استشارات طبيه علميه طب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب عمري حاليًا 23 سنة، عانيت في الماضي من عنف أسري، بحيث كان والدي يضربني ويذلني، ثم يراضيني بما أريد وهكذا، وتنوعت أساليب التعذيب، يضربني وأنا نائم، يضربني وأنا في السيارة، حبس في الحمام في منتصف الليل، وهكذا رغم أني متفوق وذكي، ولم أفعل أشياء كبيرة أبدًا في حياتي، فجميع ما كنت أعاقب عليه بقسوة أشياء تافهة وصغيرة نوعًا ما!
المهم هذه الأشياء أصبحت الآن تؤثر على حياتي، بحيث إن علاقتي مع أهلي الآن عندما كبرت علاقة رسمية جدًا، وأنا مغترب، ولكنني لا أستطيع أن أتصل بهم، وخصوصًا والديّ، أو أطلب منه شيئًا، يعني أحاول تجنبه تمامًا.
وعندما أرجع إلى البلد وبيتنا نادرًا ما أتحدث أنا وهو، وإذا جلسنا لوحدنا في السيارة لساعات لا نتحدث أبدًا، وإذا سألني شيئًا أجاوبه باختصار شديد، وإذا حدثت معي مشكلة وأحبطت لسبب دراسي مثلاً، فإني أبدأ أتذكر هذه الأمور التي حدثت معي، وأدخل في حالة غضب، وكره، وحزن، وبكاء شديدة! وتتكرر هذه الأشياء بشكل دوري.
أريد أن أعرف ما الحل؟ حاولت بكافة الطرق، حاولت أن أصحح علاقتي بأهلي؟ ولكني لا أستطيع أن أنسى ما فعل بي!
وأنا خائف صراحة من موضوع بر الوالدين كثيرًا! فعلاقتي بأهلي رسمية جدًا، وخائف من نوبات الإحباط والحزن الشديد التي تبدأ بأسباب عادية جدًا، وسرعان ما تكبر بسبب هذا الموضوع.
شكرًا لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد جلال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرًا لك على التواصل معنا بما في نفسك، أعانك الله.
إن ما وصلت إليه من موقفك من نفسك وأسرتك والحياة عمومًا، إنما هي نتيجة طبيعية لما تعرضت له، وهو ما نسميه "الامتهان الجسدي للأطفال" مما تعرضت له من الضرب، وأشكال العنف الجسدي، والنفسي، واللفظي.
أولا لا تقلق بشأن برّ الوالدين، فإني لا أراك إلا بارًا بهما على ما كان من تصرفات والدك، وأنت لا شك تحاول، ومجرد اهتمامك بالأمر والكتابة إلينا دليل على حسن مقصدك جزاك الله خيرًا.
لا شك أن هناك عمل يجب أن تقوم به من التحرر من كل مشاعر الغضب والعواطف السلبية التي تكونت عندك عبر السنين، وبالذات تجاه والدك.
وهناك أكثر من طريق يمكنك أن تسلكه، ويتوقف هذا على ظروفك وعلى طبيعة والدك، وماذا فعلت به السنون كل هذه المدة.
الأفضل أن يتم شيء من المصارحة بينك وبين والدك عما جرى في الماضي، وأن تقول له بصراحة أنك متألم من المعاملة التي عاملك بها في صغرك من الضرب والعنف، بدل التعاطف معك وتشجيعك ودعمك…. ويتوقف هذا على معرفتك بوالدك، وبمدى استعداده لمثل هذه المصارحة، والتي هي ليست بلهجة المقاتل وإنما بلهجة المحبة والعتاب.
وأنا أقول هذا ليس فقط من أجلك، وإنما حتى من أجله هو، فلربما هو أيضا يشعر بتأنيب الضمير عما فعله معك، ربما ولا أدري فأنت أدرى، ويمكن من بعد هذا أن تتحسن العلاقة، بل تقوى بينكما، فأنت لم تعد ذلك الطفل الصغير.
وإذا شعرت أن هذه المصارحة بهذا الشكل غير ممكنة، فالطريق الثاني أن تخرج من نفسك بطريقة صحية، ولو لم يكن هذا مع والدك.
ويمكنك القيام بهذا من خلال عدة طرق، ومنها أن تكتب رسالة مطولة لأبيك، لا لترسلها إليه، وإنما فقط لتخرج ما في نفسك من الغضب والانفعال، ولك أن تستعمل اللغة التي تشاء في هذه الرسالة، فهي لن تذهب لأحد، ويمكنك حرقها أو إتلافها بعد كتابتها، المهم ألا تبقى كل هذه العواطف والمشاعر، والتي خرج بعضها في سؤالك إلينا، ألا تبقى حبيسة نفسك؛ لأنها ستحرقك من الداخل.
ولا شك أن ممارسة بعض الهوايات كالرياضة والرسم، أيضًا تعتبر من طرق التفريغ عما في النفس.
وبالطبع فإن تصريف طاقاتك بالعمل، والدراسة، والتطلع للمستقبل، كلها أيضًا مما يعينك على تجاوز الماضي.
وإذا لم تساعدك كل هذه الطرق، فلا تستبعد إمكانية زيارة أخصائي نفسي ممن سيعينك على تفريغ الطاقة، والوصول إلى شاطئ الأمن والراحة النفسية.
وطبعا تبقى هناك طرق متعددة للتعبير عن برّ الوالدين، والتقرب إلى الله تعالى من خلالهما، بالرغم من أخطاء الممارسات في الماضي.
وفقك الله ويسّر لك الخير.
منقووووووووووول