تخطى إلى المحتوى

عندما يسجد العقل للشهوة

  • بواسطة
عندما يسجد العقل للشهوة


عندما يسجد العقل للشهوة
إنّ الشهوة الجنسية غريزة طبيعية في الإنسان، وفطرة فطر الله النّاس عليها، وقد اعترف الإسلام بهذه الغريزة واحترمها، لذلك شرع الله الزواج بين الجنسين طريقا لتلبية داعي هذه الغريزة، وجعله سنة من سنن المرسلين، وسمى العقد الذي بين الزوجين ميثاقا غليظا إشعارا بعظمته وأهميته .

وتعتبر هذه الغريزة من أقوى الغرائز لدى الإنسان، وأشدها خطرا عليه، ولذلك جعلها الله أول الشهوات التي زينت للنّاس، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ…..} [آل عمران:14].

ومتى أطلق العنان لهذه الغريزة، وفتح لها الباب على مصراعيه، في غيبة من الوازع الديني والأخلاقي، فإنّها لا تبقي ولا تدر، وتهلك الحال والمال، ويؤدي إهمالها إلى فساد المجتمع وضياع النسل والأنساب، وخراب الأمم والأفراد .

وقد حذر الله تبارك وتعالى حتى من مجرد الإقتراب من الفاحشة، فقال : {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}، وقال: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32].

وإذا حرم الله شيئا حرم أسبابه، ونهى عن دواعيه ووضع من الأحكام والتشريعات ما يسهل للنّاس تجنبه والإبتعاد عنه، فعندما حرم الله الزنا شرع عددا من القواعد والتشريعات ووضع سياجات تقي النّاس من الوقوع في أوحال الرذيلة تسهيلا لهم ورفعا للمشقة والتكلفة عنهم وإن كان في ظاهرها المشقة والتكلفة، ومن هذه التشريعات :

أولا : أمره سبحانه وتعالى الجنسين بغض البصر، فقال تعالى: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ{30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ…} [النور30-31].

ثانيا : أمر الله تعالى النّساء بالقرار في البيوت حفاظا على استقرار المجتمع فقال : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ….} [الأحزاب:33].

ثالثا : عندما تخرج المرأة من بيتها لحاجة معينة كزيارة رحم أو عيادة مريض أو غير ذلك، فإنّ الشرع فرض عليها الحجاب سدا لأبواب الفتنة، فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ..} [الأحزاب:59]، وقال : {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا…} [النور:31] .

رابعا : نهيت المرأة عن الضرب برجلها إظهارا لزينتها، فقال تعالى : {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ..} [النور:31].

خامسا : نهيت المرأة عن التكسر في الكلام، فقال تعالى : { ..فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ..} [الأحزاب:32]، وقد شرع الله الكلام من وراء حجاب في مخاطبة أمهات المؤمنين أشرف نساء العالمين، فقال تعالى : {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الأحزاب:53].

سادسا : نهي المرأة عن التعطر للأجانب، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «أيّما امرأة خرجت من بيتها مستعطرة، ثم مرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية».

سابعا : نهى الشرع الحكيم عن الإختلاط بين الجنسين، وحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية، فقال صلى الله عليه وسلم : « إيّاكم والدخول على النّساء، فقالوا : أرأيت الحمو يا رسول الله، قال : الحمو الموت الحمو الموت الحمو الموت»، وقال صلى الله عليه وسلم : «ما خلا رجل بامرأة إلّا كان الشيطان ثالثهما» .

ثامنا : شرع الله سبحانه وتعالى إشهار الزواج الشرعي، وجعل شهود العقد من شروط صحة الزواج .

ولو عمل النّاس بهذه الأحكام التي وضعها الإسلام لعاشوا في سعادة وهناء، ولكن عندما تعامت النّساء عن الوصايا، وتجاهل الشباب القواعد والأنظمة الشرعية، حلت بهم الكوارث، وانفلت الزمام من يد المجتمع .

والباب الرئيس للفاحشة والإنغماس في أوحال الرذيلة، هو إطلاق البصر في ما حرم الله تعالى، سواء كان ذلك بصورة مباشرة على أرض الواقع، أو عبر شاشات القنوات الفضائية التي ما فتئت تمطر شبابنا بسيل من الإغراءات والفتن، أو عبر شاشات شبكة المعلومات – وقد عمد بعض أصحاب مقاهي الإنترنت إلى وضع ستائر للأجهزة، ووضع كواسر( proxies ) للأجهزة تخترق المواقع المحظورة تسهيلا للشباب والمراهقين – فيكلُّ بصر الشاب من تقليبه في هذه الأمور، وتنطبع في قلبه الصور والمشاهد الخليعة، فتتولد الخواطر والأفكار السيئة تدعمها خسة النفس وإيحاء الشيطان، وتضطرم الشهوة الجنسية، وقد يلجأ عندها إلى أمور يعتقد فيها تخفيف ما يعانيه، كالعادة السرية وغيرها، فيعالج الداء بداء أخطر منه، فتنشأ الأمراض النفسية، وتزيد حدة السعار الجنسي، فيعمد الشاب عندها إلى محادثة الفتيات عن طريق الهاتف، أو بالمحادثات الإلكترونية ( التشات ) وكم من فتيات وقعن ضحايا لمثل هذه المحادثات، فيجد أن هذه الطريقة لا تروس ظمئا ولا تشبع نهما، فيقرر الفتى عندها التحرر من جميع القيود الإجتماعية، فيبدأ بارتياد أماكن الإختلاط وتجمعات الفتيات لينشئ علاقات فاسدة يظهر في بدايتها أنّه في منتهى الشرف والنزاهة، وأنّ علاقاته بريئة ( الحب البريء!! ) حتى إذا انقادت الشياه للذئب، وقع الفأس على الرأس، وارتفعت النزاهة، وهتكت الأعراض، فإذا مل من فتاة انتقل إلى أخرى، وربّما قطع بعضهم الحدود وطوى المسافات، وبذل الأموال الطائلة من أجل تحقيق رغباته الجنسية، والتخفيف من السعار الجنسي الذي يكابده .

