تطوير الذات فهم الذات صناعة الذات تطوير النفس فهم الاخرين تطوير الدات كيفية فهم الاخرين تطور الذات فن الاتصال مع الاخرين سلسلة تطوير الذات
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ..
أيها الإخوة الفضلاء .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أيها الإخوة الأكارم ، إن الله سبحانه وتعالى حينما خلق هذا الإنسان ، خلق فيه النفس والجسد والروح ..
وما كان للنفس أن تستقر حقيقة الاستقرار إن لم تطمئن الروح ..
وما كان لنفس أن تستقر أيضاً حقيقة الاستقرار إذا كان البدن مُعنّىً بأشياء يمكن علاجها ولم يستطع أن يتعامل معها ذلك الإنسان ..
وعليه أضع بين أياديكم الكريمة هذه السلسة العظمية جمعتها من كل بحر قطره واستخلصت منها ما يفيد ويتناسب مع شريعتنا السمحاء .
فبسم الله نبدأ
صناعة الذات قبل إدارة الذات
نقلة بعيدة… إدارة الذات
كان يعيش كغيره من الشباب، يدور في دوامة الحياة، يحلم بدخل جيد،
وزوجة حسناء، ومسكن مريح، ووظيفة مرموقة، همومه أرضية،
أحلامه دنيوية، وطموحاته وأحلامه لا تدور إلا في فلك أهوائه وشهواته،
وبينما هو سائد في درب الغفلة إذا برحمة الله تدركه، وتقيد له يدًا حانية
قوية تغط قلبه غطه العزم، وتهز أركانه هزة الإيمان، فيستيقظ من بعد
سبات، ويدرك ذاته من بعد شتات، ويعرف أنه صاحب منهج وحامل
رسالة، ويروح يردد مع ربعي:
‘الله ابتعثتنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة’.
لمن هذه المواعظ؟
ذلكم هو نبأ فتى الإسلام الذي تمرد على تربية العبيد، وأبي إلا أن يعيش
شبلاً حفيد أسود، يقفوا أثر أجداده الليوث من مثل حمزة وخالد، وسعد
والقعقاع وقطز وصلاح، يتسلم منهم لواء الدعوة، ويبدأ أولى الخطوات
في طريقه:
الحاملين جراح أمتهم … والكاظمين الغيظ في الصدر تذروا النفوس
لربهم ومضوا … يسعون للإبرار بالنذر خاضوا غمار الحرب لم يهنوا …
وعلى النحور دماؤهم تجري حملوا لواء الحق وانطلقوا … والنور في
قسماتهم يسري
فإلى هذا الهمام أتوجه بتلك المواعظ في بناء النفس وإدارة الذات، أدعو
فيها فتى الإسلام أن يجلس مع كل موعظة ساعة يراجع فيها علمه
وعمله وهمته، راجيًا من الله أن يجعل في تلك القطوف والشذرات عونًا
للداعية الناشئ على صياغة شخصيته صياغة قيادية إدارية فعالة ليحوز
قصب السبق في صراعه مع الباطل ممسكًا بزمام الأمور، مستعليًا فوق
التيار، ليعيد صياغة هذه الحياة وفق نور الوحي ولآلئ الشريعة
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143].
هذه بضاعتنا ردت إلينا:
ولقد اعتمدت في كتابة تلك المواعظ على كثير مما أنتجته قرائح البشر
من فنون علم النفس والإدارة والاجتماع بعد وزنه بميزان الوحيين،
وإعادة صياغته صياغة إسلامية دعوية تتناسب وواقع شباب الصحوة
وناشئة الدعاة، ولسوف ترى أيها الهمام أنه ما من صواب أنتجته العلوم
الاجتماعية الحديثة مما يقره صريح العقل ويتماشى مع سنن الله في
الحياة، إلا ويمكن أن تقف بإزائه مرددًا في ثقة تامة وفخر
{هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} [يوسف:65]،
فكل ما وصلت إليه الحضارة الغربية من هذا الصواب إنما هو صدى
الفطرة السليمة التي جاء الإسلام ليعلي من شأنها
{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30]
وما تخلف المسلمون عن ركب المعالي إلا من بعد ما أداروا لنور الوحي
الظهور، وإنما مثلنا ومثل رواد الحضارة الغربية كمثل من قال: ‘الناس
رجلان، رجل نام في النور ورجل استيقظ في الظلام’.
فنحن معنا نور الوحي ولكننا ضللنا الطريق من بعد ما أعرضنا عنه
فأعرض الله عنا، وغرقنا في بحار السلبية والتخلف، وهم ينغمسون في
ظلام الكفر والضلال، ولكنهم استيقظوا وعملوا فنالوا بقدر دأبهم
وصبرهم، وما ربك بظلام للعبيد.
بداية المسير: لذلك أيها الهمام دعنا نبدأ معًا في هذه الرحلة الشيقة على
درب إدارة الذات وزيادة الفاعلية، ممتطية صهوة جواد
{إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].
