استشارات طبيه علميه طب
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
أود أن أشكر جميع من ساهم في هذا المدونة الممتاز – وجزاكم الله خيراً -.
أنا فتاة أبلغ من العمر (27) عاماً، غير متزوجة، تحجبت مؤخراً وواظبت على صلاتي، أصلي الفجر وأقوم الليل – بفضل الله -.
لقد حصلت على شهادة دبلوم عالي منذ ثلاث سنوات في المعلومات، لكني لا استطيع البحث عن وظيفة، على الرغم من كرهي لمنزلنا، فأبي في شجار دائم والبيت مليء بالمشاكلات التافهة، وصل بي الحال وأصبحت أتكلم مثل العجائز.
أريد أن أبني حياتي الخاصة، فأنا أبكي وأدعو الله يومياً بأن يعينني على ذلك، فأنا أعلم بوجوب أخذ الأسباب، قمت بالتسجيل لإكمال دراستي دراسة الدكتوراه، وبسبب كسلي أوقفت البحث، وعدت إلى ما كنت عليه في السابق.
لم يتقدم لنا أي أحد لخطبتي حتى الآن، أنا وأختي التي تكبرني بعامين، لقد تعبت كثيراً، كثرة الفراغ تقتلني، أصبحت أفكر في الجنس كثيراً وأشاهد المقاطع الإباحية ثم أتوب ثم أعود لها وهكذا، أصبح الجميع يرونني بنظرات الشفقة وكأنني فتاة أمية لم تنل أي نصيب من العلم، حتى أبي أصبح يعيرني بعدم الكفاءة وقلة الذكاء، هل ما زال أمامي أي أمل؟ وكيف يمكنني تبرير السنوات التي مرت دون فائدة؟ كيف أحفز نفسي للبحث عن وظيفة? علماً بأنني أصغر إخوتي، وجميع إخوتي يعملون.
أفيدوني جزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ houda حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولاً: شكر الله لك – أختنا الكريمة – إقبالك على الله، ورجوعك إليه، فما أجمل أن يعود المرء إلى ربه، فلا سعادة ولا هناء ولا استقرار ولا أمان إلا بالرجوع إلى الله عز وجل، نسأل الله أن يثبتك على طاعته.
ثانياً: نريدك أن تطمئني تماماً لقضاء الله، وأن تعلمي أن ما أنت فيه من تفكير مئات بل آلاف الفتيات في مثل يعمرك يعانين منه، ويفكرن فيه، ولكن هناك فرق هائل بين المؤمن وغيره، فالمؤمن يدرك – أختنا الفاضلة – أن قضاء الله لا راد له، وأن الله يقضى لعبده الخير، وما يقضيه الله في وقت سيأتي في هذا الوقت بالتحديد، لن يعجل بالقدر الرجاء كما لن يؤخره عدم الاهتمام، لذلك قلوبهم مطمئنة، وأنفسهم هادئة، وحياتهم مستقيمة، لأنهم يدركون أن الجزع من البلاء لن ينفع بل يضر، فهو مع أخذهم بالأسباب ترك الأمر على الله، ويسعهم كما يسعك في هذا المضمار أن تتذكري حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: " فَرَغَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ مَقَادِيرِ الْخَلْقِ، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ "، فالأمر مقدور أختنا ومكتوب، واللجوء إلى الله والتسليم له هو طوق النجاة لكل مبتلى.
ثالثاً: اعلمي أختنا أن المرء أحياناً يتمنى الشر والضر ويحرص عليه ظناً أن فيه العافية، والله يمنعه لأن فيه هلكته، وقد يرفض الخير يظنه شراً، والله يعطيه إياه لعلمه أن فيه العافية والنجاة، وهذا بعض قول الله تعالى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون}، فالله أعلم أيهم أفضل لك، لذا وجب عليك أن تسلمي الأمر لله خالصاً.
رابعاً: اعلمي أيتها الفاضلة: أن الحياة بلا أمل معاناة وألم، فالأمل في الله أختنا هو مطية أهل البلاء للوصول إلى الله سالمين، هو انشراح النفس وقت الضيق والأزمات، فتحول المحن إلى محن، والآلام إلى بشر وسرور.
وقد كان أعظم الناس بلاء هم الأنبياء، ولكن في ذات الوقت كانوا أكثر الناس أملاً في الله، فقريش فعلت برسول الله الشيء العظيم، وطردوه من داره وأهله، ثم جاءه جبريل – عليه السلام – وهو على هذه الحالة من الألم والمعاناة، أتاه بعد رحلة الطائف الشاقة، وقال له: ((لقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك، إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبيْن)) – اسم جبلين – فتحدث الأمل من جوف رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (بل أرجو أن يُخْرِجَ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا)، وحين كانا هو والصديق في الغار وقد أظلمت الدنيا عليهم وكفار مكة فوق رؤوسهم والصديق يسأله خشية عليه، فنطق الأمل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بكل ثقة وإيمان: "لا تحزن إن الله معنا".
ابتلى الله – سبحانه – نبيه يعقوب بفقد ولديْه: يوسف وبنيامين، فحزن عليهما حزنًا شديدًا حتى فقد بصره، لكنه قال بلسان المؤمل بوعد الله والمستبشر بقضاء الله والمتوكل على الله : {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}، وحقق الله أمل يعقوب ورجاءه، وَرَدَّ عليه بصره وولديه.
وحين طارد فرعون وقومه موسى – عليه السلام – والمستضعفين معه، وظنوا أنهم لا محالة هلكا، فالبحر أمامهم والعدو خلفهم، وملأ اليأس قلوبهم وجوانحهم قالوا بصوت يائس هزيل: {إنا لمدركون}، فرد موسى النبي عليهم بقوله {كلا إن معي ربي سيهدين}.
هذه أمثلة – أختنا الفاضلة – وهي غيض من فيض، والأمثلة أكثر من أن تذكر، فانهضي – أختنا الفاضلة – من سباتك فأنت صغيرة والحياة أمامك طويلة، وثقي في الله وقضائه، واتركي الأوهام ودعي الكسل، فالكسل والنوم قيود من نحاس، جميلة في الظاهر لكنها عند الجوع لا تسمن ولا تغني.
خامساً: الشهوة ومشاهدة ما حرم الله لن تطفئ الشهوة ولن تشبع الرغبة، بل حال من يفعل ذلك كحال الظمآن الذي يشرب الزيت، لا هو ارتوى ولا ترك عافيته، وخير وسيلة لمحاربة تلك الشهوة الاقتراب من الله أكثر، والمحافظة على الصلاة الفرائض والنوافل، والأذكار، وصلاة الليل، وكثرة التذلل لله عز وجل، واعلمي أن الشهوة لا تقوي إلا في غياب المحافظة على الصلاة، قال الله: {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات}، فكل من اتبع الشهوة يعلم قطعاً أنه ابتعد عن الصلاة كما ينبغي، وبالعكس كل من اتبع الصلاة وحافظ عليها وأدّاها كما أمره الله أعانه الله علي شهوته.
سادساً: ثقي في عطاء الله – أختنا الكريمة – واستعيني على ما تريدين بالدعاء والإلحاح على الله، ولا تيأسي من روح الله، واحذري أن تطلبي ما أحل الله بفعل ما حرم الله، أو أن تستمطري غضب الله بالاعتراض عليه، أكثري من الدعاء إلي الله واعلمي أن الله قريب مجيب، ونحن في انتظار أن تبشرينا بخطوات عملية سلكتيها.
نسأل الله أن يرزقك الزوج الصالح والله الموفق.
منقووووووووووول