إنّ القلب ليتفطر أسى وحسرة حين ترى الشاب في أوج قوته وفتوته، وقد جعل عقله بين رجليه، لا هم له إلّا ملاحقة الفتيات وارتياد أماكن تجمعاتهن، يعيش هائما كالسكران، يبحث عن الشهوة في كل مكان، وبأي شكل، حتى تصبح همه الأوّل، فإذا تحرك فمن أجلها، وإذا سكن فلأجلها، يقيم من أجل إرضاءها، ويسافر بحثا عنها، يسهر الليالي الطوال منكلا على عبادتها وتحقيق مطالبها، نسي أهله، وقطع أرحامه، وتناسى صلاته وعباداته، وغفل عن جميع الحقوق الواجبة عليه، وصد وجهه عن كل محتاج لمساعدة أو طالب لخدمة إنسانية، فقلبه ممتلئ بحب هذه الغريزة دون سواها، قد انفلت الزمام من عقله تقوده الشهوة كيفما أرادت .

ويا ترى ما الثمرة التي يجنيها من كل هذا اللهاث، إنّه يجني الكثير، ولكنها ثمار حنظل مرير :

الثمرة الأولى : قلق وخوف يحيط به من كل ناحية، قلق عن إعراض الفتيات، وخوف من الفضيحة والعار، وتوجس من هجوم الأمراض الجنسية .

الثمرة الثانية : الشرود الذهني والتشتت العقلي، واختلال التفكير تشعبت به الطرق، وأعيته المسالك، وسيطرت الشهوة على كامل قواه الفكرية .

الثمرة الثالثة : قلة الإنتاج الفكري والعملي، لإشتغال فكره، وتحطم نفسيته، وإجهاد جسمه .

الثمرة الرابعة : السعار الجنسي، وتوهج الغريزة، فهو كالذي يشرب من ماء البحر، كلما شرب كأسا ازداد عطشا، لا يرتوي أبدا .

الثمرة الخامسة : ذهاب مخ الساقين، وضعف البصر، وشحوب الوجه، والإحساس الدائم بالتعب والإرهاق .

الثمرة السادسة : الشعور بالملل، والتهرب من المسؤولية، وقلة الصبر والتحمل، والحساسية المفرطة، والغضب لأتفه الأسباب، وضيق الصدر، والتشنجات العصبية، والأمراض النفسانية .

الثمرة السابعة : هدر الأوقات من أجل لذة لحظات، وضياع زهرة الشباب في السعي خلف الشهوات .

الثمرة الثامنة : غياب أموال طائلة يمكن أن تصرف في كثير من المصالح الدينية والدنيوية .

الثمرة التاسعة : جريمة الزنا دين يحمله الزاني، ليوفيه مستقبلا في أهله :

إنّ الزنا دين إذا أقرضته *** كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

الثمرة العاشرة : ضعف إرادة الخير والصلاح تدريجيا في القلب، وسيطرة المعصية عليه، حيث يصبح عبدا لشهوته، أينما توجهه توجه، أراد التحرر من القيود الدينية والإجتماعية – زعم – فنال حرية كحرية ببغاء محبوس في قفص ذهبي أو كلب مربوط بسلسلة ذهبية .

الثمرة الحادية عشرة : غضب الله ومقته، وحلول المصائب والآفات، وعدم البركة في المال والعمر والأولاد .

الثمرة الثانية عشر : مقت الأقربية والأرحام، لتضييع الحقوق، وعدم الاكتراث بالمسؤولية .

وصدق الله حيث قال : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً…} [طه:124].

وليت شعري كيف يبني أمةً شبابٌ تقلب بين أحضان البغايا، وفرش المجون، أم كيف يرفع شأنها شباب يقلب طرفه في نحور الفاسقات أكثر مّمّا يقلبه في المصحف، ويرتاد تجمعات الفتيات أكثر من ارتياده المسجد ؟؟!!!

ولكن هكذا تكون الحال عندما يسجد العقل للشهوة، ويسبح بحمدها .

نعوذ بالله من شرور أعمالنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.