ولنبدأ موعظتنا الأولى بهذا التساؤل المنطقي:
ما المقصود بإدارة الذات؟
بجيبك عن ذلك الخبراء فيقولون:
إدارة الذات هي: قدرة الفرد على توجيه مشاعره وأفكاره وإمكانياته نحو
الأهداف التي يصبو إلى تحقيقها، فالذات إذن هي ما يملكه الشخص من
مشاعر وأفكار وإمكانات وقدرات، وإداراتها تعني استغلال ذلك كله
الاستغلال الأمثل في تحقيق الأهداف والآمال، وهذه القدرات فيها ما هو موجود فيك بالفعل، ومنها ما تحتاج أن تكتسبه بالممارسة والمران لفنون الكفاءة والفاعلية والتي منها:
كيف تحدد أهدافك؟
كيف تنظم وقتك؟
كيف تسيطر على ذاتك؟
كيف تكتسب الثقة بنفسك؟
كيف نقتن فن التركيز؟
كيف تفكر بطريقة صحيحة؟
كيف تتخذ قراراك؟
كيف تقوي ذاكرتك؟
كيف تحافظ على صحتك؟
كيف تكسب الآخرين وتقيم معهم علاقات ناجحة؟
كيف تفهم الشخصيات؟
كيف تدير عملك؟
كيف تدير اجتماعاتك؟
كيف تتعامل مع المشكلات؟
كيف ترفع إنتاجيتك؟
كيف تتقن فن التفاوض؟
كيف تخطط لعملك؟
كيف تطور عملك وتضع له رؤية مستقبلية؟
وغير ذلك من فنون إدارة الذات مما سنلتقي معه إن شاء الله على تلك الصفحات.
صناعة الذات قبل إدارة الذات:
وها هنا تبرز مشكلة ضخمة عند كثير ممن بدئوا مراراً في السير على درب إدارة الذات، وكلما حاولوا ممارسة بعض فنونها عادوا القهقرى بعد أن لم يظفروا بنتيجة ملموسة مع نفوسهم، إنه من السهل جدًا على سبيل المثال أن أقول لك: إذا أردت أن تنظم يومك فعليك في كل صباح أن تدون أعمالك ومهماتك في ورقة، ثم توزع أوقات يومك على تلك الواجبات، وكلما أنجزت عملاً منها فقم بإسقاطه من تلك الورقة .. إلخ.
وكلنا حاولنا هذا من قبل وفشلنا في الاستمرار عليه بل تحقيقه لمرة واحدة فقط وقس على ذلك في سائر فنون الفاعلية وإدارة الذات.
إن تحليل هذه الظاهرة لهو من الأهمية بمكان، إذ عليه تتوقف بداية الانطلاقة السليمة في سبيل الحصول على الشخصية الإدارية الفعالة، وفي تقديري أن ذلك يرجع أساسًا إلى معوقات وسلبيات متأصلة في نفوسنا، أفرزتها تربية مجتمعاتنا بعدما كشفت عنها شمس الإسلام، وإلا فلو ترك الإنسان لينمو ويترعرع على فطرته لغدا شخصية سوية فعاله، قادرًا على إدارة ذاته وتحقيق أهدافه، ولعل هذا بعض ما نستنتجه من إشارة نبينا صلى الله عليه وسلم :
‘كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه’.
ويؤيد علماء النفس ذلك فيقولون:
إن كل إنسان يولد وفي تكوينه بذور النبوغ والعبقرية، والكفاءة والفاعلية، ويتوقف نمو هذه البذور أو موتها على نوع التربية والرعاية التي يتلقاها الإنسان من أسرته وبيئته ومجتمعه.
ونلخص مما سبق أن حل هذه المشكلة يكمن أولاً في أن نعيد تلك النفوس إلى فطرتها ونزيح عنها ركام سنين من الصياغة السلبية التي تملأ طريقها نحو الإنجاز والفاعلية بالعوائق والعراقيل، وإلا فكيف نتقن فنون إدارة الذات ونحن أصلاً نفتقر إلى تلك الذات السوية، القادرة على تشرب تلك الفنون،
ولهذا فلا بد أولاً من أن نرفع هذا الشعار:
‘صياغة الذات قبل إدارة الذات’.
سبع خضر وأخر يابسات:
ولقد توصل أهل الاختصاص إلى عادات سبع تمثل المبادئ الأساسية للنجاح والفاعلية، إذا استطاع الفرد أن يكتسبها فإنه يخلع بإزائها من نفسه سبع عادات سلبية تمثل في مجموعها المعوقات الأساسية التي تعيق سيره في طريق الحصول على الشخصية الفعالة القادرة على إدارة ذاتها وتحقيق أهدافها.
