كانت ابنتها ذات الخامسة عشرة سنة تقرأ كتابا.. نظرت اليها.. كم هي جميلة وبريئة وهادئة، رغم شقاوتها أحيانا، كم تشعرها بالفخر.. هي دائما متفوقة ومن الاوائل في الدراسة وفي كل أمور حياتها.
ابنتها فرح دائما متفائلة، كلها ايجابيات، كلها أمل. سألتها وهي تحتضنها: «كيف كان يومك في المدرسة حبيبتي؟»، فردت مبتسمة «كان عاديا جدا مثل كل الايام».
قبَّلت جبينها وقالت لها «انا سعيدة وفخورة بانك ستلتحقين بالجامعة بعد سنتين وسوف تحققين احلامك».
نظرت اليها ابنتها بحزن رغم محاولتها رسم ابتسامة على وجهها: «ماما تعرفين اني كنت متفائلة كثيرا باني سوف اذهب الى الجامعة واحقق كل ما اتمنى، لكني أرى الآن أن هذا كله لا جدوى منه، لن يغير شيئا ان ذهبت الى الجامعة او لم اذهب.. هذا لن يغير العالم أو حياتي».
شعرت كأن احدا يحاول ان يغرقها في اعماق البحر.. ماذا حصل لابنتها المتفائلة، الواثقة بقدرتها على النجاح وتحقيق كل احلامها: «لماذا تقولين هذا؟».
فردت ابنتها مبتسمة: «الا ترين أن حال العالم يزداد سوءا يوما بعد يوم؟ ماذا سيحصل بعد سبع او عشر سنين؟ ربما سيصبح الوضع اسوأ من هذا بكثير.. كيف لي ان احقق احلامي في عالم كهذا؟».
ابنتها صغيرة جدا لتعرف اليأس.. ماذا جرى ليقينها بانها تستطيع صنع المعجزات؟
وكأن الاوكسجين اختفى فجأة من الغرفة، واصبح من الصعب عليها التنفس. تمالكت نفسها وقالت لابنتها: «حبيبتي.. حتى اذا كان العالم كما تقولين، لا بد ان تكوني شجاعة وواثقة من نفسك ويكون لديك يقين بأنه مهما كانت الظروف التي ستواجهك، فانت الاقوى وبارادتك تستطيعين فعل اي شيء. عندما كنت في سنك كنت محاصرة بالعادات والتقاليد.. لكن انظري الى ما حققته في حياتي ووصلت إلى الذي اريده، رغم ان جيلنا لم يكن يملك الحرية مثلكم اليوم».
نظرت اليها ابنتها باستغراب ثم ضحكت وقالت: «لدينا الحرية؟.. نعم صحيح، لكن ماذا فعلنا بهذه الحرية؟ صحيح انكم في زمنكم لم تكونوا تتمتعون بها، لكن رغم كل قيود التقاليد والعادات كنتم تتوقون الى العلم والمعرفة، وتعيشون في عصر يشجع على الانفتاح على الآخر، مهما كانت جنسيته أو دينه، وعلى معرفة حضارات العالم وتقبلها بكل تنوعها، بوعي ومحبة. فعالمكم كان متجها الى احتضان الانسانية بمفهومها الواسع. أما نحن فأصبحنا نتعلم في المدارس كيف نركز على اختلافاتنا ونسخر من مبادىء بعضنا البعض؟! اتعلمين ماما، انا حزينة من اجل فتاة في مدرستي، أساءت اليها مجموعة من البنات لانها تختلف عنهن وسخرن بقسوة من قيمها وأفكارها، وعندما رأت المدرسة هذا لم تتدخل لنبذ هذا الظلم بل تجاهلت الأمر كأنه ليس من واجبها ان تعلمنا القيم والاخلاقيات، بل كل ما عليها هو برمجتنا بمعلومات مطلوبة منها.
نحن لا نتجه الى عالم أفضل بل إلى انحدار اخلاقي وانساني. انا لا ارى مستقبلا جميلا امامي في عالم كهذا، اليوم كل الناس يكرهون كل الناس».
قاطعتها: «لا بل سيصبح هذا العالم اجمل لان فيه ابناء مثلك يفكرون وينبذون الكراهية والتفرقة حتى بمجرد احساسهم بالحزن لما يتعرض له غيرهم».
احتضنت ابنتها بكل فخر، وتفاءلت بعالم الغد الجميل.
زيبا رفيق