يبدو أن مشاهد الطوابير الطويلة في المراكز الصحية تختلف وفق الخطط الموضوعة من قبل مسؤوليها، حيث تكثر الطوابير والمشادات والاختناقات البشرية في مراكز، وتختفي في أخرى. وعلى الرغم من المساحات الشاسعة داخل بعض المراكز المزدحمة بالمراجعين، فإنها لم تُستغل بالشكل الأنسب، من حيث توزيع مكاتب الأطباء والهيئات التمريضية، بينما كثرت مكاتب المشرفين والإداريين فيها وبشكل لافت. لكن مشاهد الفوضى والطوابير تكاد تتلاشى من المراكز التخصصية، التي تم تشييدها وتجهيزها من قبل متبرعين في مناطق متفرقة، وهو ما يؤكد ان وزارة الصحة باتت بحاجة الى اجراء نقلة نوعية في مستوى الخدمات المقدمة بمراكز الرعاية الصحية، والتي تتلقى الحالة الأولية للمريض والمراجع.
ففي وقت تعاني مناطق سكنية من الكثافة البشرية أساسا، تبقى الخدمات الصحية على حالها من دون اي تطوير، فضلا عن وجود نقص في الاطباء في بعض المراكز، وهو ما يتكشف لحظة مراجعة المراكز في اوقات المساء او حتى ايام الخفارة.
القبس جالت على مراكز رعاية أولية وتخصصية في محافظات الفروانية والجهراء والعاصمة، لرصد اوجه القصور في بعض المراكز، بالاضافة الى الطوابير الطويلة، وكانت مراكز العاصمة اكثر تنظيما وهدوءاً من غيرها.
على الرغم من تصريحات مسؤولي وزارة الصحة بشأن خطط تطوير مستوى الخدمات المقدمة في المراكز الصحية، فإنها تبدو «حبراً على ورق»، حيث غصّ مركز الفروانية الغربي بأعداد كبيرة من المراجعين مع اول يوم عمل بالاسبوع، وتحديدا عند الثامنة صباحا، وكانت الطوابير تصل الى البوابة الخارجية للمركز بشكل لافت، وهو ما جعل البوابة مفتوحة بشكل مستمر، وتسببت في مضايقات للمراجعين والمرضى، لا سيما من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين كان يصعب عليهم الدخول والانتظار لفترات طويلة حتى التسجيل عند الموظف المختص، والحصول على رقم، تمهيدا للدخول على الطبيب، فضلا عن ارتفاع الاصوات والمشادات في بعض الاقسام بين المراجعين والموظفين، حيث تتسبب مشاهد الطوابير في وقوع المشادات احيانا بين المراجعين انفسهم، بسبب حرصهم على تسجيل الدخول والخروج سريعاً من الطبيب المختص.
يقول المراجع أحمد حسن ان بعض الموظفين يتسببون في وقوع المشاحنات مع المراجعين، بسبب المزاجية المتبعة في عملية منح الارقام والتسجيل والتشديد على عنوان السكن للمريض، مبينا ان البعض من قاطني الفروانية يكون عنوان سكنهم في البطاقة المدنية تابعا لمنطقة سكنية اخرى، كان يقطنها قبل اعوام، لافتا الى ان عملية منحهم الارقام والتسجيل تعود الى الموظف في الاستقبال، مطالبا بتذليل المعوقات امام المراجعين، لا سيما انهم يراجعون المركز بسبب الامراض التي يتعرضون لها، مؤكدا ان بعض المراجعين يكونون سببا رئيسيا في المشاحنات، بسبب اصرارهم على الدخول اولاً على الطبيب، متجاوزين من يسبقهم.