منظومة النجاح والفاعلية 2. ابدأ وأهدافك واضحة لك 3. رتب أولوياتك وقدم الأهم فالمهم 4. فكر في المنفعة المشتركة لجميع الأطراف 5. حاول أن تفهم الآخرين قبل أن تتحدث إليهم 6. اعمل للمجموع وتعاون مع الآخرين 7. جدد قدراتك باستمرار
منظومة الفشل والسلبية
2. قم بأعمال كثيرة لا تدري لها هدفًا 3. كن فوضويًا واعمل ما تشاء وقتما يحلو لك 4. كن أنانيًا يهمه أن يكسب ولو خسر الآخرون 5. لا يهم أن تفهمهم بل المهم أن يسمعوك 6. اعمل لنفسك لا مع الآخرين 7. ارضَ بواقعك ولا تحاول أبدًا أن ترتقي بنفسك
هم وأنا ونحن:
وتقوم هذه العادات السبع على تصور واضح للشخصية الفعالة يتمشى تمامًا مع روح الفطرة وجوهر الشريعة، فالشخصية الناجحة هي التي قطعت مراحل النضج الثلاثة والتي تبدأ من مرحلة الاعتماد على الآخرين ثم مرحلة القدرة على الاستقلال الذاتي والاعتماد على النفس ثم نصل إلى قمة هرم النضج وهي مرحلة التعاون والتكامل مع الآخرين، ولنضرب هذا المثال ليوضح ذاك المقال:
تأمل معنا واقع شباب الصحوة ممن يوصفون بأنهم أرباب الالتزام، كيف يتصرفون حيال قضية العمل لهذا الدين؟
كثير منهم لا يحمل القضية ويظن أن الدعوة أو حتى بناء نفسه وتربيتها هي مسئولية غيره ممن كان من الدعاة والعلماء، وهذا هو العاجز الذي ‘أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني’ ومازال يعيش أسير مرحلة ‘هم’.
وصنف ثان قطع أولى مراحل النضج، وأدرك أن {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] وأنه يمكن أن يقوم بنفسه بدور يعتمد فيه على ذاته في نصرة هذا الدين، ولكنه ما زال في دائرة ‘أنا’ ولما يصل بعد إلى ما وصل إليه الصنف الثالث ممن اعتمدوا على ذواتهم وقدراتهم في واجب الدعوة، ولكنهم أدركوا مع ذلك أن هناك أعمالاً يتطلبها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا من خلال عمل جماعي قوامه التعاون والتعاضد والتكامل، فاكتمل نضجهم لما امتثلوا {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2] ووصلوا سالمين إلى نهاية رحلة النضج بعد أن استقروا في مرحلة ‘نحن’.
ما لا يُدرك كله لا يُترك جُلُّه:
وهذه العادات أيها الهمام لا يؤخذ كل منها على حدة، بل هي منظومة متكاملة تتفاعل مع بعضها البعض لتضبط عجلات قطار ذاتك على قضبان الكفاءة والفاعلية، وترتقي بك عبر مراحل النضج الثلاثة، فالعادات الثلاثة الأولى تصنع منك شخصية قادرة على الاستقلال الذاتي والاعتماد على النفس من ‘هم’ إلى ‘أنا’ والعادات الثلاثة التالية تجعل منك شخصًا قادرًا على التعاون والتعاضد مع الآخرين من ‘أنا’ إلى ‘نحن’, ثم العادة السابعة وهي الشحذ المستمر للقدرات الذاتية تمثل الإطار العام الذي يجمع كل العادات السابقة، فكلما زادت قدراتك الذهنية والبدنية، والروحية والاجتماعية كلما وصلت إلى مستوى أعلم وارفع في ممارستك لبقية العادات السبع، لذلك أيها الحبيب فاعلم أن أي خلل في تحصيل أحد أركان هذه المنظومة السباعية سوف يؤثر بالضرورة على بقية الأركان، ولعله يضعف إلى حد بعيد من الثمرة المرجوة منها.
نهاية البداية:
ولعلك الآن يا صاحبي قد أدركت تفاصيل رحلتنا المباركة في درب إدارة الذات، فلا بد أولاً أن نبدأ بإعادة صياغة ذواتنا وفق مبادئ الإنجاز والفاعلية ثم نرتاد بعد ذلك فنون إدارة الذات لنزيد من كفاءتنا وفاعليتنا.
فإن صح منك العزم أيها الهمام على السير برفقتنا، فدونك الميدان، أثر نقعه، وتوسط جمعه, وأعلن أن ثمن السيادة هجر الوسادة, وأن منازل الكرام لا تنبغي لأهل المنام، واتبع سيرة سيد أولى العزم من الرسل لما تحمَّل االأمانة فدعي إلى الراحة، فقابلها بشعار: ‘مضى عهد النوم يا خديجة’ واسمع لتلك الفائدة من فوائد ابن القيم ينبيك فيها أنه: ‘وإنما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل، فإذا حاد المسافر عن الطريق ونام الليل كله فمتى يصل إلى مقصده؟!’.
فتأمل … يرعاك الله