استشارات طبيه علميه طب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا فتاة عمري 20 سنة، أعاني من مشكلة التعامل مع أبي، فمنذ أن كنت في الثامنة من عمري، كان أبي مسافرا للعمل بحجة الصرف علينا، وهذا صحيح، فهو لم يبخل علينا يوما بقرش، ولكنني أشعر أنه أهملنا نفسيا.
كان يزورنا مرتين أو ثلاث مرات في السنة، والزياره تستمر لمدة أسبوعين فقط، وأنا أتفهم ذلك، ولكنني أتذكر أنه كان يتصل هاتفيا دائما للتحدث مع أمي وأهله وأخوته، ولكنه لم يطلب التحدث مع أبنائه مطلقا.
والآن بعد 12 سنة، ترك عمله وجاء ليستقر معنا، فتحول من أب مادي يصرف فقط، إلى الأب الحاضر الغائب، أنا وأخوتي نشعر أنه رجل غريب علينا، وأظنه يشعر بذلك أيضا، فهو لا يتفاعل معنا، ونادرا ما يتحدث معنا، حتى أنه عندما يكون موجودا لا أدري لماذا لا نستطيع أنا وإخوتي التحدث حتى مع بعضنا، والمشكلة بالنسبة لأختي الصغرى مضاعفة، فقد كان عمرها سنتين فقط عندما سافر أبي، وهي الآن لا تتعامل معه مطلقاً، فما الحل؟
منذ أن كنت طفلة، وأنا أحلم أن يكون لي أب مثل صديقاتي، يحادثنا ويمزح معنا، ونخرج معه، ولكننا لا نفعل شيئا من هذا، كيف يمكنني أن أغير معاملة أبي لنا؟ فهو اجتماعي مع كل أقاربنا إلا معنا نحن أولاده.
أخواتي الكبرى والصغرى تعقَّدن من أبي، ولا يرغبن بالزواج بسببه، أما أنا فلست كذلك، أريد أن أتزوج يوما، وأريد أن يكون زوجي أباً أفضل لأولادي مستقبلاً، فكيف أقنع أخواتي بذلك؟ ولكنني لا أنكر أيضاً أنني خائفة جدا من زواجي من شخص يشبه أبي في معاملته لأطفاله، كما يقول الناس: البنت تتزوج دائما شخصا يشبه أباها، وأنا أريد أن يكون لأبنائي طفولة أجمل من طفولتي، وإن تزوجت شخصا فقيرا، فلا مانع طالما أنه سـيُحب أطفاله.
أعتذر لأنني أطلت عليكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- ونشكر لك الاهتمام وحسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يوفقكم وأن يصلح الأحوال، وأن يحقق لنا ولكم في طاعته الآمال.
لقد أسعدنا إنصافك للوالد، وأنه لم يقصر يوما في الإنفاق، ونتفق معك أن هناك ما هو أهم من الجوانب المادية، وننتظر من أمثالك من العاقلات أن يكسرن الحواجز الوهمية، ونؤكد أنه ما من أب إلا وهو يتمنى اقتراب أبنائه وبناته منه، فهو أيضا بحاجه إليكم، فكوني أنت المبادرة، وتعوذي بالله من شيطان يحاول أن يباعد بينكم.
ولا شك أن بعد الوالد لسنوات له أثر عليه وعليكم، ولذلك يظهر ويشتد في حالة أختك الصغيرة، وأرجو أن تجد منكم التشجيع على الاقتراب من الوالد، واطلبي من الوالدة أن تمهد لكم وتساعدكم في الاندماج مع الوالد، والدخول إلى حياته.
وأرجو أن يفهموا البنات والأبناء الطريقة التي يعبر بها الآباء عن حبهم لأبنائهم، فإن غالب الآباء يعبرون عن حبهم لأبنائهم بالعطاء ويخفى عليهم احتياح أبنائهم إلى الإشباع العاطفي، بل إن حاجتهم للحب لا تقل عن حاجتهم للطعام والشراب، وهذا الإشكال بالطبع موجود في أكثر البيوت، وكلنا أمل في أن ينجح الشباب المتعلم في تحسين الأوضاع، وقد أسعدنا تفكيرك في إسعاد أطفالك، وفي تعويضهم عن كل ما لم يتاح لكم من خلال الأسرة، ومن المهم أن يكون لك دورٌ في تحريك الركود الأسري، ولا مانع من أن تتفقي مع الوالدة على جلساتٍ عائلية، ترفع فيها الكلفة، وتكسر معها الحواجز الوهمية، وسوف تتفاجئين بسعادة جميع أفراد الأسرة، فاستعيني بالله، وثقي أن الوالد يحبكم جداً، ولكن المطلوب هو التعبير عن ذلك الحب، وإظهار المشاعر النبيلة لأفراد الأسرة.
وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه والصبر، فإن العاقبة لأهله، وقد سعدنا بتواصلك وأفرحنا فهمك ونضجك، ونتمنى الاستمرار مع الموقع، وصولا إلى التغيير المنشود، وقبله القرب والطاعة لربنا المعبود.
وفقك الله، وهداك، وأقر عينك، وأصلح أحوالنا وأحوالكم.
منقووووووووووول