افتراش الأرض
وفي الدور الاول المخصص لقسم الاسنان، لاحظنا وجود اعداد اقل من الموجودة بالدور الارضي، لكنها زادت على المقاعد المخصصة لهم، ما ادى الى جلوس كثير منهم على الارض، لحين الدخول على الطبيب او اجراء الاشعة، التي كان امام الغرفة المخصصة لها تزاحم للمراجعين. ووفق المراجع خالد السهلي، فإن المواطن يعاني للحصول على الخدمة الطبية في المركز الصحي، موضحا ان المعاناة تبدأ عند عملية التسجيل، وتنتهي بنوعية الادوية التي تصرف من صيدلية المركز، حيث تتوافر بعض الادوية في مراكز وتختفي في اخرى، مطالبا المسؤولين بوزارة الصحة باجراء جولات تفقدية على مراكز الرعاية الصحية في المحافظة، لان الكثافة السكانية تتجاوز امكانات المراكز، لافتا الى ان ردود بعض الموظفين وراء وقوع مشاحنات مع المراجعين، رغم وجود موظفين يمتازون بالردود الايجابية وسعة الصدر مع المراجعين، وهو ما يخفف من معاناة المريض والمراجع.
مشهد مكرر
في مركز الصليبية الصحي، قطعة 6، لم يختلف المشهد كثيرا عن الفروانية الغربي، إذ تزاحم المراجعون امام كاونتر منح الارقام، ولم تكن هناك مواقع مخصصة لتسجيل النساء.
ووفق المراجع عايد ضحوي، فإن منطقة الصليبية كانت تضم مركزاً صحياً آخر، لكنه أغلق بصورة مفاجئة قبل عامين، مما تسبب في زيادة أعداد المراجعين بشكل لافت، مشيراً الى ان المنطقة تحتوي على اكثر من 6 آلاف وحدة سكنية، وتعاني اساساً من كثافة سكانية، مطالباً الوزارة بسرعة افتتاح المركز الثاني في وقت قريب.
ومن امام عيادة الطب العام، لفت المراجع بدر الفضلي الى ان الوضع بالمركز الصحي لا يطاق، وان المزاجية موجودة لدى بعض الموظفين والاطباء، مؤكدا انه يبحث عن الطبيب للحصول على العلاج المناسب، لعدم جلوسه على مكتبه المخصص له، فضلا عن معرفة نوعية الادوية التي تصرف من صيدلية المركز، لانها محدودة جدا، مشيراً الى توافر ادوية اخرى في مراكز صحية تخصصية، مما يكشف ان الوزارة بلا خطة محددة بشأن طريقة صرف الادوية، او حتى كيفية التعامل مع الطوابير الطويلة من المراجعين، التي تختفي عن مراكز صحية اخرى، يتم تشييدها من قبل متبرعين، ويقومون بالاشراف عليها بالتعاون مع وزارة الصحة، مشددا على اهمية تطبيق القانون على الجميع، لا سيما على الاطباء او الموظفين الذين يثبت عدم تواجدهم في أماكنهم أثناء ساعات العمل الرسمي.
التطوير غائب
أشار المراجعون الى ان بعض مراكز الرعاية الصحية الاولية لا يزال يعاني من الروتين الممل والنقص الحاد للاطباء والكوادر التمريضية فيها، فضلا عن عدم تطوير نوعية الخدمات بداخلها، وهو ما يحتاج الى دراسة مستفيضة للاجواء العامة فيها، ابتداء من الدخول على كاونتر موظفي الاستقبال مرورا بالاطباء، واخيرا الحصول على الادوية من الصيدلية، حيث يمكث المراجع وقتا طويلا بداخلها لحين الخروج من المركز الصحي.
طبيب واحد!
أجمع المراجعون في مركز الصليبية على وجود طبيب واحد في بعض الاحيان لعلاج اهالي منطقة سكنية كاملة، مشيرين الى ان مثل هذا الاجراء يؤدي الى مضاعفات صحية خطيرة على المريض او المراجع، مؤكدين ان الوزارة مطالبة بزيادة عدد الاطباء والكوادر الطبية من كل التخصصات، سيما في ظل عدم وجود اي مركز صحي اخر بالمنطقة.