسلام بمساعدة داعية مغربي
لكن المالديفيين الذين يبلغ عددهم نحو 300 ألف شخص كلهم من المسلمين السنة، حريصون فيما يبدو على التمسك بالهوية الدينية التي تشكلت في جزرهم قبل أكثر من 8 قرون عندما ساهم الداعية المغربي أبو البركات يوسف البربري في إقناعهم بالتخلي طواعية عن البوذية واعتناق الإسلام.
فعلى سبيل المثال لم تمنع الحياة البحرية المالديفيين من اعتماد طرق خاصة للحصول على ذبائح للمناسبات الدينية. ويروي لقمان عبد الحميد وهو من سكان المالديف الأصليين أنه في عيد الأضحى المبارك: “تفرغ السفن معظم ذبائح الأضاحي المستوردة في حظائر خاصة أعدت لاستقبالها لفترة محدودة في جزر غير مأهولة قبل نقلها بالقوارب لأصحابها المقتدرين الذين اشتروها بأسعار مرتفعة في مناطق البلاد المختلفة”.
ويضيف بلغة عربية سليمة، يقول إنه تعلمها في مدرسة دينية: “وجود هذه الذبائح في البيوت والشوارع قبل العيد مميز للغاية في المالديف”. أما في مناسبات أخرى كذبائح تسمية المولود الجديد فيقول لقمان ضاحكا: “الأغنياء يمكنهم استيراد ذبائحهم، بينما يلجأ كثير من المالديفيين إلى الاتصال بمعارفهم في دول أخرى ليذبحو نيابة عنهم”. وتبدو المساجد ذات الطرز المعمارية المميزة بمساحاتها الفسيحة التي هي أغلى ما يملك المالديفيون، الاستثناء الوحيد في مدينة ماليه وباقي جزر المالديف المأهولة.
كما تعج الشوارع والمراكز العامة في ماليه بلافتات كتبت عليها آيات قرآنية وأحاديث شريفة، بالإضافة إلى أقوال وحكم مأثورة لرجال الدين المرموقين في البلاد، الذين تخرج معظمهم من الجامع الأزهر في مصر والمراكز الإسلامية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج. ومع ذلك فإن سكان ماليه يتهامسون بأصوات خافتة عن زعماء عصابات يعملون في مجال التهريب وتجارة المخدرات، يوازي نفوذهم المتصاعد رجال الشرطة في المدينة.